يعتزم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الإبقاء على رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي في منصبه، باعتباره مصدراً للاستمرارية في المؤسسة العسكرية، في ظلّ "اضطراب قيادي" في وزارة الدفاع (البنتاغون)، وفق ما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
ورجّحت الوكالة ألا يعمد بايدن إلى إبدال ميلي، بوصفه مستشاراً عسكرياً بارزاً له، مشيرة إلى أن الأخير هو مدافع قوي عن تقليد ابتعاد الجيش عن السياسة، حتى في وقت عيّن الرئيس دونالد ترمب مؤيّدين سياسيين له في البنتاغون.
وطمأن ميلي الكونغرس بأن الجيش سيبقى خارج الانتخابات، وأبلغ القوات المسلحة، بعبارات لا لبس فيها، بأن اقتحام مبنى الكابيتول يُعتبر فتنة.
ويؤدي القادة العسكريون دوماً أدواراً حاسمة في ضمان الاستقرار، لدى انتقال السلطة من إدارة إلى أخرى. لكن ميلي سيكون مهماً بشكل خاص للاستمرارية، بعد مرحلة انتقالية متأخرة وشائكة، إثر انتخابات الرئاسة التي نُظمت في الـ3 من نوفمبر الماضي، وعدم يقين بشأن موعد تثبيت مجلس الشيوخ المرشحين لتولّي مناصب بارزة في البنتاغون.
بايدن والأهداف الاستراتيجية
وبدأ ميلي (62 عاماً) السنة الثانية من ولاية تستمر 4 سنوات رئيساً لأركان الجيش. وكان سلفه، الجنرال المتقاعد جوزف دانفورد، شخصية انتقالية أيضاً، إذ عيّنه الرئيس السابق باراك أوباما، واستمر لنحو 3 سنوات مع ترمب، علماً أن رئيس هيئة الأركان المشتركة لا يقود القوات الأميركية، بل ينصح الرئيس ووزير الدفاع بشأن التعامل مع مشكلات عسكرية كبرى.
وسيواجه بايدن مشكلات كثيرة منذ البداية، بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية. وإضافة إلى التعامل مع أزمات عسكرية محتملة، سيتطلّع بايدن إلى ميلي، مع مرشحه لمنصب وزير الدفاع، الجنرال لويد أوستن، للحصول على المشورة بشأن الأهداف الاستراتيجية من منظور أوسع، بما في ذلك متابعة معاهدات الحدّ من التسلح مع روسيا، ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط والتنافس مع الصين.
واتصلت الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي بميلي، بعد يومين على أحداث الكابيتول، متسائلة عمّا يمكن فعله للتحقق من سلطة ترمب في إصدار أمر بشنّ هجوم نووي، في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. وإذ إن رئيس هيئة الأركان المشتركة ليس عضواً في سلسلة القيادة النووية، يعكس اتصال بيلوسي به وجهة نظر مفادها أن الاستقرار يبدأ بميلي، في غياب وزير دفاع أصيل، وفق "أسوشيتد برس".
وأشارت الوكالة إلى أن ميلي جاهز لتحمّل المسؤولية، ويعتمد غالباً على معرفته العميقة بالتاريخ العسكري، كما لا يتردد في تأكيد رأيه. ويتحدث ميلي بإجلال عن والده الراحل، وهو من المحاربين القدامى في معارك المحيط الهادئ، خلال الحرب العالمية الثانية، وعن قلقه من تعرّض الولايات المتحدة لحرب فضائية.
"رجل نبيل"
كان ميلي، وهو من ولاية ماساتشوستس، ضابط مدرعات في عام 1980، وترقّى ليصبح رئيس أركان الجيش بعد 35 عاماً. وعندما أعلن ترمب اختياره لرئاسة هيئة الأركان المشتركة، قبل نحو سنة من انتهاء ولاية دانفورد، وصف ميلي بأنه "رجل نبيل" وجندي بارز.
وفي يونيو 2020، بدا أن ميلي معرّض لخطر الطرد من منصبه، بعدما عارض حديث ترمب عن التذرّع بـ "قانون التمرد"، لنشر جنود في واشنطن، لمواجهة الاحتجاجات التي تلت وفاة الأميركي من أصل إفريقي جورج فلويد تحت ركبة شرطي أبيض.
كذلك أسِف ميلي لكونه جزءاً من مجموعة رافقت ترمب قرب كنيسة، في الأول من يونيو 2020. وتعرّض ميلي لانتقادات آنذاك، بوصفه بيدقاً سياسياً. وبعد أيام، اعتبر رئيس الأركان أنه ارتكب خطأً جسيماً، وبدا خلال الأشهر التي تلت ذلك، أن ترمب قد يطرده.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن مايكل أوهانلون، وهو محلل دفاعي في "معهد بروكينغز"، قوله إن على الرئيس المنتخب ألا يحسب ميلي على سلفه. وأضاف: "إذا أراد بايدن توجيه رسائل بشأن المصالحة والتعاون بين الحزبين، يمكنه البدء بالعمل عن كثب مع ميلي".
وتحسّباً لعدم تثبيت مجلس الشيوخ أوستن وزيراً للدفاع، بحلول تنصيب بايدن الأربعاء، أقنع الأخير نائب وزير الدفاع ديفيد نوركويست بالبقاء مؤقتاً، بوصفه وزيراً بالوكالة. وهذا يجعل وجود ميلي أكثر أهمية.
5 وزراء للدفاع
وبمجرد تثبيته، سيقود أوستن وزارة دفاع شهدت فترة غير عادية من عدم الاستقرار في القيادة، إذ عيّن ترمب أكبر عدد من وزراء الدفاع، مقارنة بأي رئيس حكم ولاية واحدة في تاريخ الولايات المتحدة، وهم اثنان ثبتهما مجلس الشيوخ، وثلاثة آخرون خدموا بالوكالة.
ويطرح ترشيح أوستن للمنصب، وهو جنرال متقاعد حديثاً في الجيش، أسئلة في الكونغرس وأماكن أخرى، بشأن كيفية تأثير وجود ضابط عسكري سابق يقود البنتاغون، في العلاقات بين المسؤولين المدنيين والعسكريين.
ويعتبر روجر زاخيم، مدير "مؤسسة ومعهد رونالد ريغان الرئاسي" في واشنطن، أن الجهد الإضافي المطلوب لنيل إذن من الكونغرس برفع الحظر المفروض على تولّي الضباط المتقاعدين حديثاً من الجيش، منصب وزير الدفاع، قد يدفع بايدن إلى تجنّب إقالة ميلي. وأضاف: "لا يريد المرء أن يثير مزيداً من الاضطراب، يتجاوز ما سيكون عليه التعامل معه في عملية ترشيح الجنرال أوستن".
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن بايدن سيتطلّع إلى ميلي، ليس فقط لنيل مشورة بشأن المشكلات الحالية، ولكن أيضاً للتوجيه بشأن تعديلات مستقبلية لهيكلية المؤسسة العسكرية واستراتيجيتها، بما في ذلك تغييرات في الانتشار العسكري الأميركي في الخارج.
ويبدو ميلي متقبّلاً لاحتمال سعي بايدن إلى تقليص الموازنات الدفاعية، إذ قال أخيراً: "علينا في البنتاغون، مدنيين وعسكريين، التحقق من واقع الموازنة الوطنية وما قد يحدث في المستقبل غير البعيد... هناك احتمال معقول بتقلّص موازنات البنتاغون".