احتجاجات أوزبكستان.. الأسباب ومآل التغيير في قرقل باغستان

time reading iconدقائق القراءة - 10
جنود أوزبكستانيون في نوكس عاصمة قرقل باغستان - 3 يوليو 2022 - REUTERS
جنود أوزبكستانيون في نوكس عاصمة قرقل باغستان - 3 يوليو 2022 - REUTERS
دبي -الشرق

اجتاحت اضطرابات عنيفة مدينة نوكوس، عاصمة قرقل باغستان، وهي جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي داخل أوزبكستان في أواخر الأسبوع الماضي.

ووفقاً لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، اندلعت الاحتجاجات بسبب التعديلات المقترحة على الدستور الأوزبكي، والتي سعت إلى تحويل وضع قرقل باغستان من جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي ظاهرياً مع الحق في الانفصال إلى مقاطعة في البلاد. 

وكان هذا أكبر عنف سياسي تشهده أوزبكستان منذ مذبحة أنديجان عام 2005، عندما حاولت الشرطة قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، مما أسفر عن مقتل 187 شخصاً، وفقاً للتقديرات الرسمية.

وألقت أحداث أنديجان بظلالها الثقيلة على أوزبكستان لأكثر من عقد من الزمان، إذ عزلت حكومة الرئيس الراحل إسلام كريموف نفسها من خلال قطع معظم علاقاتها بالعالم، وألقت باللوم على كل من الولايات المتحدة وأوروبا في إثارة ما يسمى بالثورة الملونة.

وعندما ظهرت أنباء عن التغييرات الدستورية، بدأت الاحتجاجات في نوكوس وبلدات أخرى في قرقل باغستان. واضطرت الحكومة الأوزبكية في طشقند إلى استدعاء جنود من خارج نوكوس، حيث وقف بعض ضباط إنفاذ القانون المحليين إلى جانب المتظاهرين.

وعلى الرغم من أن الاحتجاجات بدأت سلمية، إلا أن العنف تصاعد ليلة أول يوليو. ولم تتضح تفاصيل كيفية تصاعد العنف، لكن ما هو واضح هو أن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين وضرب المتظاهرون الجنود الذين واجهوهم.

وبحلول الوقت الذي انقشع فيه الدخان في 2 يوليو، قال مسؤولون أوزبكيون، إن 18 شخصاً قتلوا وأصيب 243 شخصاً، بينهم 18 من مسؤولي إنفاذ القانون.

ميرضائيف بين الوعد والوعيد

وفي 2 يوليو، بعد يوم من أعمال العنف الأكثر دموية، توجه الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضائيف، الذي وصل إلى السلطة في عام 2016، إلى نوكوس من طشقند وتحدَّث أمام البرلمان المحلي، واعداً بإلغاء التعديلات الدستورية المقترحة، ومنتقداً البرلمانيين لعدم إخباره عن اعتراضات المواطنين.

وعاد ميرضائيف إلى نوكس مرة أخرى في اليوم التالي ليصدر تحذيراً شديد اللهجة بأن الدعوات إلى الانفصال وأعمال الشغب سيتم سحقها ومعاقبة من تثبت مسؤوليتهم.

وبعد انتخابه لولايته الثانية والأخيرة في أكتوبر 2021 في تصويت وصفته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بأنه "غير تنافسي"، اقترح ميرضائيف صياغة دستور جديد. وعلى الرغم من أنه وصف الحاجة إلى حماية الحريات المدنية، إلا أنه كان من الواضح أن الغرض الأساسي من التغييرات سيكون تمديد فترة ولاية الرئيس في منصبه، وفقاً لـ"فورين بوليسي".

ووفقا للدستور الحالي، يقتصر حكم الرئيس على فترتين مدة كل منهما خمس سنوات. ومن شأن دستور جديد أن يسمح لميرضائيف بالعمل لفترتين أخريين، والأكثر من ذلك، أن التغييرات المقترحة تمدد فترة ولاية الرئيس من خمس إلى سبع سنوات.

بعد وصوله إلى السلطة في عام 2016، خرج ميرضائيف من ظل سلفه كريموف وشرع في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وفتح حدود البلاد وسمح للناس بالسفر بحرية في جميع أنحاء المنطقة، وحرَّر العملة حتى يمكن تداولها بحرية، وفتح وسائل الإعلام، وشجَّع المواطنين على انتقاد الحكومة.

وقد أطلقت هذه التغييرات مجتمعة، العنان لاقتصاد ومجتمع مدني أكثر حيوية. وعلى الرغم من أنَّ الإصلاحات السياسية الأخرى كانت بطيئة ولا يزال من الصعب على المنظمات غير الحكومية العمل في البلاد، إلا أن هناك مجتمعاً مدنياً غير رسمي نابض بالحياة، نشط للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية.

ومنذ بداية جائحة كورونا، سحبت الحكومة بعض الإصلاحات التي أدخلتها قبل بضع سنوات فقط، في ظل زيادة أنباء عن زيادة المضايقات والرقابة الحكومية.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال ميرضائيف شخصية شعبية في أوزبكستان، حيث أطلقت إصلاحاته العنان لمستويات عالية من النمو الاقتصادي، وجلبت استثمارات أجنبية جديدة إلى اقتصاد البلاد الذي كان في يوم من الأيام مستقلاً، وعمل على إصلاح العلاقات المتضررة بشدة مع الدول المجاورة والغرب.

العودة للوراء

وتقول المجلَّة إن العنف في قرقل باغستان يترك الكثيرين يتساءلون عمَّا إذا كان هذا الانفتاح موضع تساؤل إذ يبدو أنَّ الإصلاحات الدستورية تشكل عودة إلى الأيام السابقة.

وعلى النقيض من طشقند سريعة النمو، تعد قرقل باغستان واحدة من أفقر المناطق في أوزبكستان.

وكانت جزءاً من أوزبكستان كجمهورية تتمتع بالحكم الذاتي منذ الأيام السوفيتية. وهذا يعني أنَّ المنطقة لديها برلمانها الاسمي وحكومتها. والأهم من ذلك، سمح ذلك للمنطقة بمنح لغة "كاراكالباك" وضعاً رسمياً.

 وعندما أصبحت أوزبكستان مستقلة، لم تسع قرقل باغستان إلى الاستقلال لنفسها. ومع ذلك، فقد احتفظت بوضعها كجمهورية تتمتع بالحكم الذاتي مع المؤسسات نفسها التي أنشأها السوفييت، وهي الآن داخل جمهورية أوزبكستان المستقلة وما زالت تحت يد طشقند الحازمة.

أزمة بحر آرال

وعلى الرغم من أنّ قرقل باغستان تشكل حوالي ثلث أراضي أوزبكستان، إلا أنها لا تضم سوى مليوني شخص من سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 35 مليون نسمة، وهي منطقة صحراوية قليلة السكان تشتهر بأنها موطن لبحر آرال الجاف الآن، الذي كان ذات يوم رابع أكبر بحيرة في العالم.

وقام السوفيت بأخذ الكثير من المياه من الأنهار التي تغذي البحر ذا المياه العذبة لإنتاج القطن، وهو محصول كثيف الاستخدام للمياه، لدرجة أن البحر جف. واليوم ،فقد اختفى تماماً تقريباً.

وبحسب المجلة، ترك بحر آرال الجاف وراءه إرثاً رهيباً من الغبار السام الذي هو مزيج من الملح والمبيدات الحشرية. وقد أدَّى إلى انتشار الأمراض على نطاق واسع، مثل السرطان والسل وفقر الدم وتسبب في كارثة اقتصادية.

وأصبحت معدلات وفيات الرضع في المنطقة أعلى بكثير من بقية أوزبكستان، وأصبح لدى الأطفال مستويات عالية من أمراض القلب والكلى، كما ارتفعت معدلات السرطان بشكل كبير.

ومع ذلك، لم تشهد قرقل باغستان قط عنفاً واسع النطاق مثل النوع الذي اندلع الأسبوع الماضي. وطالب بعض نشطاء المجتمع المدني بحقوق ثقافية أكبر وحلموا بالاستقلال، ولكن كان هناك فهم ضمني بأن هذه المنطقة الفقيرة لا يمكنها أبداً تحمل تكاليف الاستقلال.

استثمارات كبيرة

ومنذ وصوله إلى السلطة، قام ميرضائيف باستثمارات جادة في هذه المنطقة الفقيرة، وقد تجاوزت هذه الاستثمارات نوكوس، ووصلت إلى مدن مثل مويناق وكونجراد وتورتكول. 

كما استفادت قرقل باغستان من الانفتاح الإقليمي الأكبر لأوزبكستان تحت قيادة ميرضائيف. وهناك قطارات منتظمة إلى ألما آتا، أكبر مدينة في كازاخستان، ويسافر الكثيرون إلى كازاخستان وروسيا للعمل. وسهلت طشقند على السكان الخروج. ومن بعض النواحي، شهدت كاراكالباكستان عودة في السنوات الأخيرة لم يتوقعها سوى عدد قليل من الناس، ويبدو أن الأمور كانت تتحسن.

وبينما كانت البلاد تنتظر التعديلات الدستورية المقترحة، لم يكن أحد يتوقع أي تغيير في وضع قرقل باغستان. وركزت معظم الإصلاحات التي نوقشت على نطاق واسع في العلن على التغييرات في النظام القانوني وكذلك تمديد فترة ولاية الرئيس في منصبه.

في 25 يونيو، أعلنت لجنة دستورية عينها البرلمان عن التعديلات المقترحة، وبموجب الدستور الحالي، تتمتع قرقل باغستان، بالإضافة إلى الحكم الذاتي، بالحق في الانفصال.

ووفقا للمجلة، لن تؤدي التغييرات المقترحة إلى تجريد المنطقة من حقها في الانفصال فحسب، بل ستخفض أيضاً من وضعها من منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل أوزبكستان إلى إقليم، وفقا لـ"فورين بوليسي".

لماذا التغيير الآن؟

ومباشرة وبعد أن أصبحت التغييرات علنية، توقع الصحافيون المحليون أن تكون هناك مقاومة، وبات السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: لماذا اختارت الحكومة إجراء هذه التغييرات الآن؟

أحد التفسيرات هو أنَّ الحكومة في طشقند اعتبرت أنه من خلال استثمارات الدولة الضخمة، يمكنها  شراء الهدوء في المنطقة. وعلى الرغم من وجود بعض المشاعر تجاه الاستقلال في قرقل باغستان، إلا أنها بالكاد تكفي لإثارة حركة انفصالية.

ومع اعتماد قرقل باغستان بشكل متزايد على الاستثمارات والتحويلات المالية من طشقند، فمن غير الواضح ما هي الفائدة الاقتصادية التي قد تعود على الانفصال بهذه المنطقة النائية الفقيرة.

وأشارت المجلة إلى أنَّ الثقة بين قرقل باغستان والحكومة المركزية قد تبددت في أوزبكستان، إذ قد تبخر الكثير من النوايا الحسنة التي قدمتها الحكومة المركزية إلى نوكوس مع صدور الإصلاحات الدستورية.

وقالت المجلة إنَّ سكان قرقل باغستان سيتذكرون طويلاً كيف أثارت تصرفات طشقند العنف والصراع السياسي الذي لم يكن أحد يريده.

وأضافت أنه على الرغم من أنَّ المجتمع الدولي سيضغط على طشقند لإجراء تحقيق مستقل في سبب اندلاع هذا العنف، إلا أنه من الأهم أن يتحدث ميرضائيف بصراحة مع شعبه حول أصول التعديلات المقترحة وأن يكون مستعداً لمناقشة الاستخدام المفرط المحتمل للقوة من قبل مسؤولي أمن الدولة.

تصنيفات