كيف تأثرت شركة "هواوي" الصينية بالعقوبات الأميركية؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
رسم توضيحي يُظهر هاتفاً ذكياً بشعارات Huawei و Xiaomi أمام علم الولايات المتحدة - REUTERS
رسم توضيحي يُظهر هاتفاً ذكياً بشعارات Huawei و Xiaomi أمام علم الولايات المتحدة - REUTERS
دبي-الشرق

عندما تم اعتقالها في كندا منذ 3 سنوات تقريباً، كانت منج وانزو، تجوب العالم بصفتها المدير المالي لشركة "هواوي" الصينية العملاقة، لكن بعد عودتها في أواخر سبتمبر الماضي وجدت شركة مختلفة تماماً أجبرتها العقوبات الأميركية على التراجع والانكماش، ما جعلها تخوض غمار كفاح مضنٍ من أجل مستقبلها.  

وفي تقرير جديد نشرته "وول ستريت جورنال"، لفتت الصحيفة إلى "الركود السحيق"، الذي تعانيه الشركة حالياً، بعد أن ازدادت حصتها من السوق بداية العام الماضي، عبر طرحها شبكات الجيل الخامس، حيث انطلقت نحو قمة السوق العالمية للهواتف الذكية، متجاهلة عاماً كاملاً من القيود على التصدير التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب.  

أما الآن، فقد انخفضت عائدات الشركة على مدى ثلاثة أرباع عام كاملة، في حين تراجعت إلى المرتبة الـ 9 في مبيعات الهواتف الذكية بسبب خسارتها عملاءها الأوروبيين واقتصار مبيعاتها على الصين. 

وتقلصت حصة الشركة أيضاً في سوق الاتصالات العالمية، نتيجة للضغط الأميركي المصمم لوقف انتشار تقنية الجيل الخامس، بالإضافة إلى مخاوف بعض العملاء بشأن قدرتها على المنافسة من الناحية التكنولوجية.

ولفتت الصحيفة إلى أن "هواوي" قللت عملها في بعض المجالات، مثل الهواتف المحمولة، بسبب القواعد الصارمة التي وضعتها واشنطن، والتي أدت إلى تقويض قدرتها في الحصول على قطع وبرمجيات يتم صناعتها باستخدام التكنولوجيا الأميركية، بزعم أنها "ستسرق الأسرار التجارية وتنتهك العقوبات"، وهو ما نفته "هواوي".

تهدد الأمن القومي

ولا يزال المسؤولون الأميركيون وأعضاء الكونغرس يصفون "هواوي" بأنها تمثل "تهديداً للأمن القومي الأميركي"، ويشعرون بالقلق إزاء إمكانية استخدام الحكومة الصينية المعدات المملوكة للشركة، والمُدرجة في شبكات الاتصالات في جميع أنحاء العالم، في أعمال التجسس أو تعطيل الاتصالات.  

وفي المقابل، نفت "هواوي" مراراً أن تكون مصدر تهديد أمني من أي نوع، ووصفت الإجراءات الأميركية بأنها "غير مبررة"، كما عززت ميزانياتها الخاصة بممارسة الضغوط والعلاقات العامة في الولايات المتحدة لإعادة واشنطن النظر في هذه الإجراءات، إلا أن الأخيرة "لم تمنح الشركة مساراً واضحاً لرفع العقوبات". 

وأدت العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على الشركة إلى "تضييق الخناق" على هواوي حتى باتت غير قادرة على الحصول على الشرائح من الموردين من خارج الولايات المتحدة، ما دفع بالشركة الصينية إلى بيع وحدة الهواتف، وتوقع خسارة قد تصل إلى 40 مليار دولار من إيرادات الهواتف الذكية هذا العام. واعتمدت "هواوي" على السوق الصينية لتحقيق ثلثي إيراداتها، مقارنة بالعام 2017.  

مجالات جديدة 

ودفع شنّ الولايات المتحدة حملة ضد "هواوي"، تعد الأكثر تدميراً في ترسانتها، إلى تجربة الأخيرة مجالات جديدة للأعمال، والتنازل عن مناطق خارجية، وتعزيز سلسلة إمدادات مستقلة عن الولايات المتحدة، في وقت تضاءل فيه مخزونها من الشرائح عالية الجودة. 

ويأخذ المديرون التنفيذيون في "هواوي"، ممن يتحدثون في مناسبات كثيرة عن معركة من أجل البقاء، بزمام شركتهم صوب المركبات الكهربائية والبرمجيات وتكنولوجيا تعدين الفحم، لكن الكثير من هذه الجهود "لا تزال في مراحلها الأولية، ولا تشكل سوى هامش محدود من الإيرادات". 

كما بدأت أعمال بيع معدات الاتصالات التي تشكل النشاط الأساسي لـ"هواوي" ولوج نفق المعاناة، حيث قالت الشركة إن عائدات بيع معدات شركات نقل الاتصالات، مثل المحطات الأساسية، وأجهزة التوجيه الشبكي "الراوتر"، تراجعت في النصف الأول من عام 2021، بنسبة 14% مقارنة بالعام السابق، حيث حققت 136.9 مليار يوان، أي ما يعادل 21 مليار دولار.  

وعلى الرغم من هذه المشكلات، تحقق "هواوي" أرباحاً ربع سنوية، إذ بلغ حجم السيولة لديها نهاية العام الماضي 55 مليار دولار، إضافة إلى أوراق مالية قصيرة الأجل. 

ويصف مديرو الشركة ميزانية البحث والتطوير الضخمة بأنها "خطة تأمين الشركة". وفي العام الماضي، قالت "هواوي" إنها أنفقت 22 مليار دولار على البحث والتطوير، أي أكثر مما أنفقته شركة "أبل" في آخر سنة مالية لها.  

وقالت "هواوي" إنها "تتوقع أن تُظهر إيرادات بيع معدات الاتصالات ليس فقط نمواً معتدلاً، وإنما قوياً أيضاً بحلول نهاية هذا العام"، مع زيادة قوة طرح شبكات الجيل الخامس في الصين، لكن الشركة تقر بأنه من غير المرجح أن تعوض مشاريعها الجديدة الإيرادات التي خسرتها بسبب ركود مبيعات هواتفها الذكية في المدى القريب.  

انتصار "هواوي"

وفي 25 سبتمبر الماضي، استقبل الصينيون منج لدى عودتها إلى بلادها، باعتبار هذه العودة "جزءًا من عملية تبادل سجناء واضحة بين الصين وكندا"، إذ تعرضت لفرض قيود على تحركاتها، أثناء طعنها على تسليمها للولايات المتحدة بتهمة الكذب على أحد البنوك الأميركية بشأن مشاريع مزعومة لـ "هواوي" في إيران. 

ودافعت منج، ابنة رن تشنج فاي، المؤسس والرئيس التنفيذي القوي لشركة "هواوي"، عن نفسها قائلة إنها "غير مذنبة"، ولكنها اعترفت بارتكاب بعض المخالفات في مقابل تأجيل الولايات المتحدة قضيتها وإسقاط التهم الموجهة إليها في العام المقبل، شريطة ألا تنتهك بنود الاتفاق. 

وفيما احتفت الصين بالصفقة، التي أدت أيضاً إلى إطلاق سراح كنديَين من السجون الصينية، باعتبارها انتصاراً لـ"هواوي"، إلا أن المؤشرات التي تلوح في الأفق عن إمكانية تخفيف الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على الشركة لا تزال قليلة.  

كما أكد مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أن إطلاق سراح منج "لا يعني أي تراجع أو تساهل في السياسية الأميركية"، إذ قالت وزيرة التجارة الأميركية، جينا رايموندو، لبعض المنصات الإخبارية، إن وزارتها "ستواصل جهودها لمنع هواوي من الحصول على شرائح متقدمة".  

وفي يونيو 2020، افتتحت "هواوي" متجراً هائلاً في أحد مباني مدينة شنغهاي على طراز "أرت ديكو"، واصطف العملاء في الخارج يحدوهم شغف كبير لرؤية الطاولات داخل المتجر وقد وضعت عليها الساعات الذكية والحواسيب اللوحية والهواتف الذكية.

مركبات كهربائية

أما اليوم فيواجه الزوار مشهداً مختلفاً تماماً، ففي أغسطس الماضي، عُرضت 3 مركبات دفع رباعية هجينة في مكان بارز، فيما وُضعت الهواتف المحمولة على طاولة في أحد الجوانب، حيث أشار أحد موظفي المبيعات إلى أن العديد منها غير متوافر في المخزون.

وتعمل "هواوي" على تقليل نشاطاتها في المجالات التي كانت تعمل فيها في السابق لفترة طويلة، لتلقي بثقلها على المشاريع الجديدة، مثل الأنظمة المستخدمة في المركبات الكهربائية.  

وكانت المركبة المعروضة من طراز "سيريس إس إف 5"، وصممتها شركة تصنيع سيارات صينية صغيرة لصالح "هواوي"، فيما صممت الشركة الصينية العملاقة نظام الدفع الكهربائي والأجهزة الإلكترونية الخاصة بالمركبة.

كما طوّرت "هواوي" مركبة أكثر تقدماً بالتعاون مع شركة "بايك أوتومتيف جروب" لصناعة السيارات المملوكة للدولة، لبيعها بحلول نهاية هذا العام.  

وقالت الشركة الصينية إنها ستعرض المركبات للبيع في ألف متجر في جميع أنحاء الصين بحلول نهاية هذا العام، إذ وضع المديرون التنفيذيون هدفاً طموحاً لبيع 300 ألف مركبة خلال العام المقبل، ما يوازي ضعف مبيعات شركة "تسلا" في الصين خلال العام حتى أغسطس الماضي.  

وتواجه "هواوي" منافسة شرسة في مجال صناعة المركبات الكهربائية المزدحم في الصين، وعلى الرغم من ازدهار مبيعات المركبات الكهربائية، إلا أن مئات الشركات المنافسة دخلت هذا المجال، فيما شجعت الجهة الرئيسية المنظمة لصناعة التكنولوجيا في الصين، الشهر الماضي، عمليات اندماج مبررة بوجود عدد كبير للغاية من الشركات في هذا القطاع. 

وتشير مشاريع أخرى تابعة لـ"هواوي" إلى انتقال الشركة من صناعة البرمجيات إلى صناعة الأجهزة التي تحتاج إلى سلاسل توريد أجنبية.  

ونتيجة لخسارتها معظم ميزات "جوجل أندرويد" بسبب العقوبات الأميركية، طرحت "هواوي" نظام تشغيل داخلي يسمى "هارموني أو إس" للهواتف الذكية خلال الصيف الماضي، بعد أن أمضى المهندسون سنوات في تطويره، وقدموه أولاً في أجهزة مثل الساعات الذكية ومكبرات الصوت. 

ويأمل المديرون التنفيذيون أن تتبنى شركات الهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى النظام الجديد، وحتى الآن، كان المستفيدون الرئيسيون هم الشركات الصينية المصنعة للأجهزة المتصلة بالإنترنت، مثل "هاير جروب" و"ميديا جروب". 

وقالت "هواوي" إن أكثر من 100 مليون من مستخدمي الهواتف يستخدمون الآن نظام "هارموني أو إس". ولفتت إلى إن إمدادات جيدة في مجال نشاطها الرئيسي المتمثل في بيع معدات الاتصالات، مثل المحطات الأساسية والموجِهات الشبكية والمحولات.  

وكانت "هواوي" أنهت طرح شبكة الجيل الخامس في 9 أسواق، شملت المملكة المتحدة وأستراليا واليابان، من بين أسواق أخرى، في أعقاب الحملة التي شنتها الولايات المتحدة بدعوى ما تنطوي عليه شبكات الشركة الصينية من تهديدات أمنية، وفقاً لإحصاء صدر في مارس الماضي، عن مجلس العلاقات الخارجية. 

وبعد النمو الذي اعتادت الشركة أن تشهده سنوياً منذ العام 2007، انخفضت حصة "هواوي" في سوق معدات الاتصالات إلى 29% خلال النصف الأول من هذا العام مقارنة بـ 1% في عام 2020، وفق مجموعة "ديل أورو جروب".   

انتكاسات

وفي ماليزيا، صممت هواوي حوالي 50% من شبكات الجيل الرابع بالبلاد، وفي نهاية 2019، قال رئيس الوزراء الماليزي آنذاك، مهاتير محمد، إن بلاده "لن تحذو حذو الدول الأخرى في مقاطعة الشركة الصينية برغم الضغوط الأميركية المكثفة"، في حين أشاد بشركة نقل اختارت "هواوي" للمساعدة في بناء شبكة الجيل الخامس هناك.

لكن يوليو الماضي شهد تجاهلاً غير متوقع، حيث اختارت شركة الاتصالات "ديجيتال ناسيونال بيرهاد" الماليزية المملوكة للدولة، شركة "إريكسون إيه بي" السويدية للمساعدة في بناء شبكة الجيل الخامس بقيمة 2.6 مليار دولار. 

وانتقد أنور إبراهيم، زعيم المعارضة الرئيسية في ماليزيا، الصفقة بزعم أن "هواوي" كان يمكن أن تقوم بالمهمة بكلفة أقل.  

وقالت "ديجيتال ناشيونال" إن "إريكسون" قدمت عرضاً فاق عروض ثلاث شركات أخرى، وأقل بحوالي 170 مليون دولار من أقرب العروض التي شملتها المناقصة. 

في حين أشار مصدر مقرب من "إريكسون" إلى أن المديرين بالشركة مقتنعون بفوز شركتهم لأسباب تنافسية، إلا أن ماليزيا كانت متخوفة بشأن استدامة سلسلة التوريد الخاصة بشركة "هواوي". 

وفي موريشيوس، تسببت شركة "فيفاكوم أفريكان نتويركس المحدودة" في انتكاسة لـ"هواوي" هذا العام، عندما اختارت شركة منافسة أميركية صغيرة لبناء الشبكات في المناطق الريفية في إفريقيا جنوب الصحراء.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، أكيم هامويندا، إنه كان على دراية بسمعة "هواوي" في بناء شركات قوية بأسعار غير مكلفة، لكنه كان يخشى بشأن مستقبل الشركة بعد أن أصبحت هدفاً للعقوبات الأميركية، ومن ثم، اختار هامويندا شركة "باراليل وايرليس" التي قبلت تمويلاً حكومياً أميركياً لبناء شبكات الجيل الثاني والرابع في المناطق الريفية من زامبيا ومالاوي.  

وقال هامويندا إنه في حين كانت الكلفة المنخفضة لشركة "باراليل وايرليس هي السبب الرئيسي لاختيارها، "إلا أننا سألنا أنفسنا: حسنا، إذا وقع اختيارنا على شركة مثل هواوي، فإننا لا نعلم حدود الحظر المفروض على معداتها، أو أداء معداتها غداً"، مضيفاً: "في نهاية المطاف، نحن في مجال أعمال تجارية، ولا نريد أن يتأثر استثمارنا بهذا السياسات".   

اقرأ أيضاً: