"الأسطول الأصفر".. قصة 14 سفينة علقت في قناة السويس 8 أعوام

time reading iconدقائق القراءة - 6
دبي-الشرق

صبيحة الثلاثاء الماضي، جنحت سفينة الشحن العملاقة "إيفر غيفن"، جنوبي قناة السويس المصرية مُحدثة حالة طوارئ في الممر الملاحي ذي الأهمية العالمية، لتوقف حركة الملاحة قرابة الأسبوع، فيما تتواصل محاولات السلطات المصرية بمساعدة إدارة السفينة لسحبها وتعويمها مرة أخرى.

غير أن الواقعة الملاحية الاستثنائية لا تعد الأولى من نوعها في مصر، فقد أعادت إلى الأذهان قصة "الأسطول الأصفر"، المكون من 14 سفينة ظلت عالقة في البحيرات المرة الكبرى بقناة السويس لثمانية أعوام في الفترة ما بين 1967 و1975.

الأسطول الأصفر

تعود تسمية الأسطول الأصفر، إلى اللون الذهبي المميز لرمال الصحراء التي اكتست بها السفن الـ14 العالقة في قناة السويس على مدى أعوام، ويُشار أيضاً لمجموعة السفن التي علقت في قناة السويس بدءً من احتلال الجيش الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء عام 1967، وعلى مدى أعوام، باسم "جمعية البحيرات المرة الكبرى".

وتنتمي السفن التجارية للأسطول الأصفر لثمانية دول هي: المملكة المتحدة، وألمانيا، وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، والسويد، وفرنسا، وبلغاريا، والولايات المتحدة، وفقاً لما ورد في عدد أرشيفي من صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

حرب الأيام الستة

في الخامس من يونيو عام 1967، كان التصعيد بين مصر وإسرائيل قد وصل لأقصاه، وهو ما انتهى بهجوم القوات الإسرائيلية على الأراضي المصرية، بالتزامن مع وجود مجموعة سفن الأسطول في المجرى الملاحي لقناة السويس.

واتخذت السفن مساراً غير مخطط له في البحيرات المرة الكبرى المتفرعة من قناة السويس، على مقربة من خط النار الذي كان قد افتتح لتوه بين الجيشين المصري والإسرائيلي، بحسب صحيفة "نوتيلوس تليغراف"، المخصصة للشؤون الملاحية.

وبانتهاء حرب الأيام الستة التي تعرف إعلامياً باسم "النكسة"، بوقف إطلاق النار، تعقد الوضع أكثر بالنسبة لسفن الأسطول الأصفر، إذ آلت سيطرة الضفة الشرقية من قناة السويس إلى الجيش الإسرائيلي، فيما اختار الجانب المصري غلق قناة السويس، وسدّها بالجرارات والسفن القديمة، وحتى تلغيمها، لمنع استغلالها من قبل الجيش الإسرائيلي.

ووفقاً لـ"نوتيلوس تليغراف"، فإن الأسطول الأصفر لم يقف متفرجاً فحسب على خط النار، فقد قدمت طواقم عدد من السفن المساعدة للجنود المصريين، الذين نقلتهم قوارب النجاة على متن السفن، في خطوة كانت محل تقدير من الصحافة المصرية والحكومة وقتها.

تحدى التعايش

شهر تلو الآخر، تأكد أعضاء طواقم السفن العالقة بالبحيرات المرة الكبرى أن رحيلهم أصبح مرهوناً بانتهاء الصراع العسكري القائم، ومن ثم، بات عليهم التفكير في سبيل لتقنين يوميّاتهم والعلاقات فيما بينهم.

في أكتوبر من العام ذاته، لجأ قباطنة السفن إلى تدشين جمعية البحيرات المرة الكُبرى، ككيان تنظيمي، عمل على تقنين العلاقات بين السفن، وكذلك على رسم ملامح فترة البقاء لأجل غير مسمى، لا سيما أن جنسيات سفن الأسطول الأصفر حينذاك كانت تشكل تمثيلاً واضحاً للمعسكرين الشرقي والغربي المنخرطين في الحرب الباردة.

على سطح السفينة الألمانية، اعتاد الطواقم - كل أحد - حضور المراسم الكنسية، فيما استضاف سطح إحدى السفن الإنجليزية العديد من المباريات الكروية، فضلاً عن عقد سباقات لقوارب النجاة.

ووفقاً لتقرير لمجلة "التايم" الأميركية، يرجع تاريخه إلى عام 1969، فقد مثّلت السفينة البلغارية دار العرض السينمائية الرسمية لمجتمع البحيرات المرة، فيما أصدر طاقم السفينة البولندية طوابع بريدية خاصة لخطابات أعضاء المجتمع الناشئ، وقد تعامل معه البريد المصري بوصفه بريداً معترفاً به.

وبالتزامن مع أوليمبياد المكسيك عام 1968، استضاف الأسطول الأصفر هو الآخر دورة مصغرة من الأولمبياد، في رياضات رفع الأثقال وكرة الماء والرماية والقفز العالي، والسباحة.

العودة للديار

لم تحِن لحظة تنفس الصعداء في قصة الأسطول الأصفر، إلا بعد ثمانية أعوام، وبالتحديد في عام 1975 حينما أعيد افتتاح قناة السويس بعد تطهيرها من المتفجرات، بعد عامين من حرب أكتوبر واستعادة الجانب المصري السيطرة على سيناء مرة أخرى.

ونظراً لطول مدة البقاء، لم تستطع سوى السفينتان الألمانيتان نوردويند، ومانسترلاند، العودة دون مساعدة إلى ميناء هامبورغ، لتجدان في استقبالهما 30 ألف مواطن بعد رحلة تجارية من الأطول تاريخياً، فيما لم تستطع باقي سفن الأسطول إكمال الرحلة واضطرت الشركات القائمة عليها لجرها بعدما تهالكت.

وفي الأول من يونيو عام 2017، نظّم المتحف الوطني بليفربول، احتفالية اجتمع فيها نحو 100 شخص من البحارة الذين كانوا ضمن تجربة الأسطول الأصفر، في ذكرى مرور 50 عاماً على الظرف الفريد الذي جمعهم.