مواجهة الصين في المحيط الهادئ تشعل سجالاً محتدماً في البنتاغون

time reading iconدقائق القراءة - 14
مقاتلات على حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس رونالد ريغان" لدى وصولها إلى قاعدة بحرية كورية جنوبية - 22 مارس 2007 - BLOOMBERG
مقاتلات على حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس رونالد ريغان" لدى وصولها إلى قاعدة بحرية كورية جنوبية - 22 مارس 2007 - BLOOMBERG
دبي -الشرق

تشهد وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" سجالاً محتدماً، بشأن احتمال نشر جنود أميركيين، وأسلحة متطورة، في مرمى صواريخ صينية جديدة في المحيط الهادئ، وفق تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، التي أشارت إلى معركة تضع الجناح التحليلي في الوزارة، الأكثر تجنّباً للأخطار، في مواجهة أجنحة أخرى، في البنتاغون والكونغرس.  

وأضافت المجلة أن المعركة بلغت ذروتها، بعدما تضمّنت موازنة البنتاغون، صندوقاً أنشأه المشرّعون العام الماضي، لنشر مزيد من القوات الأميركية قرب الصين في غرب المحيط الهادئ، مع بحث وتطوير، لمدمّرات ومقاتلات وغواصات، قد ينتهي بها المطاف خارج المنطقة.

وأثار ذلك غضباً في الكونغرس، حيث يصرّ كثيرون على أن البنتاغون لا يلتزم بالقانون. وقال مساعد في الكونغرس: "إذا أردت تحسين وضع القوات غرب خط التاريخ الدولي، فسيتم تمويل ذلك".

ويشير بذلك إلى خط وهمي، يمتدّ بين القطبين الشمالي والجنوبي، ويفصل بين كل يوم وآخر.

سلسلة الجزر الأولى

المعركة تعود إلى إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، التي كانت أول من دعا القوات الأميركية المنتشرة على الخطوط الأمامية، إلى التمركز في ما يُسمّى سلسلة الجزر الأولى، المحيطة بالصين في غرب المحيط الهادئ، بما في ذلك اليابان.

واحتدمت المعركة في الربيع، عندما بدأ الأدميرال فيليب ديفيدسون، القائد المنتهية ولايته للقوات الأميركية في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، يحضّ سراً وعلناً، على تعزيز مستوى التسلّح الأميركي في جزيرة غوام، بما في ذلك بطاريات الدفاع الصاروخي من طراز "إيجيس"، في الأيام الأخيرة لتولّيه منصبه، وفقاً لـ"فورين بوليسي".

وأبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ومسؤولون بارزون، الكونغرس بأنهم مهتمون بنقل مزيد من القوات العسكرية الأميركية إلى أماكن قريبة من الصين. لكن ديفيدسون، وآخرين في البنتاغون، يدعمون هذه الجهود، اصطدموا بمعارضة قوية من محلّلي الموازنة في الوزارة، الذين يعملون في "مكتب تقدير التكلفة وتقييم البرامج"، و"مكتب التقييم الصافي" في وزارة الدفاع، وهو مركز أبحاث داخلي يُعدّ خططاً بعيدة المدى.

وأشارت المجلة إلى أن لدى المكتبين رؤية متشائمة، بشأن قدرة الجيش الأميركي على مقاومة هجمات الجيل الجديد في الصين، من الصواريخ والقوات الصاروخية ذات القدرات العالية. واختبرت الصين صواريخ بعيدة المدى، يمكنها تدمير حاملات الطائرات الأميركية، واستهداف غوام، لكن قوتها الصاروخية لم تُختبر غالباً أثناء قتال.

"قصة خيالية"

الكونغرس لا يزال يحاول فهم هذا التباين داخل البنتاغون. ونقلت المجلة عن مساعد جمهوري بارز في مجلس النواب قوله، إن "وزارة الدفاع أنتجت عتاداً كثيراً لمواجهة صعود الصين، وتوقّعنا أن يكون الوضع أقوى ممّا هو عليه". وأضاف: "سنحاسب وزارة الدفاع على كل هذه الإحاطات والوثائق الاستراتيجية، وكيف تنعكس في طلب الموازنة. إننا قلقون من عدم ظهورها في الطلب".

ولدى الولايات المتحدة أكثر من 70 ألف جندي، في اليابان وكوريا الجنوبية، كثيرون منهم يتمركزون في منشآت رئيسة. وأثار ذلك مخاوف، في الكونغرس ودوائر سياسية، من أن الصين يمكن أن تقضي على آلاف من الجنود الأميركيين، في هجوم واحد.

ويتمثل أحد الحلول في توزيع القوات والمنصات الأميركية في كل أنحاء المنطقة، ما يجعلها قادرة على التعامل مع أي تهديد صيني، لكنها تبقى بالمقدار ذاته، أو أكثر، عرضة لأي هجوم بعيد المدى.

وذكرت "فورين بوليسي" أن "مكتب تقدير التكلفة وتقييم البرامج"، الذي يركّز على الاستثمار في أسلحة هجومية تفوق سرعتها سرعة الصوت، والقاذفة الاستراتيجية "بي-21"، والمنصات المتنقلة، دفع باتجاه إبقاء القوات والأسلحة الأميركية خارج نطاق الصين، في أماكن مثل هاواي وألاسكا وكاليفورنيا، مع استخدام أسلحة حديثة وبعيدة المدى، وقاذفات من طراز الشبح، قادرة على مقاومة الدفاعات الجوية الصينية.

وقال مساعد سابق في مجلس الشيوخ: "إنهم يقولون بشكل أساسي إنه إذا حدث شيء، فسنهرع إلى خارج المنطقة، ونخرج السفن والطائرات إلى ما بعد سلسلة الجزر الثانية، وسنمتلك كل هذه الأسلحة السحرية، ونعود، إذ لا يمكن أن نكون في الداخل. هذه قصة خيالية".

"توازن" في موازنة بايدن

 البنتاغون يصرّ على أنه يركز على الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى، لتأمين وسائل فعالة من حيث التكلفة، لردع الصين. وقال الناطق باسم الوزارة، كريس شيروود، لـ"فورين بوليسي": "من خلال إظهار القوة من نطاقات المواجهة، يتراجع الخطر المحدق بالعتاد الأميركي المهم، فيما يزداد العبء الدفاعي المفروض على العدو".

واعتبر أن الموازنة التي طلبها بايدن "توازن بين الحلول المُجرَّبة التي أثبتت جدواها، والأنظمة عالية الأخطار والمردود، مثل الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت". وأضاف أن القوات الأميركية ستبقى بحاجة إلى أن تكون قادرة على العمل من "مجموعة متنوعة من المواقع" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حتى مع الاستثمار في أسلحة وقاذفات بعيدة المدى. 

ورأى شيروود أن المراجعة المستمرة التي تجريها وزارة الدفاع، للوضع العسكري العالمي للولايات المتحدة، يلبي طلبات كثيرة للقيادة الأميركية لمنطقة المحيطين، الهندي والهادئ، التي قدّمتها إلى الكونغرس هذا العام.

اعتراضات في الكونغرس

"فورين بوليسي" أشارت إلى أن هذه الشكوك تؤجّج اعتراضات في الكونغرس، إذ أصدر قياديون جمهوريون، في مجلسَي النواب والشيوخ، يشرفون على البنتاغون، بياناً حتى قبل الكشف عن موازنة إدارة بايدن الأسبوع الماضي.

وفي 3 يونيو، دعا 15 نائباً، بقيادة الجمهوري مايك غالاغر، إلى تمويل عشرات المشاريع المدرجة على لائحة قيادة منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، والتي لم تتضمنها الموازنة، بما في ذلك رادارات عابرة للأفق، وقواعد لتوزيع القوات الأميركية في جزر المحيط الهادئ، إضافة إلى أكثر من مليار دولار لدعم ميادين الرماية، والتدريبات، والمساعدات العسكرية لشركاء للولايات المتحدة.

ووَرَدَ في رسالة وُجّهت الأسبوع الماضي إلى قادة اللجنة الفرعية للدفاع، التابعة للجنة المخصصات في مجلس النواب: "لدى القيادة الأميركية لمنطقة المحيطين، الهندي والهادئ، طلب عاجل لتموضع عسكري أميركي، أشد فتكاً وأصعب منالاً وأكثر توزيعاً في المنطقة".

وأضافت الرسالة: "تأمين الموارد لهذا التموضع سيطمئن حلفاءنا وشركاءنا، موجّهاً في الوقت ذاته رسالة لا لبس فيها إلى خصومنا، لدعم منطقة حرة ومفتوحة في المحيطين، الهندي والهادئ".

"استراتيجية الدفاع الوطني"

الجمهوريون في الكونغرس، ومسؤولون أميركيون سابقون، يشعرون بإحباط لما يعتبرون أنه دعم فاتر يقدمه البنتاغون، لأفكار مثل إضافة مزيد من التناوب، والتدريبات، للقوات الأميركية، ومزيد من مقاتلات من طراز "إف-35" في الخطوط الأمامية، والتي تتمركز غالباً على الأراضي الأميركية.

وتستهدف هذه التدابير منع الصين من السيطرة على مزيد من الأراضي في المنطقة، من خلال إبقاء قوات داخل سلسلة الجزر الأولى، والتي تكون قادرة على التعامل بسرعة مع أي أزمة، وبوصفها قوة قريبة جاهزة، إذا احتاجت الولايات المتحدة إلى الردّ على أي مواجهة عسكرية، في غضون 24 إلى 72 ساعة.

ونقلت "فورين بوليسي" عن مسؤول دفاعي سابق أن ديفيدسون، الذي تنحّى هذا العام عن قيادة منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، كان وكأنه "يعمل على جزيرة"، ويتلقى دعماً محدوداً من البنتاغون.

في المقابل، يقاوم مشرّعون آخرون خطط انتشار أكثر طموحاً. ووصف آدم سميث، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، في أبريل، "استراتيجية الدفاع الوطني" لعام 2018، حيث بدأت فكرة إحداث محور أكثر قوة، بأنها "طموحة بشكل مبالغ فيه".  

واعتبر أن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى الوحيدة في العالم، وزاد: "لذلك نحن منهمكون طيلة الوقت بمطاردة ذيلنا، وعاجزون عن تطبيق ما تفيد استراتيجية الدفاع الوطني، بأننا يُفترض أن نكون قادرين على تنفيذه. يحتاج هذا الأمر إلى مزيد من الواقعية".

"مبادرة الردع في المحيط الهادئ"

مع إصرار القيادة الأميركية في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، على حاجتها إلى موارد للردّ على أي غزو صيني محتمل لتايوان، أو على أي عمل عسكري آخر في المنطقة، يصرّ معارضو "مكتب تقدير التكلفة وتقييم البرامج" و"مكتب التقييم الصافي"، على أنهما يتبعان نهجاً محافظاً جداً على المدى القريب.

وتحدث مسؤول دفاعي سابق ثانٍ عن "عالم غير موجود بعد"، فيما قال المساعد السابق في مجلس الشيوخ لـ"فورين بوليسي" إن أعضاء جمهوريين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أطلقوا العام الماضي "مبادرة الردع في المحيط الهادئ"، لحضّ القوات المسلحة الأميركية على البدء بنقل وحدات إلى آسيا، علماً بأنها تتطلّع عادةً إلى امتلاك عتاد ضخم، من خلال موازنتها.

وبما أن الموازنة الأساسية للبنتاغون تخضع لسقف، أُقرّ خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، فإن هذا الإجراء سيفرض ضغوطاً على القوات المسلحة، للاستقطاع من أماكن أخرى ونقل قوات إلى آسيا.

وفي الأيام الأخيرة من عهد إدارة ترمب، كان مسؤولون سياسيون بارزون يأملون بتقسيم هذا الفارق، مع الحفاظ على مزيج من الثقل العسكري على جانبَي "خط التاريخ الدولي". لكن الإدارة بقيت مشغولة بتهديدات، من إيران وأماكن أخرى. 

وبعدما أمر البنتاغون حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس رونالد ريغان"، وهي الوحيدة في آسيا، بالخروج من اليابان لتأمين تغطية لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، يخشى بعضهم توقف المحور مرة أخرى. وقال هينو كلينك، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون شرق آسيا، حتى يناير الماضي: "تريد أن تكون في الداخل، حتى تكون لديك قوات، في حالة اندلاع معركة، بدلاً من محاولة القتال من أجل العودة. ومن جهة أخرى، تريد أن تكون لديك قوات خارج نطاق ضربات الجيش الصيني. تلك هي المعضلة".