سعياً وراء إعادة انتخابه لتولي منصب رئاسة الحكومة مجدداً، ولدرء تهم الفساد التي تلاحقه، تحول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى استراتيجية صريحة تستند إلى ثنائية الاعتماد على دعم اليهود الأرثوذكس المتشددين، وهم الحلفاء السياسيون الأقوى له، إضافة إلى تسريع عملية القضاء على جائحة كورونا عبر واحدة من أقوى حملات التطعيم في العالم.
لكن، مع الانتهاك العلني والمستمر الذي يمارسه اليهود الأرثوذكس المتشددون ضد تعليمات السلامة، والاشتباك العنيف والمتصاعد مع قوات الأمن، تتحول استراتيجية "زواج المصلحة" التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى عبء على كاهله، حسبما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
بلا مواربة، شاهد نتنياهو، شركاءه السياسيين يقوضون الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الوباء، ويثيرون ردود فعل عامة تهدد مصالحه في صناديق الاقتراع.
وقال موشيه كلوغفت، الذي عمل مستشاراً استراتيجياً لحملة نتنياهو الانتخابية: "يأمل نتنياهو أن تكون إسرائيل أول بلد في العالم يشمله التطعيم بالكامل، ما يجعله قادراً على فتح الاقتصاد أمام الجميع، سواء من الأرثوذكس المتشددين أو العلمانيين".
وأضاف: "لكن إذا استمرت المشكلات الحالية، فسيجد نتنياهو نفسه في مأزق كبير".
المعضلة الكبرى
قبل أقل من شهرين من انطلاق الانتخابات في 23 مارس، تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة كبرى، إذ تمكنت حكومة تل أبيب في غضون شهر واحد فقط، من تطعيم أكثر من ربع السكان البالغ تعدادهم 9.3 مليون نسمة، وتسير بخطى ثابتة نحو الانتهاء من تطعيم جميع البالغين بحلول يوم الانتخابات.
في الوقت ذاته، تعاني إسرائيل من أحد أعلى معدلات الإصابة بالفيروس في العالم النامي، إذ تكتشف يومياً نحو 8000 حالة جديدة. وشددت الحكومة إجراءات الإغلاق الذي بدأ منذ شهر، بإغلاق مطارها الدولي أمام جميع الرحلات تقريباً.
وعلى الرغم من تعدد أسباب استمرار تفشي الجائحة، لا أحد يشك في أن قطاع الأرثوذكس المتطرفين يمثل أحد أهم هذه الأسباب على الإطلاق، إذ لا تزال مدارسهم مفتوحة، ومعابدهم مكدسة، وحفلات الزفاف والجنازات تجري على قدم وساق.
ويقدر الخبراء أن هذا القطاع، الذي يشكل نحو 12% من الإسرائيليين، مسؤول وحده عن 40% من حالات الإصابة الجديدة.
وتكشف البيانات الرسمية أيضاً، أن معدلات التطعيم أقل بكثير في البلدات التي يقطنها الأرثوذكس اليهود المتشددون، حيث يحتل العلم مكانة متراجعة مقارنة بالدين.
اليهود المتشددون
وتشير "أسوشيتد برس" إلى أن اليهود الأرثوذكس المتشددين، لطالما مارسوا نفوذاً يفوق إمكاناتهم بسبب حضورهم القوي في الكنيست، ودورهم النافذ في اختيار القيادات الوطنية، ما ساعدهم في الحصول على العديد من التنازلات.
من ذلك، على سبيل المثال، إعفاء ذكورهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، وحصول مدارسهم على إعانات ضخمة لا تتناسب مع مستوى التعليم المتدني الذي تقدمه، والذي يركز فقط على المواد الدينية، ويهمل في مقابل ذلك مواد أخرى مهمة مثل الرياضيات، واللغة الإنجليزية، والعلوم.
وعلى الرغم من استياء الغالبية العلمانية في إسرائيل من هذه الأوضاع، وتحذيرات الاقتصاديين المتكررة من عدم إمكانية استدامتها، إلا أن القادة السياسيين قلما أبدوا استعداداً للتغيير.
ولم يكن نتنياهو استثناء من هذه القاعدة، فعن طريق المحافظة على تدفق الأموال الحكومية على هذه الشريحة، وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيهم حليفاً سياسياً قوياً على مدى 12 عاماً قضاها في منصبه. ويحظى دعم الأرثوذكس المتطرفين بأهمية خاصة في هذه الآونة، إذ يسعى نتنياهو إلى تشكيل ائتلاف أغلبية للحصول على حصانة من تهم الفساد التي تلاحقه.
لكن معدلات الإصابة المتزايدة، ورفض الانصياع لقرارات الإغلاق، والاحتجاجات العنيفة والاشتباكات المتكررة مع قوات الشرطة، لفتت الأنظار بدرجة كبيرة، ما وضع نتنياهو في مأزق يهدد مصالحه الانتخابية.
"سنضع حداً لهذا الجنون"
من جانبهم، يسعى منافسو نتنياهو السياسيون، إلى استغلال حالة الاستياء العامة في المجتمع الإسرائيلي من الأرثوذكس المتطرفين.
وغرد يائير لابيد، زعيم حزب "يش عتيد" (هناك مستقبل) الوسطي، في حسابه على تويتر، قائلاً: "سنضع حداً لهذا الجنون"مضيفاً: "معنا سيكون هناك قانون واحد للجميع".
ويحظى حزب "يش عتيد" بدعم الناخبين العلمانيين من الطبقة الوسطى.
وتشير استطلاعات رأي أجريت أخيراً، إلى ارتفاع شعبية لابيد. ففي استطلاع أجرته القناة 12 الإسرائيلية، قال أكثر من 60% من المشاركين إنهم لا يريدون أحزاباً أرثوذكسية متطرفة في الحكومة المقبلة.