بين تروس وسوناك.. هل تتغير أولويات بريطانيا في الشرق الأوسط؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
المرشحان لزعامة حزب المحافظين في بريطانيا وقيادة الحكومة المقبلة وزير المالية السابق ريشي سوناك ووزيرة الخارجية ليز تروس خلال مناظرة في ستوك أون ترينت وسط إنجلترا - 25 يوليو 2022  - AFP
المرشحان لزعامة حزب المحافظين في بريطانيا وقيادة الحكومة المقبلة وزير المالية السابق ريشي سوناك ووزيرة الخارجية ليز تروس خلال مناظرة في ستوك أون ترينت وسط إنجلترا - 25 يوليو 2022 - AFP
لندن-بهاء جهاد

على الرغم من أن المرشح لزعامة حزب المحافظين البريطاني الحاكم ريشي سوناك، لا يملك خبرة كبيرة في العلاقات الخارجية مقارنة بوزيرة الخارجية ليز تروس، لكن لا أحد يتوقع تغيراً كبيراً في سياسة لندن الخارجية مع الحكومة المقبلة، خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط.

وأياً كان رئيس الحكومة البريطانية الجديدة، فهو سيركز على ذات الملفات التي كانت تهتم بها حكومة بوريس جونسون في الشرق الأوسط، وهي البرنامج النووي الإيراني، والعلاقة مع إسرائيل، وإبرام اتفاق تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

 استدارة حقيقية 

بالنسبة لتروس فإن المحدد الرئيسي للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط، هي العلاقة مع إسرائيل.

ولذلك كتبت في 7 أغسطس الجاري، رسالة إلى مجموعة أصدقاء إسرائيل بحزب المحافظين، أكدت فيها أن لندن تقف دائماً إلى جانب تل أبيب في الحفاظ على أمنها والدفاع عن نفسها ضد أي خصم في المنطقة.  

وأوضحت تروس في رسالتها التي جاءت عقب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة قبل أيام، أنها ستعيد النظر في نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس.

وتمثل هذه الخطوة "استدارة حقيقية" في موقف لندن من القضية الفلسطينية، وفقاً لجون ماكهورجو، الباحث والمؤرخ في علاقات بريطانيا مع الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. 

ويقول ماكهورجو لـ"الشرق"، إن حديث تروس عن نقل السفارة البريطانية إلى القدس غير واقعي، ويفهم في سياق توددها لمؤيدي إسرائيل بين المحافظين.

وأشار إلى أن نقل السفارة مسألة بالغة الحساسية وتتعارض مع التزامات دولية في القضية الفلسطينية، ولن تبحث لندن عن ضعضعتها في المستقبل القريب. 

تيار أكثر تشدداً

 وبحسب ماكهورجو، لن يتغير دعم بريطانيا لإسرائيل إن وصل سوناك إلى قيادة الحكومة المقبلة. ولكن تروس تنتمي إلى تيار أكثر تشدداً في تأييده لتل أبيب، وهو أكبر من حزب المحافظين، لأنه يضم ساسة من أحزاب مختلفة في دول الغرب، ولا توجد لديه خطوط حمراء في مساندة إسرائيل، على حد وصفه. 

ووعدت تروس بضمان عدم انخراط المجالس المحلية البريطانية في سياسات مقاطعة إسرائيل، التي تعتبرها "تمييزية" و "تتعارض مع مواقف الحكومة"، وفق تعبيرها.

كذلك تعهدت بالضغط على أعمال مجلس حقوق الإنسان الموجهة ضد إسرائيل، لأنها منارة "الحريات" و"الديمقراطية" في الشرق الأوسط.

ويتوقع الباحث البريطاني أن تضم حكومة تروس إن فازت في انتخابات المحافظين، عدداً من الوزراء أصحاب "الولاء الأعمى" لإسرائيل.

وتضم مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في بريطانيا أكثر من 2000 عضو، بين ساسة ورجال أعمال، وأكاديميين، وإعلاميين، وغيرهم.

وتنفذ المجموعة أنشطة عدة لكسب تأييد أعضاء البرلمان تجاه القضايا المتعلقة بإسرائيل. كما تنظم لهم رحلات إلى تل أبيب تبقيهم على مقربة من دائرة صنع القرار والسياسة الإسرائيلية. 

"النووي الإيراني" 

بعيداً عن إسرائيل وأمنها، لا يعتقد الباحث البريطاني جون ماكهورجو، أن يكون للمملكة المتحدة أي ثوابت في الشرق الأوسط. وبالتالي لن يكون للحكومة المقبلة أي مواقف بارزة تجاه قضايا تلك البقعة من العالم.

ولفت ماكهورجو أنه حتى إن وجدت هذه المواقف الثابتة لبلاده في الشرق الأوسط، فلن تكون بمعزل عن تحالفات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.   

وترى وزيرة الخارجية ليز تروس أن تأييد إسرائيل هو أساس تعامل الحكومة البريطانية المقبلة مع الملف النووي الإيراني.

وبينت تروي أنها ملتزمة بمعارضة امتلاك طهران للأسلحة النووية حرصاً على أمن أقرب الحلفاء في المنطقة، مشيرة إلى أن المحادثات مع الإيرانيين لا تتحرك بـ"السرعة الكافية".  

"العلامة الفارقة"

ويرى د. جلبير الأشقر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن، أن دعم إسرائيل سيظل العلامة الفارقة للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط، سواء وصل إلى السلطة سوناك أو تروس في سبتمبر المقبل.

ونوه الأشقر إلى أن المساعي الحثيثة للندن ضد امتلاك إيران للسلاح النووي، تهدف لحماية إسرائيل وأمنها أولاً.  

ويقول الأشقر لـ"الشرق"، إن سياسة تروس هي امتداد لنهج جونسون في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط. وكذلك هو حال سوناك، ولو بدرجة أقل باعتباره غير منخرط في السياسة الخارجية حتى الآن.

ولكن إن تسلم سوناك قيادة الحكومة في سبتمبر المقبل، فلن يغير في أولويات وثوابت حزب المحافظين تجاه الشرق الأوسط.

ويلفت الأشقر إلى أن تأييد إسرائيل، لن يدفع بريطانيا للعمل بشكل فردي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

وقال: "لن تغرد لندن خارج سرب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في طريقة التعامل مع هذا الملف. ولن تذهب إلى خيارات غير دبلوماسية مع طهران، إلا في سياق موقف موحد مع الأوروبيين والأميركيين".

وعلى الرغم من أن تروس تقول إن جميع الخيارات مطروحة في حال فشل المفاوضات النووية مع إيران، إلا أن تصريحاتها تنطوي على نوع من الدعاية الانتخابية في بعض جوانبها، والغرض منها الحصول على أصوات المؤيدين لإسرائيل بين صفوف المحافظين، بحسب الأشقر.

وبريطانيا هي واحدة من الدول المنخرطة في المفاوضات النووية مع إيران منذ أبريل 2021، إلى جانب أميركا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين.

وتهدف هذه المحادثات إلى إحياء اتفاق لوزان النووي المبرم بين إيران وتلك الدول عام 2015. والذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في 2018.  

العلاقة مع الخليج

إضافة إلى دعم إسرائيل وإبرام اتفاق نووي مع إيران، ثمة أولوية ثالثة للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط.

وتتمثل هذه الأولوية بتعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي سياسياً واقتصادياً. ويؤكد كل من الأشقر وماكهورجو، على أن هذه الأولوية لن تتغير مع وجود سوناك أو تروس في السلطة. 

وعملت وزيرة الخارجية ليز تروس بجهد على تقريب المسافات بين بلادها ومجلس التعاون الخليجي، سواء من خلال زياراتها للسعودية وقطر في أكتوبر 2021، أو عبر الاجتماع الوزاري البريطاني الخليجي الذي عقد في لندن خلال شهر ديسمبر من العام ذاته.

وبعد المناسبتين غردت تروس على تويتر معربة عن رضاها إزاء النتائج. 

وباتت أهمية تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي أكثر وضوحاً بعد الحرب الأوكرانية، وما عكسته من أهمية لدور السعودية والإمارات في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة عالمياً.

 وفي مارس الماضي أجرى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون جولة شملت أبوظبي والرياض، وعندما عاد خطب في مجلس العموم قائلاً، إن بلاده ترتبط بعلاقات طويلة الأجل مع مجلس التعاون، ولابد من تعزيزها. 

في 21 يونيو الماضي، أطلقت وزيرة التجارة البريطانية آن ماري تريفيليان، مفاوضات لإبرام اتفاق تجارة حرة مع الدول الخليجية الست السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والكويت.

ويعتبر مجلس التعاون رابع وجهة تقصدها لندن هذا العام لإبرام اتفاقيات تجارة حرة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي نهاية 2020. أولها كانت الهند ثم كندا وبعدها المكسيك. 

ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن جلبير الأشقر، إن إبرام اتفاق تجارة حرة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي قد يواجه بعض الصعوبات بسبب تباين السياسات الاقتصادية بين دول المجلس ذاتها. وبالتالي ربما تلجأ بريطانيا لإبرام اتفاقيات منفردة مع كل دولة خليجية على حدة، وفقاً لأولوياتها. 

وتظهر تقديرات حكومية بريطانية أن إبرام اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون قد يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بين الطرفين بنسبة 16٪ على الأقل.

كما يمكن أن يضخ 1.6 مليار جنيه إسترليني سنوياً في اقتصاد المملكة المتحدة، إضافة إلى نحو 600 مليون جنيه في الأجور السنوية للعاملين بالمملكة المتحدة.

وتعمل حوالي 600 شركة مملوكة لدول مجلس التعاون الخليجي في المملكة المتحدة وفق تقديرات 2019، وهي تدعم عشرات آلاف الوظائف في السوق البريطانية.

هذا بالإضافة إلى أكثر من 15 ألف شركة صغيرة ومتوسطة في المملكة المتحدة صدرت كميات كبيرة من السلع إلى السعودية والإمارات في 2020.

واستثمرت الشركات البريطانية ما يفوق 13 مليار جنيه إسترليني في اقتصادات الخليج، فيما استثمرت الشركات الخليجية أكثر من 15 مليار جنيه في المملكة المتحدة.

ويعتبر مجلس التعاون سابع أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة، وقد بلغ إجمالي التجارة بين الطرفين أكثر من 33 مليار جنيه إسترليني في عام 2021.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات