
تتجه أنظار السودانيين إلى جوبا، التي تشهد السبت، توقيع اتفاق السلام النهائي بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، بمشاركة إفريقية وعربية.
ويمهد الاتفاق الطريق لتقاسم السلطة والثروة بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، التي تضم مجموعة من الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية، كما ينص على تخصيص 7 مليارات دولار، لإعادة إعمار المناطق المتأثرة بالنزاعات.
ومن أبرز الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام: حركة جيش تحرير السودان بقيادة أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار.
أبرز الحاضرين
ووقعت الحكومة اتفاقاً بالأحرف الأولى مع الجبهة الثورية في نهاية أغسطس الماضي، تمهيداً للتوقيع على الاتفاق النهائي الذي سيشهد حضور الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، والرئيس التشادي إدريس ديبي، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بالإضافة إلى وزير الدولة السعودي للشؤون الإفريقية أحمد بن عبد العزيز قطان، وممثلين عن الجامعة العربية، ودولة الإمارات، وعدد من البلدان الأوروبية.
وتوافد إلى جوبا عدد كبير من مسؤولي الحكومة السودانية، على رأسهم نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، وعدد من أعضاء الحكومة، وممثلي قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم في السودان).
رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قال في تصريحات صحافية، بعد وصوله إلى جوبا، إن "عملية بناء السلام تواجهها تحديات ومطبات مختلفة، نستطيع تجاوزها بتضافر الجهود والعمل المشترك"، مضيفاً أن"توقيع اتفاق السلام، يمثل حشداً وتظاهرة إقليمية ودولية، تؤسس لفرح كبير يعم البلدين (السودان وجنوب السودان)".
مسار الاتفاق
وانطلقت المفاوضات بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في أكتوبر الماضي برعاية دولة جنوب السودان، لتناقش قضايا أقاليم الحروب في السودان ممثلة في منطقة دارفور (غرب السودان)، والنيل الأزرق وجنوب كردفان (جنوب السودان).
وضمت المفاوضات أيضاً ممثلين لمناطق شرق، وشمال، ووسط السودان لمناقشة عدد من القضايا المطلبية لتلك الأقاليم، وبعض القضايا القومية الخاصة بمستقبل السودان بعد الثورة.
ويتضمن الاتفاق النهائي الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية 8 بروتوكولات، تشمل: تقاسم السلطة، وتقاسم الثروة، والترتيبات الأمنية، وتنمية قطاع الرُّحل، والعدالة والمصالحة، الأراضي و"الحواكير"، والنازحين واللاجئين، بالإضافة إلى التعويضات وجبر الضرر.
بنود الاتفاق
وينص الاتفاق على إعطاء الحركات الموقعة 3 مقاعد في المجلس السيادي، و75 مقعداً في المجلس التشريعي، بالإضافة إلى 5 مقاعد في مجلس الوزراء.
وسيضمن الاتفاق لسكان إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، الحصول على نسبة 40% من الثروات المنتجة في الإقليم، مقابل 60% للحكومة المركزية لمدة 10 سنوات.
كما ينص الاتفاق على منح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، الحكم الذاتي، ويكفل لهما "حق التشريع" وفقاً لدستور 1973 الذي يكفل الحريات الدينية لكل الأديان في السودان.
وقدم الاتفاق تصوراً متكاملاً لملف الترتيبات الأمنية يشمل دمج مقاتلي الحركات المسلحة في الجيش السوداني، وستجري العملية على 3 مراحل تكتمل بنهاية الفترة الانتقالية البالغة 39 شهراً.
مراسيم ومفوضيات
وبموجب الاتفاق، ستصدر مجموعة من المراسيم والقرارات لتفعيل بنود الاتفاق في مجالات عدة، سياسية واقتصادية وإدارية.
وأفاد القيادي في الجبهة الثورية ياسر عرمان في تصريحات لـ"قناة سودانية 24"، أن هناك لجنة مشتركة تعمل على الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية في السودان، واتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية.
وأضاف عرمان أن"المواءمة بين الوثيقة الدستورية واتفاق السلام، ستسمح بإصدار المراسيم المختلفة لتفعيل بنود اتفاق السلام خلال الأشهر المقبلة".
ومن بين المراسيم المنتظرة، مرسوم إنشاء نظام الحكم الإقليم الفيدرالي في السودان، في مدة لا تتجاوز شهرين. إذ يُطبّق في السودان حالياً نظام الحكم الولائي الذي يضم 18 ولاية، تختار الحكومة المركزية في الخرطوم الحاكم لكل منها.
كما ينص الاتفاق على إنشاء مجموعة من المفوضيات، لمعالجة آثار الحرب من بينها، مفوضية إعادة الإعمار، ومفوضية النازحين واللاجئين، ومفوضية تنمية قطاع "الرُّحل والرعاة".
وألزم الاتفاق الحكومة السودانية و"الشركاء الدوليين"، بدفع تعويضات "عادلة" للمتضررين، جراء الحرب، كما تتكفل الحكومة بإزالة الألغام من جميع مناطق الإقليم.
جرائم الحرب
ويضم الاتفاق بنداً يتعلق بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر قبض، وتيسير مثول المطلوبين أمامها. وتعهد الطرفان بـ"العزل الفوري" لجميع الخاضعين لمذكرات توقيف صادرة عن الجنائية الدولية أو الخاضعين للمحاكمة أمامها أو أدينوا من طرفها.
وبحسب الاتفاق، فإن الحكومة ملتزمة بمنح جميع أعضاء الحركات المسلحة، الذين تم اتهامهم بـ"المشاركة في أعمال عدائية ضد الدولة" عفواً عاماً، ولا يسري ذلك العفو على المدانين في جرائم الإبادة الجماعية والعنف الجنسي.
وخلف النزاع العسكري في إقليم دارفور الذي اندلع في عام 2003 نحو 300 ألف قتيل، و2.5 مليون نازح ولاجئ، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
حركات خارج إطار الاتفاق
ولا تزال هناك حركات مسلحة أخرى، لم توقع على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية، من بينها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
وتنخرط الحكومة السودانية في مفاوضات مع الحركة الشعبية منذ أكتوبر الماضي، وتوصلت إلى اتفاق مبدئي معها، بخصوص تطبيق "علمانية الدولة" في مطلع سبتمبر الماضي.
كما شهدت الفترة الأخيرة مناوشات بين حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والجيش السوداني في منطقة جبل مرة الاستراتيجية في دارفور.
ويُصر محمد نور على رفض الانخراط في مفاوضات السلام في جوبا، مطالباً بعقد مؤتمر جامع لمناقشة قضايا السلام في الخرطوم، لمناقشة جذور الأزمة السودانية.