Barbie.. أفكار لامعة ورسائل متناقضة

time reading iconدقائق القراءة - 8
 مارجوت روبي في العرض الخاص لفيلم "Barbie" في مكسيكو سيتي، المكسيك، 7 يوليو 2023 - Getty Images
مارجوت روبي في العرض الخاص لفيلم "Barbie" في مكسيكو سيتي، المكسيك، 7 يوليو 2023 - Getty Images
القاهرة-عصام زكريا*

في مشهد متأخر من فيلم Barbie، دون إفشاء أسرار يمكن أن تعكر صفو من لم يشاهد الفيلم بعد، تقوم الدمية "باربي" (مارجو روبي) بتوجيه بعض النصائح التي استخلصتها من تجربتها العميقة خلال الفيلم إلى مدير شركة "ماتل" (ويل فارير)، تتعلق بالصورة التي يجب أن تكون عليها الدمية الأكثر شعبية في عالم الفتيات منذ عقود.

يتردد مدير الشركة التقليدي الرجعي، لكن أحد معاونيه يدون نصائح "باربي" ويخبر رئيسه أنها أفكار جيدة جدا، فيتراجع مدير الشركة على الفور، ويقرر أن يتبنى هذه الاقتراحات في النسخ المقبلة.

نسوية.. رأسمالية

لا مانع لدى "ماتيل"، ولا هوليوود، ولا أي شركة رأسمالية كبيرة، من أن تتقبل أي اقتراحات "ثورية" أو "نسوية"، طالما أنها ستعني استمرار الشركة وزيادة أرباحها، حتى لو كانت هذه الاقتراحات تشمل صنع فيلم لمخرجة وكاتبة "نسوية"، تنتقد فيه تأثير الدمية "باربي" على أجيال من الفتيات، وتقترح في نهايته بعض الأفكار الجريئة لتطوير صورة الدمية بما يتوافق مع أفكار الجيل الحديث.

لا شك في موهبة وبراعة المخرجة جريتا جيرويج وشريكها في كتابة الفيلم نوا باومباخ، فكلاهما صنعا فيلمين عظيمين من قبل هما Lady Bird وLittle Women، أبرز ما فيهما حسهما النسوي الجياش، بما يتوافق مع مزاج القرن الجديد وقواعد أكاديمية علوم وفنون السينما المانحة للأوسكار، والمهرجانات والمؤسسات السينمائية الأخرى.

ولا شك، أيضاً، أن صنع فيلم "جاد" و"سياسي" عن الدمية "باربي" من قبل مخرجة موهوبة مثل جيرويج، هو فكرة ألمعية، ليس فقط لأنها تتعامل مع ظاهرة شديدة الحضور والتأثير مثل "باربي"، وإنما أيضاً لأنها تضمن جمهوراً بالملايين من محبات "باربي"، اللواتي يتدفقن بالفعل على القاعات منذ بدء عرضه، حيث حقق ما يقرب من 500 مليون دولار خلال أسبوع، متفوقاً على Oppenheimer، الذي كتبه وأخرجه واحد من أنجح المخرجين، هو كريستوفر نولان، ويدور حول واحد من أخطر الأحداث التي مرت بها البشرية، إن لم يكن أخطرها، وهو اختراع القنبلة الذرية وإلقاءها على هيروشيما وناجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.

بين الدمية والقنبلة

الشباب الذين يلهون على مواقع التواصل الاجتماعي في إطار "باربينهايمر"، ساخرين من القنبلة الذرية بقدر سخريتهم من الدمية "باربي"، هم أيضاً جزء من اللعبة، والمصفوفة، الدائرة، حيث يتحول كل وأي شئ إلى إعلان، سواء كان أليفاً أو ثورياً، قنبلة أو دمية أطفال، طالما أن عداد الأموال شغال، وبقرة الرأسمالية تواصل ضخ الحليب.   

بعد أقل من 15 عاماً على اختراع القنبلة، قامت سيدة اسمها روث هاندلر باختراع الدمية "باربي" التي كانت شيئاً جديداً وفريداً في عالم الدمى المخصصة للبنات، مستلهمة بشكل واضح من حركات تحرر المرأة والثورة الجنسية، حيث تميزت "باربي" بحضورها الأنثوي، وطموحها العالي نحو مجتمع تتساوى فيه النساء بالرجال.

وحتى عندما ظهر لها دمية رجل هو صديقها "كين"، فقد ظل شخصية هامشية بليدة، لا هم له سوى ممارسة الرياضة وتقوية العضلات وارتداء الملابس الأنيقة الحديثة.

وبالفعل يمجد الفيلم في الصانعة الأم، التي تظهر كإلهة في نهاية الفيلم (بأداء ريا بيرلمان) لتساعد "باربي" على اكتشاف نفسها، ومبدئياً يحمل هذا المشهد اعترافاً بقيمة "باربي" يدحض أي نقد يحمله الفيلم ضدها، إلا إذا كان استيلاء رجال الأعمال على مشروع الصانعة الأم.

لمحات بارعة ومحاكاة ساخرة

يستخدم الفيلم أسلوب المحاكاة الساخرة في بعض المشاهد، ليشيع حالة كوميدية لطيفة، من ذلك مشهد البداية البارع الذي نستمع فيه بصوت هيلين ميرين لقصة اختراع "باربي"، وفي محاكاة لافتتاحية فيلم "أوديسا الفضاء: 2001"، للمخرج ستانلي كوبريك، تتجمع الفتيات البدائيات حول الدمى القديمة، مثل الإنسان البدائي في فيلم كوبريك، ثم تظهر "باربي"، كما يظهر عمود الوعي والعقل القادم من الفضاء الخارجي في "أوديسا الفضاء"،  فتقوم الفتيات بتحطيم الدمى البالية التي تجسد المرأة القديمة، ولا يصبح هناك سوى "باربي" القوية، الكاملة.

كل شئ مثالي في مملكة "باربي"، كما يبين الفيلم، حيث تتحكم عرائس "باربي" بحياتهن، ويصبحن أي شئ يرغبن فيه، بينما عرائس "كين" مواطنون من الدرجة الثانية.

يناقش فيلم Barbie الفارق بين قوة النساء في العالم الخيالي "باربي لاند" والواقع الذي لم يزل عالماً رجولياً "بطريركياً"، يتحكم فيه الرجال حتى في أذواق وميول الفتيات الصغيرات، كما يظهر في المشهد الذي تذهب فيه "باربي" إلى مقر الشركة المخترعة لها، فتكتشف أن مجلس الإدارة وأغلب العاملين فيها من الرجال.

يعكس الفيلم الفرضية الأساسية التي تقوم عليها الحكايات الخيالية، حيث تعيش البطلة (أو البطل) في عالم الواقع، الذي يختل بشكل ما، فتذهب البطلة إلى عالم الخيال.

هنا يحدث الخلل في العالم الخيالي المثالي، حيث تنتاب "باربي" نوبات أزمة "وجودية" تتساءل فيها عن معنى الحياة وتفكر في الموت، وتكتشف أن جسدها لم يعد كاملاً كما كان.

ورغم أن الفيلم، مثل شركة "ماتل" يقدم لنا عشرات من الأعراق والألوان والأشكال المختلفة من "باربي" وصديقها "كين"، إلا أن البطلين الرئيسيين (مارجو روبي ورايان جوسلينج)  ينتميان للنموذج الأول، فهما شقراوان، أوربيا الملامح بوضوح. 

تذهب باربي لسؤال "باربي غريبة الأطوار" (تشبه الساحرة أو العرافة في الحكايات الخيالية) عن سبب ما يحدث لها، فتخبرها أن الفتاة التي تمتلكها  في العالم الواقعي تشعر بالاكتئاب وأن عليها أن تذهب لمساعدتها.

ترفض "باربي" المخاطرة، ولكنها تُجبر عليها في النهاية وتتجه للعالم الواقعي مع صديقها "كين"، وبمجرد وصولها لعالم الواقع تبدأ في اكتشاف الاختلافات الهائلة.

يتضح أن الأم، أميركا فيرارا، الموظفة بشركة "ماتيل" صانعة دمى "باربي"، هي التي تعشق "باربي" وتلعب بدمى ابنتها القديمة، التي لم تعد تحب "باربي"، أو كما تخبرها: "أنتي تجعلين الفتيات يشعرن بأنهن سيئات لأنهن لسن مثلك".

تكتشف "باربي" أن النساء هنا (في عالم الواقع) يعانين وأن بينهن مسنات وأمهات وعاطلات أو عاملات في مهن متواضعة، وتبدأ في الفهم والتعاطف، بينما صديقها "كين" يكتشف مزايا البطريركية ويعود إلى "باربي لاند" ليروج لأفكارها وأسلوب حياتها.

يحاول المسئولون في "ماتل" إعادة "باربي" إلى صندوق اللعب الخاص بها، لكنها تتمرد وتهرب وتساعدها الأم وابنتها اللتان تعودان معها إلى "باربي لاند"، لتبدأ رحلة عكسية هنا تتمثل في إعادة التوازن إلى عالم الخيال، ليصبح أكثر واقعية وشبها بالحياة الحقيقية.

ولست متأكداً ما إذا كانت هذه الرسالة التي يروج لها الفيلم إيجابية أم سلبية، فمن الطبيعي أن تُربى الفتيات (والأولاد) على الطموح والاعتقاد بأنهم كاملين وأن بإمكانهم تحقيق أي حلم يريدون الوصول إليه.

وربما فقط لم يوفق الفيلم في توصيل الرسالة المطلوبة، وهي ضرورة تحسين الواقع ليصبح أكثر شبهاً بالخيال.

بشكل عام هناك شعوران متناقضان يتناوبان على فيلم Barbie، الأول هو إرضاء الفتيات المهوسات بدميتهن المحبوبة، واستغلال هذا الهوس لتحقيق الإيرادات، والثاني هو توجيه نقد لاذع لبيزنس الهوس بـ"باربي"، والرغبة في دفع الفتيات ليصبحن "أكثر واقعية"!

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات