
يستضيف جاليري "آرت فوكس" في حي الزمالك بالقاهرة، المعرض الاستعادي للفنان الراحل الأرمني المصري شانت أفيديسيان، تحت عنوان "شانت أفيديسيان.. أغنية مصرية"، وذلك حتى 15 الجاري.
ويقدم المعرض رحلة لمسيرة الفنان (1951 – 2018) عبر أعماله التي سجلت رقماً قياسياً لأعلى سعر حققه فنان عربي معاصر في مزاد علني، عام 2013، عندما بيعت بأكثر من 1.5 مليون دولار في "دار سوذبيز" بالعاصمة القطرية الدوحة.
ويضم المعرض أعمال أفيديسيان من مجموعة خاصة لمقتنيات "جورج ميكاليان"، وتتنوع بين اللوحات، والرسومات، والصور الفوتوغرافية، التي أنتجها الفنان الراحل في القاهرة.
أنماط انتقائية
ويتضح حب أفيديسيان الكبير لوطنه بالتبني مصر، وثقافته الكبيرة في الفن الشعبي، والشعر الصوفي، من خلال أنماط انتقائية للحضارة المصرية تتنوع بين الفرعونية، والأيقونات القبطية، والسجاد البدوي، والفنون الإسلامية الكلاسيكية.
وعن ذلك، تقول منسقة المعرض فاتن كنفاني لـ"الشرق": "كان مصدر إلهام أفيديسيان الرئيسي هو مصر وشعبها، ومساجدها، وكنائسها، والنيل، والأشجار. والأهم في ذلك البساطة، والتسامح، وتعدد الطوائف في انسجام".
التراث والحداثة
جمع الفنان الأرمني بين الفن التقليدي والمعاصر لإعادة بناء الهوية الثقافية لأرضه الأصلية، إذ صور نساءً طوال القامة يتجولن حاملات الخبز فوق رؤوسهن، يرتدين جلابيب سوداء تقليدية، في حين تصوّر أعمال أخرى مشاهد متنوعة من مصر، مثل أشجار النخيل كعنصر أساسي في ريف مصر وصعيدها.
وتوضح كنفاني أن "التقنية التي استخدمها أفيديسيان كانت بسيطة بصرياً وواقعية"، إذ يعبر بطريقة رمزية "كأنه وجد السلام في الفن"، لافتة إلى أن معلمته الراحلة نورا أزاديان وصفت شانت بأنه "بلا توجيه".
وعن الموضوعات المركزية التي شكلت أعمال أفيديسيان، تقول منسقة المعرض: "اعتاد رسم الفلاحة المصرية، والمناظر الطبيعية، ومصر الروحانية، مع لقطات من الحياة اليومية الريفية. إذ يرتبط عمله بمصر القديمة في التصوير المسطح، وتعبيرات الوجه، وقوام الجسم".
قوالب "الاستنسل"
بدأ استخدام أفيديسيان لقوالب الاستنسل في طفولته، لكنها تحولت لاحقاً إلى وسيلة نقدية خفية للمجتمع المصري والعربي، عبر استخدامه صور الصحف القديمة.
تقول كنفاني إن "قوالب الاستنسل شكلت لأفيديسيان ثقافة عربية جماعية متعددة الطبقات، ممزقة بين الماضي والحاضر، الحقيقة والكذب، الواقع والدعاية"، موضحة أنه "استخدمها لتجسيد نوع من الواقعية الإجتماعية، أو النقد الثقافي".
وتضيف: "رسم بهذا التكنيك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكوكب الشرق أم كلثوم، والمباني والمعالم الشهيرة، أنوبيس، وآلهة قديمة أخرى".
أرمني من صعيد مصر
وعن حياته الأولى، تقول مديرة الجاليري شيرين شفيق، إن شانت أفيديسيان اشتهر بـ"شانت المصري"، وولد في صعيد مصر عام 1951، لأبوين أرمنيين فروا من الغزو التركي لوطنهم في أوائل القرن التاسع عشر، ثم تلقى تعليمه في مدرسة "كالوسديان" الأرمنية بالقاهرة.
وبدأ أفيديسيان في تصميم الملصقات، ومجموعات المسرح، والأزياء، ثم اتجه لتصميم بطاقات عيد الميلاد المرسومة يدوياً، حتى أقام معرضه النسيجي الأول في الإسكندرية عام 1970، ثم سافر إلى كندا، وفرنسا، حيث التحق بالمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس.
لم يلبث أفيديسيان في الخارج فترة طويلة حتى عاد مجدداً إلى مصر عام 1981، وقال في حوار تلفزيوني قديم: "ولدت في هذا البلد، وهناك سبب يجعلني أعود إليه".
وعن فنه في هذه المرحلة توضح شيرين شفيق: "عند عودته إلى مصر، بدأ بتجربة التصوير الفوتوغرافي، واللوحات الخاصة بالريف المصري، وكذلك تصميم الأزياء والمنسوجات".
فلسفة حسن فتحي
لم يتوقف بحث أفيديسيان أبداً عن الجمال المصري، ليخوض تجربة جديدة في فنه حين استجاب لدعوة المهندس المعماري الراحل حسن فتحي، للعمل في مؤسسة الأغاخان بصحبته، بحسب "شفيق".
وأحيا أفيديسيان في أعماله التقنيات المصرية والإسلامية التقليدية، بعدما خاض تحدياً مع حسن فتحي لاستخدام المواد المحلية، وإيجاد خصائص مشتركة لها، حفاظاً على الهوية المصرية.
وتشير مديرة الجاليري إلى أن "صور أفيديسيان للمساجد، والمباني، والمقاهي، تكشف أيضاً عن إتقانه لاستخدام الضوء".
وعن سبب تسمية المعرض "شانت أفيديسيان.. أغنية مصرية"، قالت شفيق إن "الاختيار يرجع إلى التناغم القوي في أعماله التي تتحرك في أنماط رشيقة مثل حكاية فلكلورية أو أغنية مصرية".
راعي فنون الأرمن
معرض شانت أفيديسيان يُعد احتفالاً بحياة جورج ميكاليان (1914-1986)، أحد رعاة فن الأرمن البارزين في مصر، والذي ولد في القاهرة لأبوين أرمنيين، وكان عضواً مؤسساً في مجلس إدارة جمعية "أصدقاء الثقافة الأرمنية"، كما نظم العديد من المعارض مع الرسامين المصريين الأرمنيين، بحسب شفيق.
ولفتت مديرة المعرض إلى مساهم أفيديسيان في مدرسة كالوسديان الوطنية لتعليم المصريين الأرمن، قائلة: "كان شعار ميكاليان: أنا اسمي أرمني لكني من مصر، لم أرغب في تغيير بلدي ليناسب اسمي، أو أغير اسمي ليناسب بلدي".