
دخلت الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، منعطفاً جديداً من التوتر جراء الحرب التجارية مع الصين، لتطال الشركات والمستثمرين العالقين وسط علاقة مثيرة للجدل بين البلدين.
وبعد أسبوع من الجدل بشأن نطاق الحظر الأميركي على الاستثمارات في الشركات المرتبطة بالجيش الصيني، اتخذت كل من واشنطن وبكين خطوات تصعيدية في نهاية الأسبوع، تهدد بمزيد من الارتباك على الصعيد التجاري عبر الحدود.
وبحسب تقرير لوكالة "بلومبرغ"، فإن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خالف عقوداً من السياسة الأميركية تجاه تايوان، ورفع السبت، القيود عن العلاقات بين واشنطن وتايبيه، وهو ما أثار دعوات للانتقام من قبل وسائل الإعلام الصينية.
وجاء إعلان بومبيو قبل ساعات من إصدار بكين قواعد جديدة من شأنها أن تسمح للمحاكم الصينية بمعاقبة الشركات العالمية على الامتثال للعقوبات الأجنبية، وهي خطوة يمكن أن تجبر الشركات نظرياً على الاختيار بين أكبر اقتصادين في العالم، الصيني والأميركي.
رد صيني
وقالت بلومبرغ، "لم يكن من الواضح كيف سيتم تنفيذ المراسيم. فالصين، على سبيل المثال، تعمل على توسيع مجموعة أدواتها للرد على العقوبات الأميركية لسنوات قادمة، على الرغم من أنها امتنعت حتى الآن عن استخدام تدابير تشمل القوائم السوداء وضوابط التصدير. فكل شيء ينتظر دخول جو بايدن البيت الأبيض في الـ20 من الشهر الجاري".
وبحسب الوكالة، فإن هناك حالة من الارتباك ما زالت تسيطر على الشركات التي وقعت في مرمى النيران، مثل "أبل" و"تنسينت هولدنغز"، و"إتش إس بي سي"، إذ تخاطر تلك التوترات بين أميركا والصين بقرارات الاستثمار والصفقات وتمويل بدء التشغيل، في وقت يحتاج الاقتصاد العالمي فيه إلى كل الدعم، في ظل أزمة كورونا.
أليكس كابري، الباحث في مؤسسة "هينريتش"، وهي مؤسسة مقرها آسيا أنشأها رجل الأعمال الأميركي ميرل هينرتش لتعزيز التجارة العالمية المستدامة، قال إن "هناك تصعيداً في المعاملة بالمثل. وستجد الشركات متعددة الجنسيات والأفراد، نفسها معرضة للخطر بشكل متزايد".
وكان أداء الأسهم الصينية دون نظيراتها الإقليمية، الاثنين، حيث انخفض مؤشر CSI 300 بنسبة 1% لدى الإغلاق. وتراجعت العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 بنسبة 0.5% إذ كان المستثمرون يقيمون تداعيات ارتفاع عائدات الخزانة وضغط الرئيس المنتخب جو بايدن للحصول على المزيد من المساعدات المالية، وتجاهل التجار في تايوان إلى حد كبير التوترات المتزايدة مع بكين، ما أرسل مؤشر الأسهم المحلي إلى مستوى قياسي.
من جهتها، حذرت صحيفة "غلوبال تايمز" المدعومة من الحزب الشيوعي الصيني، من أن بومبيو يدفع أكبر اقتصادات العالم نحو صراع عسكري.
وقالت وزارة الخارجية الصينية، التي تعارض العلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، الاثنين، إنها "تعارض وتدين بشدة الخطوة الأميركية، وكررت أن تايوان جزء من أراضيها وغير قابل للتصرف".
قواعد جديدة
وتهدف قواعد بكين الجديدة بشأن العقوبات الأجنبية، التي كشفت عنها وزارة التجارة الصينية السبت، إلى حماية الشركات المحلية من الأضرار التي قد تطالها جراء "الإجراءات الخارجية" كالعقوبات الأميركية "غير المبررة"، من خلال السماح لمواطنيها وشركاتها برفع دعوى للحصول على تعويض في المحاكم الصينية، إذا تضررت مصالحهم من خلال تطبيق قوانين أجنبية.
على سبيل المثال، تعرضت شركة ByteDance المحدودة لضغوط من إدارة ترمب للتخلي عن السيطرة على تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة "تيك توك"، الذي ألغي بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي المزعوم، لكن مستثمري الشركة الناشئة قد يسعون إلى استخدام القواعد الصينية الجديدة للفوز بتعويض مالي عن أي خسائر، بحسب بلومبرغ.
وأثارت القواعد الصينية الجديدة، التساؤلات بشأن إمكانية رفع دعاوى للتعويض من قبل الشركات المالكة للتطبيقات التي أزالتها إدارة ترمب من متجر أبل، مثل "ويشات" و"تيك توك" أو ألعاب شركة تينسيت "المالكة للعبة ببجي الشهيرة"، وكذلك شركة هواوي التي تضررت بقوة خلال إدارة ترمب.
ورأى شون دينغ، المحلل في شركة "بلينيوم" للأبحاث، أن القواعد الجديدة "ترسل إشارات للشركات الصينية والأميركية في الصين بأنه الآن أصبح بإمكانها قضائياً مواجهة القانون المحلي الأميركي".
وبحسب التقرير، فإن هذا النهج يتماشى مع ردود الفعل الصينية السابقة على القيود الأميركية، بما في ذلك إنشاء بكين "لقائمة كيانات غير موثوقة"، وتعهد الحكومة بمعاقبة الشركات أو المنظمات أو الأفراد الموجودين في القائمة الذين يضرون بالأمن القومي.
آثار جانبية
وعلى الرغم من أن قانون الأمن في هونغ كونغ يحظر فرض عقوبات على المركز المالي والصين، فإن المقرضين المملوكين للدولة، بما في ذلك بنك الصين المحدود، اتخذوا خطوات للامتثال للعقوبات الأميركية ضد مسؤولين مثل الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ كاري لام.
ونقلت "بلومبرغ" أن أكبر 4 بنوك مملوكة للدولة في الصين لديها حوافز ضخمة للبقاء في الجانب الجيد من المنظمين الأميركيين حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى التمويل بالدولار.
وترى أنجيلا تشانغ، مديرة مركز القانون الصيني في جامعة هونغ كونغ أنه "إذا نظرت إلى سابقة الاتحاد الأوروبي، لا أرى أن القواعد الصينية فعالة للغاية في مواجهة العقوبات الأميركية"، وذلك في إشارة لتوتر العلاقات الصينية الأرووبية بدعاوى انتهاك حقوق الإنسان في الإيغور.
إلغاء المؤشرات
وظهر المدى الطويل للعقوبات الأميركية واحتمال حدوث ارتباك بشأن تنفيذها مرة أخرى الاثنين، إذ تسابقت البنوك ومديرو الأموال للامتثال لأمر ترمب التنفيذي بحظر الاستثمارات في الشركات المرتبطة بالجيش الصيني.
وأعلنت كل من "غولدمان ساكس"، "ومورغان ستانلي"، "وجاي بي مورغان تشايس" في إيداعات البورصة خلال عطلة نهاية الأسبوع، أنها ستشطب 500 من المنتجات المهيكلة في هونغ كونغ، وهي خطوة ستؤثر في المستثمرين في الولايات المتحدة وحول العالم.
ولم يتلقَّ المستثمرون في كثير من الحالات سوى القليل من التحذير بشأن كيفية تخطيط المنظمين والبنوك ومقدمي المؤشرات والبورصات لتنفيذ أمر ترمب، والذي دخل حيز التنفيذ الاثنين.
والأسبوع الماضي، أكدت بورصة نيويورك أنها ستزيل أسهم شركة "تشاينا موبايل" المحدودة وشركتي اتصالات صينيتين أخريين من مؤشراتها يوم الجمعة، ما أعطى الصناديق العالمية يوماً واحداً فقط لتعديل مليارات الدولارات من الاستثمارات السلبية.
وقالت ويندي ليو، رئيسة استراتيجية الأسهم الصينية في "يو بي إس غروب"، إن بعض المستثمرين الباحثين عن الصفقات في أوروبا مهتمون بالاستفادة من الانخفاض الناجم عن العقوبات في أسعار الأسهم الصينية.
لكنها أضافت أن الكثيرين ما زالوا ينتظرون مزيداً من الوضوح بشأن آفاق التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
وأضافت ليو: "ما زلنا بحاجة إلى الانتظار لنرى كيف ستتكشف العلاقات الأميركية الصينية في الإدارة الجديدة".