كيف تحولت مينسك إلى مقصد للمهاجرين تحت ستار السياحة؟

time reading iconدقائق القراءة - 13
عناصر من الأمن البولندي على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا حيث يحتشد آلاف المهاجرين في محاولة للعبور باتجاه دول الاتحاد الأوروبي 9 نوفمبر 2021 - AFP
عناصر من الأمن البولندي على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا حيث يحتشد آلاف المهاجرين في محاولة للعبور باتجاه دول الاتحاد الأوروبي 9 نوفمبر 2021 - AFP
السليمانية (العراق)/هاينوفكا (بولندا)-أ ف ب

تشهد الحدود بين بيلاروسيا وبولندا أزمة حادة بسبب التدفق الكبير للمهاجرين الراغبين في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن كيف وصل هذا العدد الكبير من المهاجرين إلى هذه المنطقة لاستخدام هذا الطريق؟

عندما سافر كرمان محمد مع زوجته، وأبنائه الثلاثة إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا الشهر الماضي من مدينتهم في شمال العراق، دخلتها الأسرة تحت ستار السياحة.

وتبين وثائق وروايات شهود، أن أسرة محمد كانت ضمن آلاف حصلوا على تأشيرات سياحية في الأشهر الأخيرة، بمساعدة وكالات للسفر في الشرق الأوسط، تعمل من خلال شراكة مع شركات سياحية في بيلاروسيا، حسب تقرير لوكالة "رويترز". 

ولم تكد تمضي أيام على وصول أسرة محمد إلى مينسك، حتى شقّت طريقها إلى الحدود الفاصلة بين  بيلاروسيا وبولندا، لتنضم إلى موجة من العراقيين والسوريين والأفغان وغيرهم ممن يحاولون العبور إلى الاتحاد الأوروبي، رغم الخطر الذي يكون قاتلاً في بعض الأحيان، تطلعاً لبدء حياة جديدة.

ووصل محمد وأسرته إلى بولندا بالفعل، لكنهم لم يمكثوا فيها سوى فترة قصيرة. فقد تم ترحيلهم إلى العراق يوم 31 أكتوبر، لتصبح الأسرة دليلاً حياً على أن إنفاق آلاف الدولارات والمخاطرة بالأرواح، لا يضمن الاستقرار في الاتحاد الأوروبي.

قال محمد لوكالة "رويترز"، الخميس الماضي، وهو يجلس في بيته بمدينة السليمانية في شمال العراق، إن "الطائرات تنقل السياح المتوجهين للسياحة".

وأضاف: "حكومة مينسك تعلم جيداً أن هؤلاء الناس ليسوا سياحاً، لكنهم ذاهبون إلى الحدود البولندية"، لكن وكالة "رويترز" لم تستطع التحقق من صحة روايته.

توترات مع روسيا 

أزمة المهاجرين غذّت التوترات بين الغرب وروسيا حليفة بيلاروسيا، إذ أرسلت موسكو قاذفات ذات قدرات نووية لكي تراقب سماء مينسك، وأعربت الدول المتاخمة لبيلاروسيا عن انزعاجها من احتمال تصاعد الأزمة إلى مواجهة عسكرية.

واتهم الاتحاد الأوروبي، الرئيس البلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بتدبير طوفان المهاجرين للضغط على الاتحاد، بقصد التراجع عن عقوبات مفروضة على حكومته.

ونشرت بولندا وليتوانيا وثائق اطلعت عليها "رويترز"، يقول البلدان إنها تثبت أن شركة سفر واحدة على الأقل تملكها دولة روسيا البيضاء، سهّلت للراغبين في الهجرة زيارتها بدءاً من شهر مايو، في حين رفعت شركة طيران تابعة للدولة عدد رحلاتها بأكثر من المثلين على مسار رائج، يستخدمه الساعون للحصول على اللجوء.

في المقابل، ينفي لوكاشينكو تسهيل الأزمة، رغم أنه قال إنه لن يمنع المهاجرين بعد الآن بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات أجريت العام الماضي، وحملة تضييق تبعتها على المحتجين.

ويستعد الاتحاد الأوروبي لكشف النقاب عن حزمة جديدة من العقوبات ضد بيلاروسيا، أوسع نطاقاً، يمكن أن تشمل شركات طيران ووكلاء سفر، بسبب أزمة الهجرة على حدودها مع بولندا، إذ يتهم الاتحاد نظام لوكاشينكو، بالتدبير المتعمد للأزمة عبر تشجيع المهاجرين على دخول حدوده.

وقال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قبيل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد ببروكسل، الاثنين، إنه تحدث الأحد مع وزير الخارجية البيلاروسي، فلاديمير ماكي، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بشأن الأزمة حسبما ذكرت وكالة "رويترز".

تأشيرات سياحية

وحاورت "رويترز" أكثر من 30 شخصاً، ما بين مهاجر أو راغب في الهجرة من الشرق الأوسط أثناء إعداد هذا التقرير في مدنهم الأصلية، وعلى الحدود بين بيلاروسيا وبولندا وفي مراكز المهاجرين في وارسو.

من هذا العدد حدد نحو 20 فرداً طبيعة التأشيرات التي سافروا بها، وقالوا جميعاً إنها تأشيرات سياحية. وأظهرت الوثائق التي نشرتها بولندا، أن قرابة 200 عراقي حصلوا على دعم في إصدار التأشيرات من شركة سفريات تديرها الدولة في بيلاروسيا للسفر من أجل الصيد البري، وأغراض أخرى.

وتحدّث مهاجرون ووكلاء سفريات في العراق وتركيا عن السهولة النسبية، التي حصلوا بها على وثائق للسفر إلى بيلاروسيا في الشهور الأخيرة.

وعلى الرغم من التكلفة، التي تراوحت بين 1250 و4 آلاف دولار بحسب مهاجرين عراقيين، للوصول إلى مينسك، فإن الآلاف أكملوا الرحلة بالحصول على التأشيرات بمساعدة شركات من مينسك، واستقلال رحلات جوية تجارية بعد أن تزايدت وتيرتها منذ فصل الربيع.

وساعدت في تحقق هذه الزيادة في أعداد المهاجرين، وكالات سفريات وشركات صغيرة ومهربون وسائقون، يسعون لتحقيق الاستفادة المالية، وفقاً لما قاله مسافرون متجهون إلى الحدود أو وصلوا إليها بالفعل.

وقال عدد من المهاجرين قرب الحدود لوكالة "رويترز"، إن حرس الحدود في بيلاروسيا ساعدوهم في العبور إلى بولندا أو غض الطرف عنهم وهم يحاولون العبور. وقال اثنان من المهاجرين في لقاءين منفصلين إن "حرس الحدود سلمهما أدوات لقطع الأسلاك".

ولم ترد سلطات مينسك على طلبات للتعليق على الاتهامات الموجهة لها بأنها سهلت أزمة المهاجرين. غير أن وزارة خارجيتها، قالت الاثنين، إن الاتهامات بأن بيلاروسيا دبرت الأزمة على حدودها مع الاتحاد الأوروبي "منافية للعقل".

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن الوزارة، قولها إن بيلاروسيا شددت القيود على حدودها، وإن شركة طيران "بيلافيا" المملوكة للدولة لم تنقل مهاجرين مخالفين للقوانين.

طريق أكثر أمناً

قال معظم المهاجرين الذين حاورتهم "رويترز"، إنهم قاموا بالرحلة لأنهم لا يرون لأنفسهم أو لأولادهم مستقبلاً سواء في سوريا أو في العراق. وذكر عدد قليل منهم أنهم يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي للحاق بأصدقاء أو أقارب سبقوهم إليه.

ورأى المهاجرون فرصة للوصول إلى أوروبا براً؛ بدلاً من الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر؛ ولا سيما عند السفر مع أطفال صغار. وقرأ هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن التأشيرات أصبحت متاحة بسهولة، كما عرض وسطاء ووكلاء خدماتهم عليهم.

من بين هؤلاء الوكلاء، حسين الأصيل العراقي، المُقيم في أنقرة الذي يوفر خدمات السفر للراغبين من السياح والمهاجرين.

قال الأصيل، إنه رتب دعوات لعملائه من 3 شركاء في بيلاروسيا، وتولى استخراج تأشيرات على جوازات سفر مرسلة من العراق. وبمجرد عودة الجوازات أصبح بإمكان أصحابها السفر إلى مينسك عن طريق تركيا.

وأشار الأصيل إلى أن حصول العراقيين على تأشيرات سفر إلى بيلاروسيا قبل العام الحالي كان أصعب بكثير. وذكر أنه تقاضى 1250 دولاراً عن الفرد الواحد، زاعماً أن ذلك يجعل منه واحداً من أرخص وكلاء السفر.

وأضاف أن سفارة مينسك "بالطبع تعلم أن هذا الشخص ليس ذاهباً للسياحة. أي نوع من السياحة هذا الذي يحجز فيه المرء تذكرة طائرة مقابل 800 دولار، ويحصل على تأشيرة مقابل 1250 دولاراً؟ هم يعلمون أن هؤلاء الناس قادمون للذهاب إلى أوروبا"، على حد قوله.

رحلات جوية إلى مينسك

وازدادت وتيرة الرحلات الجوية إلى مينسك خلال فصل الربيع، بحسب التقرير. فعلى سبيل المثال، سيّرت شركة "بيلافيا" 28 رحلة من إسطنبول إلى مينسك خلال فبراير الماضي، و31 رحلة خلال مارس. وبحلول يوليو، تجاوز عدد الرحلات الضعفين إلى 65 رحلة وفقاً لبيانات موقع "فلايت رادار 24" لرصد الرحلات الجوية.

وتحرك الاتحاد الأوروبي للتصدي لهذه الموجة. ووسط ضغوط من بروكسل أوقفت بغداد الرحلات الجوية من العراق إلى مينسك خلال الخريف.

والجمعة، أكدت شركتا "بيلافيا"، والخطوط الجوية التركية أنهما ستتوقفان عن نقل المسافرين من اليمن والعراق وسوريا إلى مينسك باستثناء الدبلوماسيين.

والسبت قالت شركة "أجنحة الشام" للطيران، وهي شركة سورية خاصة، لوكالة "رويترز"، إنها ستتوقف عن تسيير رحلات إلى مينسك.

زيادة في المسافرين

ولفت التقرير إلى أنه ما إن يصل المهاجرون إلى مينسك، حتى يسارع أغلبهم بالانتقال إلى منطقة الحدود. 

في هذا السياق، قال سكان مدن إنهم رصدوا زيادة كبيرة في أعداد مسافرين ذوي ملامح شرق أوسطية، ينتظرون في مراكز تجارية أو ينامون على مقاعد أو يشترون مؤناً لمواصلة رحلتهم.

فيما قال بعض المهاجرين الذين وصلوا إلى بولندا، إنهم تعرضوا للضرب على أيدي حرس الحدود في بيلاروسيا، الذين طاردوهم عبر منطقة الحدود. وواجه هؤلاء الإرهاق والجوع والعطش والخوف.

ولم ترد سلطات روسيا البيضاء على الفور على طلب للتعليق على هذه الاتهامات.

من جانبها، قالت عراقية تبلغ من العمر 26 عاماً، اسمها أم ملك، ستلد بعد 13 أسبوعاً لوكالة "رويترز"، إنها وأسرتها حولوا مسارهم بين بولندا وبيلاروسيا 6 مرات قبل الوصول إلى مركز للمهاجرين في مدينة بياليستوك البولندية.

وأضافت أنها وزوجها وبناتهما الثلاث خاضوا في مياه يصل ارتفاعها إلى الصدر واختبأوا في غابات وسط البرد.

بينما قال متحدث باسم الشرطة البولندية، إن الشرطة لم تنفذ أي عمليات مثل إعادة المهاجرين إلى الحدود. ولم يرد حرس الحدود البولندي والسلطات في بيلاروسيا على طلبات للتعليق على ما قالته أم ملك، التي ربما "تعتبر نفسها محظوظة"، حسب التقرير.

ظروف قاسية وصعوبات

عدد كبير من المهاجرين، بحسب التقرير، لا يتمكنون من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، ويُجبرون على محاولة العودة إلى مينسك، ويضطرون في بعض الأحيان لدفع رشوة في سبيل العودة إلى وطنهم.

وتوفي 8 أشخاص على الأقل من المهاجرين في محاولات العبور، وتتزايد المخاوف على سلامة الآخرين مع اقتراب الظروف الجوية الشتوية القاسية.

ورغم تضييق الخناق على الرحلات الجوية من الشرق الأوسط إلى مينسك، فقد قال فابريس ليتجيري مدير وكالة الحدود بالاتحاد الأوروبي (فرونتكس)، الجمعة، إن على الاتحاد الاستعداد لزيادة في أعداد المهاجرين الذين يحاولون دخوله.

وقد زادت الأعداد بالفعل. فقد قال حرس الحدود البولندي إن أكثر من 17 ألف محاولة لعبور الحدود خلسة وقعت في أكتوبر الماضي، أي أكثر من مِثلي المحاولات التي حدثت في سبتمبر الماضي، وإن آلاف المهاجرين ينتظرون بالقرب من حدود بيلاروسيا مع بولندا.

"كل يوم أصدقاء يرحلون"

وفي مدينة "سيد صادق" بشمال العراق، قال الحلاق ورزار إبراهيم، إن عشرات من مدينته رحلوا عن إقليم كردستان في شمال العراق، قاصدين بيلاروسيا في الأسابيع الأخيرة.

وأضاف إبراهيم (37 عاماً) الأب لطفلين، إنه قرر الانضمام إلى المسافرين. وتابع: "لدي طفلة في الثامنة ولا يمكنها الكتابة. لماذا؟ لأن المدرسة ليست جيدة. وبوسعي أن أرى أن حياة أطفالي لا تبدو مقبولة".

وزاد: "أرى الصور كل يوم لأشخاص في الغابة لكني لست خائفاً. المصاعب في بيلاروسيا مؤقتة. أسبوع أو أسبوعان. لكنها هنا موجودة كل يوم".

وقالت حكومة إقليم كردستان العراق لوكالة "رويترز"، إنها تحقق مع وكلاء السفر المحليين المتورطين في هذا النزوح، وحملت الساسة والمهربين مسؤولية تفاقم الأزمة.

وأشار إبراهيم إلى أنه دفع 1600 دولار عن كل فرد في أسرته، المكونة من 4 أفراد للذهاب إلى مينسك.

وأردف: "كل يوم تجد صديقاً مقرباً يرحل. يعرف كل منكما الآخر منذ 20 عاماً، ثم يرحل إلى بيلاروسيا، ولا تعرف ماذا سيحدث له. وهذا صعب. لكني أقول مع ذلك سأذهب. وأنا راحل لأن الوضع هناك أفضل من هنا".

فيما قال بعض الراغبين في الهجرة إنهم باعوا أرضاً، أو بيوتاً لسداد تكاليف السفر والفنادق وعمولات المهربين والرشوة.

اقرأ أيضاً: