شركات التجارة الإلكترونية تقود "ثورة زراعية ذكية" في الصين

time reading iconدقائق القراءة - 9
عامل يستخدم البيانات في مزرعة بمقاطعة فوجيان الصينية - 18 نوفمبر 2020 - Bloomberg
عامل يستخدم البيانات في مزرعة بمقاطعة فوجيان الصينية - 18 نوفمبر 2020 - Bloomberg
بكين-بلومبرغ

أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن "معركة" تأمين الفواكه والخضراوات الطازجة لـ 1.4 مليار شخص، دفعت شركات التجارة الإلكترونية في الصين إلى التطلّع للمناطق النائية بالبلاد، حيث تحاول إحداث ثورة في ممارسات زراعية تعود إلى قرون، من أجل تأمين إمدادات مستقبلية لنشاطات البقالة المزدهرة عبر الإنترنت.

وقالت الوكالة الأميركية إن حكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ، لطالما جعلت الاكتفاء الذاتي في الغذاء "مسألة دولة"، إذ تسعى إلى تجنّب أزمة غذاء تلوح في الأفق.

وباتت الحاجة إلى تحديث 200 مليون مزرعة صغيرة في الصين، أكثر إلحاحاً خلال تفشي فيروس كورونا المستجد، إذ تزامنت اضطرابات الإنتاج والخدمات اللوجستية مع تحوّل المتسوقين من منازلهم، إلى مجموعة "علي بابا" وتجار التجزئة الآخرين عبر الإنترنت، لشراء منتجاتهم.

وانضمت بعض من أبرز الشركات الخاصة في البلاد إلى جهود تبذلها الدولة لمساعدة المزارعين على زيادة الإنتاج، وتحسين جودة الغذاء وخفض الأسعار.

ويرى عمالقة التجارة الإلكترونية في ذلك طريقة لتعزيز حضورهم في سوق البقالة عبر الإنترنت، والتي يُتوقع أن تبلغ قيمتها أكثر من 120 مليار دولار بحلول عام 2023، من دون أن تتعارض مع حملة تشنّها بكين على ممارسات احتكارية، مثل التسعير الجائر واتفاقات حصرية قسرية.

أساور ذكية وذكاء اصطناعي

في فوجيان على الساحل الشرقي للصين، زوّدت "علي بابا" مزارعي دجاج بأساور ذكية تتعقّب صحة دواجنهم، فيما وجّهت شركة JD.com Inc مزارعي الأرز في الشمال القاحل للصين، لتركيب أجهزة استشعار ذكية تتيح متابعة الري في الوقت الفعلي.

وفي غرب البلاد، يتعاون علماء في يونان مع Pinduoduo Inc، وهي أبرز منصة تقنية تركّز على الزراعة في الصين، لاستخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة زراعة الفراولة.

وقالت ليو يو، وهي محللة في شركة EqualOcean لأبحاث السوق: "الزراعة مجال حرج تدعمه الحكومة الصينية".

وأضافت أن عمالقة التكنولوجيا في البلاد حريصون على مساعدة السلطات، مع انتقال شباب الريف إلى المدن، بحثاً عن وظائف أفضل، وتعرّض سلامة الغذاء لتهديد متزايد من مبيدات الحشرات، إضافة إلى أساليب زراعية قديمة.

وتشكّل الطفرة في متاجر البقالة عبر الإنترنت، القوة الدافعة التي تقود منصات التجارة الإلكترونية إلى الزراعة الذكية، علماً أن ثمة توقعات بأن تتضاعف تلك الطفرة إلى نحو 820 مليار يوان (127 مليار دولار) بحلول عام 2023، عن العام الماضي.

"سوق ضخمة غير مُستغلّة"

وتسعى شركات، بعضها مدعوم من مؤسسة "تنسنت"، إلى جمع مليارات الدولارات لنيل حصص أكبر في سوق توزيع الأطعمة الطازجة عبر الإنترنت.

ودفع ذلك وسائل إعلام رسمية إلى التحذير من اكتظاظ في القطاع، معتبرة أن على عمالقة الإنترنت أن يفعلوا المزيد في الابتكار التكنولوجي، علماً أن لديهم بيانات هائلة وخوارزميات متقدّمة.

وقال فيه سيرن لينغ، وهو محلل في "بلومبرغ إنتليجنس": "ساهم كوفيد-19 في تسريع تحويل هذه المشتريات إلى قنوات على الإنترنت. إنها سوق ضخمة غير مُستغلّة، وعلى الشركات المشاركة فيها، أو التخلّف عن الركب".

وفي وقت يشنّ القادة الصينيون حملة على الاحتكارات، في مجالات تتراوح بين التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية، تُعدّ الزراعة الذكية أحد المجالات التي تتماشى فيها المصالح التجارية لعمالقة التكنولوجيا مع برنامج السلطات.

ودعا مجلس الدولة، في إرشادات صدرت الأحد، إلى زيادة الاستثمار الخاص لتطوير تقنيات الزراعة الحديثة، وتمكين القرى باستخدام تقنيات متقدّمة.

كذلك أُدرجت علوم تربية المواشي والزراعة، بصفتها واحدة من أهم أولويات التكنولوجيا في بكين للسنوات الخمس المقبلة، إلى جانب الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية ورقائق الكمبيوتر.

وأعلنت شركة JD.com Inc، وهي أكبر بائع تجزئة عبر الإنترنت في الصين، أن دعماً حكومياً يموّل مشاريعها الزراعية الذكية بنسبة 50% على الأقلّ.

تعقّب رقمي للدجاج

ورغم الجهود المبذولة، تكافح غالبية المزارع الصينية لمواكبة شهية متزايدة للفواكه والخضراوات الطازجة، علماً أن تلك المزارع، وتُعدّ 200 مليون، تضمّ عمالاً كثيرين، كما أن نحو 98% منها مملوكة لعائلات أو لشركات صغيرة.

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن قيوداً تفرضها الدولة على ملكية الأراضي، تصعّب تنفيذ مشاريع زراعية على نطاق صناعي، كما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا.

وتظهر أرقام أعدّها "المكتب الوطني للإحصاء"، أن أعمار حوالي ثلث عمال المزارع تبلغ 55 سنة أو أكثر، كما أن معدل المواليد في أدنى مستوياته، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف العمالة.

استفاد المزارع لي جينرونغ من شراكة مع بائعي التجزئة عبر الإنترنت، وزوّد ألفاً من دجاجه بأساور مشابهة لساعة "أبل"، قدّمتها "علي بابا".

وقال إن الأجهزة تتعقّب رقمياً عدد خطوات الدجاج يومياً، مضيفاً أن تسجيل معدل أقلّ من 20 ألفاً سيكون علامة مبكرة على المرض.

وتابع أنه لم يعد يحتاج القيام بدوريات في حقوله، بحثاً عن دواجن مريضة. ويعني ذلك أن لي جينرونغ قادر على توسيع الإنتاج من دون توظيف مزيد من العمال، وهذا خبر سار، إذ أن متوسّط ​​الرواتب في قريته زاد 4 مرات تقريباً خلال العقد الماضي.

تمويل ابتكارات زراعية

وفي مقاطعة شاندونغ، زاد مزارعو الخوخ عائداتهم بنسبة 50% العام الماضي، بعد استخدام تقنية خاصة بشركة JD.com Inc لتشفير كل خطوة في عملية الزراعة، وزيادة الثقة والشفافية، مجتذبين مستهلكين سئموا من فضائح الطعام، من الحليب الملوّث إلى البيض المقلّد، وفق "بلومبرغ".

وقال تشارلي تشين، مسؤول قسم أبحاث المستهلك في مؤسسة China Renaissance بهونغ كونغ: "الكفاءة المحسّنة ووفورات الحجم ستخفض التكاليف، فيما ستؤدي المنتجات عالية الجودة إلى أسعار أفضل". واعتبر أن ذلك سيفيد المزارعين والعاملين في التجارة الإلكترونية.

وتعتمد Pinduoduo، التي جمعت 6.1 مليار دولار في نوفمبر الماضي، جزئياً لتمويل ابتكاراتها الزراعية، على هذه الجهود لمساعدتها في زيادة مبيعات المنتجات الزراعية 4 مرات، لتبلغ تريليون يوان بحلول عام 2025.

وتتوقع الشركة أن تساعدها هذه المبادرات، في التنويع بما يتجاوز البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، إذ تستهدف نيل ترخيص لأحدث التقنيات الزراعية في المستقبل.

ولا يزال الكثير من هذه المبادرات في مهده، وسيستغرق توسيع نطاقه وقتاً، إذ بدأ المزارعون أخيراً في جمع البيانات، بما في ذلك تشغيل الذكاء الاصطناعي، واختبار أدوات جديدة للنموّ.

لكن الدوافع المزدوجة، للطلب المتزايد على المنتجات عبر الإنترنت، ومساعي بكين للاكتفاء الذاتي في الإمدادات الغذائية، تعني أن دور عمالقة التكنولوجيا في تحديث المزارع الصينية بدأ لتوّه. وقال المزارع لي جينرونغ: "الزراعة الذكية هي الطريق للمضيّ قدماً. علينا جميعاً أن نبتكر".

اقرأ أيضاً: