
أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين تشهد تدهوراً سريعاً، بعدما أبرمتا اتفاقاً ضخماً بشأن الاستثمارات، في ديسمبر الماضي، إثر مفاوضات مضنية دامت 7 سنوات.
ومنذ ذلك الحين، أقرّت المفوّضية الأوروبية، الفرع التنفيذي للاتحاد، وألمانيا، تشريعات من شأنها أن تُصعّب الاستثمار على الشركات الصينية، وانضمّا إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على بكين.
وتحوّلت الحكومة الإيطالية، من مؤيّدة لمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى منع عمليات استحواذ خطّطت لها شركات صينية. وفي فرنسا، لم يلبِ السفير الصيني طلباً لاستدعائه، في مارس الماضي، نتيجة "انشغاله".
ورأت "بلومبرغ" في ذلك "تصلّباً" في الموقف الأوروبي إزاء بكين، على رغم تحدث المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ، الأسبوع الماضي، وتعهدا بتوثيق التعاون بشأن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد ومكافحة الاحتباس الحراري.
مسار انحداري
لكن ثمة مَن يرجّح في برلين، انتهاء التفاؤل بشأن العلاقات مع بكين، كما وصف مسؤول صيني العلاقات مع أوروبا، بأنها على مسار انحداري. وأضاف أنه سواء تسلّم حزب الخضر الحكم في ألمانيا أم لا، فإن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين تمرّ بمرحلة حرجة.
ولفتت "بلومبرغ" إلى أن المؤشرات العديدة إلى التوتر، تفيد بأن الدول الأوروبية الكبرى تقترب من توجّهات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في مواجهتها مع الصين، وأن تقارباً أكبر لأوروبا مع الولايات المتحدة قد يؤدي إلى إصلاح أضرار لحقت بعلاقاتهما، خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وتأثيراتها في التجارة، والتعريفات الجمركية، والوصول إلى التكنولوجيا.
ونقلت "بلومبرغ" عن يورغ فوتكي، رئيس "غرفة التجارة الأوروبية في الصين"، التي تتخذ بكين مقراً، وعضو مجلس إدارة "معهد ميركاتور للدراسات الصينية" في برلين، الذي فرضت الصين عقوبات عليه في مارس الماضي، قوله: "حدث تحوّل في المزاج".
وأشار إلى انتهاج الصين سياسة صارمة إزاء تايوان، وسعيها إلى فرض سيطرتها السياسية على هونغ كونغ، وتعرّض بكين لعقوبات دولية، نتيجة انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، ناهيك عن أن الصين لم تلتزم وعودها بانفتاح اقتصادي.
أبرز شريكين اقتصاديين
ولفتت "بلومبرغ" إلى أن أوروبا ليست موحّدة في مقاربتها للعلاقات مع بكين، إذ أن دولاً أعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل هنغاريا، ما زالت حريصة على التعامل مع الصين.
وتواجه أوروبا معضلة، فيما تسعى إلى انتهاج مسار خاص، علماً أن بايدن أعلن أن الصين ستواجه "منافسة شديدة" من الولايات المتحدة، مستدركاً أن الأخيرة تسعى أيضاً إلى التعاون معها، في ملفات عالمية مثل تغيّر المناخ.
وذكرت "بلومبرغ" أن العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين لا تزال أساسية، إذ أن بكين هي أبرز شريك تجاري للتكتل، وبلغ حجم تبادلهما التجاري 686 مليار دولار في عام 2020، في مقابل 572 مليار دولار بين الولايات المتحدة والصين في العام ذاته.
وأضافت الوكالة أن هولندا، وهي من أبرز 10 شركاء تجاريين للصين، باتت الآن أكثر حذراً، وتسعى إلى حماية شركات التكنولوجيا من الاستحواذ الصيني عليها، كما تُطبّق استراتيجية خاصة إزاء بكين.
ونقلت الوكالة عن مسؤول صيني، أن الولايات المتحدة أرغمت الاتحاد الأوروبي على أن تختار بين الجانبين.
"اتفاق الاستثمار الشامل"
وكان الوضع مختلفاً قبل 4 أشهر، عندما ساهمت ميركل في إبرام "اتفاق شامل للاستثمار" بين الاتحاد الأوروبي والصين، اعتبرته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، "نقطة تحول مهمة في علاقتنا بالصين".
ولكن بنهاية مارس الماضي، انضمّ الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، في فرض عقوبات على الصين، نتيجة اتهامها بإساءة معاملة مسلمي أقلية الإيغور في شينجيانغ. وردّت بكين بفرض عقوبات مضادة.
وتقترح المفوضية الأوروبية الآن قواعد لفرض غرامات ومنع صفقات، تستهدف الشركات الأجنبية المملوكة للدولة، فيما أقرّت حكومة ميركل الأسبوع الماضي ممارسة صلاحيات إضافية على الاستثمار الأجنبي، تستهدف قطاعات التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. وكلا الإجراءين يهدفان إلى عرقلة الصين.
ونقلت "بلومبرغ" عن أكاديمي يعمل في مؤسسة فكرية تابعة للحكومة الصينية، قوله إن بكين كانت تأمل بفصل المسائل الاقتصادية عن الملفات السياسية، وربط أوروبا بسوقها الاستهلاكي الضخم، مستدركاً أن ذلك مستحيل بشكل متزايد الآن. واعتبر أن المصادقة على "اتفاق الاستثمار الشامل" بات أكثر صعوبة.
ونسبت الوكالة إلى مسؤول في إدارة بايدن قوله، إن هناك تغييراً جذرياً في التفكير الأوروبي، ينسجم مع الموقف الأميركي بشأن الصين. وأشار إلى حصول تحوّل جدي في ألمانيا أيضاً.
الصين وألمانيا
ورجّحت "بلومبرغ" أن تسوء أكثر العلاقات الأوروبية – الصينية، إذا فاز حزب الخضر في الانتخابات النيابية الألمانية، المرتقبة في سبتمبر المقبل، إذ أنه يتخذ موقفاً أكثر صرامة إزاء بكين، ويطالبها بوقف "انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان"، داعياً إلى تعزيز التنسيق، في أوروبا ومع الولايات المتحدة، بشأن الصين.
واعتبر فوتكي، أن الصين تقلّل من شأن القلق حول حقوق الإنسان في ألمانيا. ورجّح أن "يُترجم ذلك إلى سياسة أكثر حزماً في برلين"، لا سيّما بعد رحيل ميركل، التي آثرت التعامل مع بكين.