أحمد الفخراني بعد "إخضاع الكلب": أنا مرعوب من التخلي عن الفانتازيا

time reading iconدقائق القراءة - 6
الكاتب الروائي المصري أحمد الفخراني - الشرق
الكاتب الروائي المصري أحمد الفخراني - الشرق
القاهرة-علا الساكت

في أحدث رواياته "إخضاع الكلب" يبحر الروائي المصري أحمد الفخراني في الواقع، وقد تزود بقسط من الخيال والفانتازيا التي احترف تقديمها في عوالمه السابقة، لم تغب تماماً كما يبدو من الوهلة الأولى، لكنها ليست حاضرة بالقوة التي اعتاد عليها قارئ الفخراني.

تحتل الفانتازيا الجانب الأكبر من كتابات الفخراني، هي ساحة آمنة بالنسبة له، كانت محوراً لروايتيه " بياصة الشوام"(2020) و"ماندوريلا" (2016)، وكلتا الروايتين نالتا جائزة ساويرس لشباب الكتاب.

الرواية الجديدة هي الخامسة في مسيرة الفخراني، فهناك أيضاً "سيرة سيد الباشا"(2016)، و"عائلة جادو"(2017)، فضلاً عن ديوان شعر بالعامية المصرية "ديكورات بسيطة" 2007، ومجموعة قصصية "في كل قلب حكاية" 2009. 

"رعب فقد السلاح"

لماذا كانت هذه النقلة الإبداعية والتحليق بعيداً عن عوالمه الآمنة؟ يجيب الفخراني في حديث لـ"الشرق" : "كنت مرعوباً من فكرة التخلي عن السلاح الأهم لدي وهو الفانتازيا، وهذا تحدٍ، لكني راض عن النتيجة أياً كانت".

لكن الفخراني يرى بالرغم من ذلك أن الرواية ما زالت تقع ضمن نطاق مشروعه الإبداعي، ولا تبتعد عنه كثيراً، ويقول: إنها "عبارة عن عالم يدور في ذهن شخص، ليس بالضرورة كل ما يراه هو الحقيقة، وهذا معناه أني لم أغلق الباب تماماً أمام الفانتازيا، وإذا جاء وقت شعرت فيه أنها الأقرب إلى عالمي فسأكتبها مجدداً".

 قضى الفخرانى وقتاً سابقاً على "إخضاع الكلب" يدرب قلمه على استقبال الواقع وكتابته، فيما كان يراقب هذا التحول التدريجي. يقول :"شعرت أني أتجه إلى الواقعية وأنا أكتب تدريجياً، ولم أخطط لذلك، وقد سبق الرواية عدد من الكتابات الواقعية في مواقع وجرائد ومدونات".

هذا الجنوح ربما كان ابناً للقرار الراديكالي الذي اتخذه الفخراني بالانتقال إلى مدينة دهب في جنوب سيناء، وهي مدينة ساحلية هادئة، يختلف وقع الحياة فيها كلياً عن صخب مدينتي الإسكندرية والقاهرة حيث كان يقيم سابقاً، وهو ما يقول إنه منحه "مساحة جديدة من التأمل، في هذه المدينة الصغيرة صرت أرى العالم بمزيد من التفاصيل".

مدينة هادئة و"بطل همجي"

تدور رواية "إخضاع الكلب" حول صراع بين رجل مهزوم وكلب عنيد، فالعنوان هنا ينطبق على موضوع الرواية التي تتناول في الخلفية عدة إشكالات معاصرة حول الحياة المدنية، وأفكار ومبادئ المثقفين والحقوقيين من الطبقة المتوسطة، فما أن استقبل البطل المهزوم في حياته العاطفية والمهنية، الذي يعاني فوبيا الكلاب، كلباً في حديقته حتى وضعت كل مبادئه وأفكاره ومشاعره تحت الاختبار.

اختار الفخرانى الكلب مجازاً عن الصداقة والأبوة والحب، إذ يقول: "الناس تربي الكلاب بحثاً عن الصداقة والبنوة والحب، كما أن العلاقة مع أي كلب تبدأ بالتربية".

لكن بطل "إخضاع الكلب" يعيش صراعاً حقيقياً بين التحضر والهمجية، بحسب الفخراني فهو "يعيش لحظة تنكشف فيها إذا ما كانت المبادئ حقيقة أم قناعات زائفة، هناك خطاب ناقد لفكرة الأمومة والأبوة داخل الرواية، فنحن هنا أمام صورة من صورة الأبوة"، ويضيف الكاتب: "نشاهد من خلال العلاقة بين الرجل والكلب أحد أهم مشكلات الفرد المعاصر، وهي أنه أناني يعتبر نفسه محور الكون، إذ يعتبر كل فرد نفسه الصالح الوحيد، بينما الباقون أشرار، فيربي أبناءه بنفس الطريقة، ولينتج لنا المآسي".

ويتابع الروائي المصري: "في هذا الصراع أيضاً نكتشف أن تحضر النخبة ليس أصيلاً، إذ تتبخر كل المبادئ والشعارات ويبقى الهمجي الذي يضرب الكلب، نكتشف أيضاً أن كثيراً من خطاباتنا مفتعلة لأنها لم تطبق بالكامل، ولم تأت عن فهم".

"بذور التطرف"

ويرصد الفخرانى في روايته بذور التطرف التي تبدأ باعتقاد البطل بأنه النقي الوحيد، وأن كل من حوله أشرار، وحين يكتشف أن هذا ليس حقيقياً يرتعب ويعود لأصوله الهمجية، يقول: "هذا الخطاب المضمر الذي يدعي النقاء الأخلاقي لا تصلح معه أية نهايات سوى أن يكون عدواً للمجتمع، وأن يرى الجريمة أمراً سهلاً، فحين ترى الآخرين أشراراً، يكون ارتكاب الجريمة ضدهم منطقياً، هذا يفسر كيف يستحل المتطرفون حياة الآخرين".

وفي سبيل الوصول إلى هذا القدر من التجريد، تخلى الفخراني عن غواية الكتابة عن المدينة، بتفاصيلها وأناسها، بل تخلى عن الإفراط في رسم شخوص الرواية، حتى البطلة (أسما) لم يحظ القارئ بمعرفة تفاصيلها، يقول الفخراني: "كنت سأكتب عن المدينة، لكن تم اختزال ذلك لصالح القصة الأساسية وهي العلاقة بين الرجل والكلب، كما أن  هناك شخصيات تم تجريدها لتبرز هذه العلاقة، أسما لديها حضور قوي منذ اللحظة الأولى، ليس حضوراً جسدياً بالضرورة، وإنما حضور المحرك القوي للأحداث، فالبطل لا يحب الكلب لكنه يريد أن يرضي أسما، وحين تتوتر هذه العلاقة ينعكس ذلك على علاقته بالكلب".

 وبدل الإسراف في العلاقات الإنسانية التي يخشاها البطل، وينفر منها فقد استعان الفخراني بعصاه التقليدية -الفانتازيا- ليرسم شخصية "الكلبة البيضاء المرقطة" وهي كلبة شارع تعزف عن مهاجمته، فيعتبر ذلك بادرة سلام تسمح له بالخوض معها في نقاشات فلسفية عميقة، يستعرض فيه أفكاره دون خجل أو مواربة.

هذه الحيلة التي لجأ إليها الفخراني سمحت له باستخدام مرآة يستعرض فيها البطل صراعه مع ذاته، مع قيمه ووعيه. يقول :"هذه الكلبة كانت ضميره الذي ينازعه، والمرآة التي يرى فيها الجرم الذي ينزلق إليه، كانت الحوارات بينه وبينها خيالاً في ذهنه، وكان لا بد أن تكون بهذا القدر من الفلسفة العميقة، لأنها تمثل الخطابات الثقافية التي يتبناها وينتمي إليها".