"بريكست".. إرث يثقل كاهل رئيس حكومة بريطانيا المقبل

time reading iconدقائق القراءة - 9
أحد أعضاء حزب المحافظين يحمل لافتة تؤيد ريشي سوناك وتطالبه بـ"حماية بريكست". شلتنهام بريطانيا. 11 أغسطس 2022 - REUTERS
أحد أعضاء حزب المحافظين يحمل لافتة تؤيد ريشي سوناك وتطالبه بـ"حماية بريكست". شلتنهام بريطانيا. 11 أغسطس 2022 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

"إنجاز بريكست" كما يحلم معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي، هو مهمة ثقيلة يرثها خليفة رئيس الوزراء المستقيل بوريس جونسون، في زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة المقبلة.

ولم يفتح اتفاق التجارة الذي أبرم بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قبل نحو عامين، صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين، وإنما فجر مشكلات عدة يتوجب على رئيس الوزراء المقبل حلها ووضعها على قائمة أولوياته، سواء كانت وزيرة الخارجية ليز تروس أو وزير الخزانة السابق ريشي سوناك.

وتعهد كلٌّ من تروس وسوناك بمواصلة مسيرة جونسون في إجراءات إتمام "بريكست"، وعلى رأسها تعديل بروتوكول إيرلندا الشمالية من جانب لندن وحدها، إن أخفق الاتفاق مع بروكسل على صيغة جديدة، بالإضافة إلى وقف القوانين الأوروبية التي لا تزال سارية المفعول في المملكة المتحدة، رغم انفصالها عن الاتحاد الأوروبي.

عقدة البروتوكول

البروفيسور ديفيد هنن أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة برمنجهام"، قال إن "الخلاف بشأن بروتوكول إيرلندا الشمالية هو أبرز التباينات بين لندن وبروكسل، والتوصل إلى حل لهذا الخلاف يقود إلى معالجة الإشكاليات الأخرى"، منوهاً إلى أن "فرصة تسوية هذه المسألة أكبر في حال وصل سوناك إلى السلطة لأنه أكثر اهتماماً من تروس بالاقتصاد".

وأوضح هنن في حديث لـ"الشرق"، أن "المرشحين لزعامة المحافظين، يتّبعان نهج جونسون في المضي نحو تعديل بروتوكول إيرلندا الشمالية عبر البرلمان". وهو تعديل يسمح لحكومة لندن بتغيير الجزء الخاص من اتفاق التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر الحدود البرية في الجزيرة الإيرلندية.

ويتوجب على لندن تفعيل المادة 16 من اتفاق "بريكست" لتعديل بروتوكول إيرلندا الشمالية. وتتيح هذه المادة لبريطانيا أو الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات وإجراءات خاصة في حال خلق البروتوكول صعوبات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية خطيرة، قد تستمر أو تغير مسار التجارة بين الطرفين، ولكن المادة 16 لا تسمح بإلغاء البروتوكول كاملاً.

مؤشرات التفاؤل

وقدمت حكومة جونسون مشروع قانون لتعديل بروتوكول إيرلندا الشمالية إلى البرلمان في يونيو الماضي. وحظي بموافقة أولية من النواب ولكنه لا يزال يحتاج إلى إقرار نهائي. وفي حين تقول لندن إنها تريد تبسيط إجراءات البروتوكول، تعتبر بروكسل الخطوة بمثابة خرق للقانون الدولي، يستدعي الرد بإجراءات قاسية قد تصل إلى حرب تجارية.

ورأى أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة برمنجهام"، أن "المؤشرات لا تبعث على التفاؤل بحل أزمة البروتوكول أو غيرها من الخلافات مع بروكسل، لأن تروس وسوناك يتكئان على تيارات متشددة إزاء بريكست في الحزب الحاكم.. وهي تيارات لا تمثل المحافظين الذين يهتمون بالشأن العام ويكترثون للاقتصاد البريطاني"، على حد تعبيره.

ولفت البروفسور هنن، إلى أن تروس كانت تنتمي في السابق إلى معسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولكنها اليوم تقف على الضفة المقابلة. حتى أنها تؤيد الخيارات الصعبة في معالجة الخلافات الناشئة مع بروكسل بعد 2020. ولأنها الأقرب إلى تولي السلطة خلفاً لجونسون، فربما "نتوقع الأسوأ في العلاقات مع جيراننا الأوروبيين".

ويوضح هنن أن "من يحاول كلاً من سوناك أو تروس إرضائهم في ملف "بريكست"، يمثلون حوالي 3% من البريطانيين فقط. وهذا من أبرز الأسباب التي تبعث على القلق في وصول أي من المرشحين إلى السلطة. أما نتيجة استمرار الخلافات مع بروكسل فهي مزيد من الضرر للمملكة المتحدة على المستويين الاقتصادي والسياسي".

القوانين الأوروبية

وفي العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ثمة تعهد آخر قطعه المرشحان، يتمثل في إلغاء القوانين الأوروبية التي لا تزال سارية المفعول في البلاد، رغم "طلاق" لندن وبروكسل. هذه القوانين يفوق عددها الألفين، وبعضها فجّر خلافات بين الطرفين، بعد تطبيق اتفاق "بريكست" سواء في ما يتعلق بالتجارة أو غيرها.

وبينما وعدت تروس بالتخلص من قوانين الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام 2023، فإن سوناك وضع لنفسه سقفاً زمنياً أعلى، ينتهي بحلول الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2024. إلا أن المشكلة تكمن في صعوبة تنفيذ الأمر في ظل تشابك العلاقات البريطانية الأوروبية، والتداعيات السلبية لإلغاء هذه القوانين على الطرفين، بحسب الباحث السياسي جوناثان ليز، الذي اعتبر أن سوناك وتروس يمتلكان الأكثرية البرلمانية الكافية لتنفيذ تعهدهما، وإصدار قرار يسمح بإلغاء القوانين الأوروبية التي لا تزال متبعة في المملكة المتحدة.

وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "ولكن التطبيق الفعلي لهذا القرار يحيط به كثير من إشارات الاستفهام، لأن البدائل يجب أن تكون حاضرة وعملية كي تتجنب البلاد نتائج عكسية لا تحمد عقباها" برأيه. 

وأوضح أن "إلغاء القوانين الأوروبية بشكل غير مدروس، يلحق ضرراً بالأفراد والمؤسسات في المملكة المتحدة"، لافتاً إلى أن "السباق الذي يخوضه المرشحان في هذا الصدد ينطوي على دعاية انتخابية لكسب أصوات قواعد المحافظين في سبتمبر، ولا يرتبط بحاجة فعلية أو ضرورية للبلاد".

ومنذ 2020 لم تتمكن الحكومة البريطانية من إلغاء أكثر من 15% من القوانين الأوروبية المعمول بها بريطانياً، والتي يبلغ عددها 2400 تشريع.

وسعياً وراء أصوات المؤيدين للخروج في انتخابات زعامة الحزب الحاكم، قرر سوناك وتروس إنجاز الأمر قبل الموعد المحدد في عام 2026 وفق الاتفاق المبرم مع بروكسل.

ويعتقد ليز أن "تروس التي باتت الأقرب إلى السلطة، ستخوض غمار مفاوضات معقدة مع الاتحاد الأوروبي، وستسعى نحو مقاربات لحلحلة كامل الخلافات مع بروكسل.. ولكنها لن تختلف كثيراً عن النهج الذي تبناه جونسون، خاصة في ما يتعلق بأزمة بروتوكول إيرلندا الشمالية التي تجاوزت حدود الخلاف الاقتصادي".

الاقتصاد والبيئة

صحيفة "فايننشال تايمز" نقلت عن تروس تأكيدها أنها ماضية نحو تغيير قوانين الخدمات المالية البريطانية لتستقل عن التشريعات الأوروبية المتبعة في هذا المجال. ومثل هذا التغيير برأي تروس، يؤدي إلى "تعزيز" مكانة لندن كمركز مالي عالمي ينافس المراكز الأخرى في القارة العجوز مثل باريس وأمستردام.

وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن تروس ستطلب من المشرعين الماليين العمل على تغيير بعض قوانين بنك إنجلترا المركزي كي "يتحرر" من التبعية الأوروبية، ويصبح أكثر فعالية في مواكبة الاحتياجات المحلية والخطط الحكومية نحو تعزيز الاقتصاد الوطني. لكن ذلك يثير قلق الأوساط الاقتصادية إزاء احتمال تأثر استقلالية البنك.

ومن القوانين الأوروبية التي تسعى تروس إلى "توطينها" (أي تشريعها لتصبح قوانين بريطانية) قبل منتصف عام 2023، تلك المتعلقة بالبيئة والتزام دول التكتل بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2036.

ويوضح عضو مجلس المعايير البيئية الاسكتلندي الدكتور ريتشارد ديكسون، أن هذا التغيير ينطوي على جانب سلبي، إن كان سيقود إلى تخفيف معايير الجودة البيئية. 

وأوضح ديكسون في مقال له نشر في صحيفة "ذا سكوتش مان"، أن البرلمان الاسكتلندي وضع معايير أكثر صرامة من القوانين الأوروبية في الجوانب البيئية، ولكن يبدو أن تشريعات أدنبرة قد لا تتناسب مع تروس أو سوناك فتدفع الأهداف الانتخابية أو مشكلة إمداد الطاقة عالمياً، نحو بعض "التساهل" في قوانين البيئة بإنجلترا.

الأمن والهجرة

ومن المشكلات التي أفرزتها القوانين الأوروبية بعد تنفيذ "بريكست" أيضاً، صعوبة التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين. حيث عطلت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قبل أشهر، خطة الحكومة في ترحيل المهاجرين إلى رواندا. وهي خطة يصر سوناك وتروس على المضي فيها، رغم المعارضة الداخلية والخارجية لها.

وتعهد المرشحان للحكومة بشطب القوانين التي تسمح لبروكسل بالتدخل في هذا الشأن، كما يمكن الانسحاب من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، إن كان هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف حزب المحافظين في وقف الهجرة غير الشرعية عبر بحر المانش، خاصة وأن محاولات التعاون مع فرنسا في هذا المجال لم تثمر كما يجب.

وتعهد وزير الخزانة السابق بفعل كل ما يلزم لإنجاح "خطة رواندا"، واصفاً سياسة الهجرة إلى المملكة المتحدة بـ"الفوضوية". كذلك وعد سوناك بحد أقصى لعدد اللاجئين المقبولين سنوياً، مع إمكانية تغيير ذلك في حالات الطوارئ. كما قال إنه سيعزز من سلطات الجهات المختصة لاحتجاز ومراقبة من يدخلون البلاد بشكل غير قانوني.

من جهتها، تعهدت وزيرة الخارجية بتوسيع خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا في القارة الإفريقية، مؤكدة أنها ستعطل كل القوانين الأوروبية التي تعيق تنفيذ هذه الخطة التي تصفها بـ"النهج الصحيح"، لوقف الهجرة غير الشرعية.

كما وعدت تروس بزيادة عدد أفراد قوات الحدود وخفر السواحل في المملكة من 9 آلاف إلى نحو 11 ألفاً. 

ووصل أكثر من 17 ألف شخص إلى بريطانيا عبر بحر المانش على متن قوارب صغيرة منذ بداية 2022.

وتقول الأرقام الحكومية، إن 700 مهاجر وصلوا في يوم واحد مطلع الشهر الجاري، وهو رقم قياسي لم يسجل من قبل خلال هذا العام. وبحسب البيانات، غالبية الوافدين بحراً إلى البلاد هم من الشباب وينتمون لدول مختلفة. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات