
تسببت سياسية أبل في إتاحة التحكم لمستخدمي آيفون في استهدافهم بالإعلانات، في حالة من تضارب وجهات النظر بين مديري الشركة.
وبدأت أبل في تطبيق سياسة "شفافية تتبع التطبيقات App Tracking Transparency" مطلع العام الماضي، وأثّر ذلك على أرباح مختلف الشركات التقنية، وعلى رأسها "ميتا" والتي تتوقع أن يمتد التأثير خلال العام الجاري، بتسجيل خسائر بقيمة 10 مليارات دولار.
ندم شديد
وبحسب التقرير، الذي نشره موقع "ذا انفورميشن"، فإن إيريك نيويشواندر، مدير الخصوصية بأبل، أعرب عن ندمه الشديد على تطويره مع فريقه لتقنية الرقم الإعلاني المميز IDFA، وهو اختصار لـIdentifier For Advertising، بعد أن بدأ مطورو التطبيقات في استخدامه بشكل ينتهك خصوصية مستخدمي آيفون.
وعمل فريق "نيويشواندر" على تطوير النظام البرمجي الجديد في 2011، بعد أن ظهرت حاجة ماسة إلى استبدال النظام الذي كانت تستخدمه أبل في هواتفها لتتبع المستخدمين، والذي كان يعتمد على أجزاء مادية داخل مكونات الأجهزة، مما كان يحول دون الاستمرار في تتبع المستخدم وتفضيلاته عبر مختلف أجهزتهم.
ولكن مع تطوير نظام IDFA، بدأت عدد من الثغرات في الظهور، وأحدها كان يسمح للمطورين بالاستمرار في تتبع المستخدمين، حتى بعد أن يقوموا بتعطيل ميزة استهدافهم بالإعلانات، لذلك عمل "نيويشواندر" على تقديم تحديثات برمجية لسد تلك الثغرات وتم إطلاقها خلال عامي 2014 و2016، ولكن تمكنت محاولات المطورين من تفادي التحديثات والاستمرار في تعقب المستخدمين دون موافقتهم.
وفي عام 2016، أعرب مدير أبل للخصوصية عن ندمه على تطوير نظام التتبع الإعلاني البرمجي، وذلك بحسب ما أكده زملاء مقربون منه في تصريحاتهم إلى "ذا انفورميشن".
تضارب آراء
حاولت أبل تقليل الأضرار السلبية على خصوصية المستخدمين نتيجة نظامها IDFA، وأتاحت بالفعل خيار Limit ad tracking، إلا أن الوصول إلى هذا الخيار كان يستغرق المرور بخطوات عديدة داخل إعدادات هواتف آيفون، لذلك لم يكن فعالاً، خصوصاً وأن عدد من المستخدمين لم يكونوا مدركين لأهمية كودهم الإعلاني، وكذلك ماهية الدور الذي يقوم به على هواتفهم.
لذلك في عام 2019، أعرب مدير قطاع هندسة البرمجيات بالشركة كريج فيديرجي، عن استيائه إلى "نيويشواندر" بشأن تأثير نظام IDFA على الخصوصية، ومنذ ذلك الوقت بدأ فريق الخصوصية في طرح فكرة سياسة ATT.
و عند عرض فكرة السياسة الجديدة على الإداراة العليا بالشركة، برز اختلاف واضح في وجهات النظر بين ثلاث مديرين، وهم فيل شيلر، مدير متجر أبل App Store، وإيدي كيو، مدير قطاع الخدمات بالشركة، و"فيديرجي".
واتفقت آراء "شيلر" و"كيو" على ما يمكن أن تلحقه سياسة ATT من ضرر بأبل نفسها، إذ رأى مدير متجر آب ستور أن السياسة الجديدة ستؤدي إلى تقليل معدل الإعلانات التي يتعرض لها مستخدمو آيفون، وبالتالي ذلك سينعكس سلباً على عدد التطبيقات التي يتم تحميلها من متجر أبل، وبالتبعية سيقلل ذلك من عمليات الشراء التي يقوم بها المستخدم داخل تطبيقاته، والتي تقتطع أبل حصة منها، مما سيؤثر على عوائد أبل.
أما "كيو"، والذي كان في ذلك الوقت يتولى مسؤولية شبكة أبل الإعلانية iAD، فرأى أن تطبيق السياسة الجديدة سيعتبر بمثابة ضربة في مقتل بالنسبة لنظام IDFA الإعلاني الخاص بأبل، مما سيجعلها تخسر جزء ليس بالهين من عوائدها الإعلانية.
وعلى النقيض تماماً، جاء موقف مدير قطاع هندسة البرمجيات فيديرجي، إذ أعرب عن موافقته بشكل كامل على الفكرة، لأن سعيه كان نحو تحجيم محاولات الشركات الإعلانية ومطوري التطبيقات لجمع بيانات المستخدمين وبيعها لمضاربي البيانات، وتحقيق أرباح مباشرة من هذا السلوك المُنتهك لخصوصية المستخدم.
حل وسط
اختلاف وجهات النظر بين ثلاثي الإدارة تطلب الوصول إلى حل وسط، والذي كان يتمثل في رسالة تنبيهية تظهر للمستخدم مع كل تطبيق يقوم بفتحه لأول مرة بعد تحديث هاتفه إلى تحديث iOS 14.5، وتطلب الرسالة موافقة المستخدم على حصول التطبيق على حق تتبع استخدامه لمختلف التطبيقات وزياراته لمواقع الويب.
كان هذا الحل مختلف بشكل كبير عن الصورة المبدئية لفكرة الـATT، والتي كانت تتمثل في خيار داخل إعدادات أبل يتيح للمستخدم وقف تتبعه من جميع التطبيقات مرة واحدة.
ووفقاً لتقرير "ذا انفورميشن"، فإن إدارة أبل رأت أن الحل النهائي سيكون مناسب عند محاولة بعض الشركات والمطورين من مهاجمة قرارها بشأن السياسة الجديدة، إذ يركز تطبيق التحديث على وضع سلطة اتخاذ القرار بين يدي المستخدم.
كما أن جعل تطبيق القرار متغير مع كل تطبيق، يعكس مدى حرص أبل على مصالح مطوري التطبيقات وكذلك المعلنين، مما يحافظ على علاقتها معهم مستقبلاً، مع تحقيق هدفها الأساسي وهو الحفاظ على خصوصية مستخدميها.
وبعد التوافق على الشكل النهائي للسياسة الجديدة، بدأ فريق مطوري أبل في العمل على تحويل الفكرة إلى أداة برمجية قابلة للاستخدام على متن هواتف آيفون منذ خريف 2019، وأصبحت جاهزة بشكل كامل وتم الإعلان عنها في مؤتمر أبل للمطورين في يونيو 2020.
وخلال الأشهر التسعة التي سبقت الإعلان عن سياسة أبل الإعلانية الجديدة، دخل فريق هندسة البرمجيات في نقاشات مطولة مع القطاع القانوني بالشركة، لتدقيق كافة المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في طريقة عرض السياسة الجديدة أمام أعين المستخدمين على هواتفهم، تحسباً لاستنكار بعض المُشرعين حول العالم للسياسة الجديدة.
وانشغل كريج فيديرجي لفترة طويلة للتأكد بأن كلمة "تعقب Tracking" هي الخيار الأنسب لتسمية الأداة البرمجية الجديدة "شفافية تعقب التطبيقات App Tracking Transparency".
اقرأ أيضا: