ماذا تعني مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضد بوتين؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة مركز تدريب بالمنطقة العسكرية الغربية في ريازان. 20 أكتوبر 2022 - REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة مركز تدريب بالمنطقة العسكرية الغربية في ريازان. 20 أكتوبر 2022 - REUTERS
دبي-الشرق

أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثالث قائد دولة في المنصب تصدر في حقه مذكرة توقيف من جانب المحكمة الجنائية الدولية. فما الذي تعنيه المذكرة؟ وما تداعياتها المحتملة على المدى البعيد؟

جاءت مذكرة التوقيف بناء على اتهام الرئيس الروسي بارتكاب "جريمة حرب" على خلفية "ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني" من أراضي أوكرانيا إلى روسيا.

وبينما قللت روسيا من أهمية القرار، إذ اعتبرت الخارجية الروسية أنه "عديم الأهمية" نظراً  لأن روسيا ليست طرفاً بنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يحذر خبراء من أن المذكرة قد تكون لها تداعيات على بوتين وعلى الحرب في أوكرانيا على المدى البعيد.

وقال متحدث المحكمة الجنائية الدولية لـ"الشرق"، الجمعة، إن روسيا والدول غير الموقعة على اتفاقية "نظام روما" المؤسسة للمحكمة "غير ملزمة قانوناً" بالتعاون مع المحكمة التي أصدرت قراراً مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

وأوضح المتحدث أن مذكرة التوقيف، بتهمة ارتكاب "جريمة حرب" على خلفية "ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني"، لا تزال بـ"المرحلة التمهيدية وليست حكماً".

وذكر المتحدث باسم الجنائية الدولية فادي العبد الله لـ"الشرق"، أن قرار المحكمة "جاء بناء على طلب من 43 دولة موقعة على نظام روما الأساسي، إضافة إلى إعلان سابق من أوكرانيا بقبول اختصاص المحكمة في حال حصول جرائم من قبل مواطنها أو على أراضيها".

"دلائل على جرائم حرب"

بحسب نظام روما الأساسي، الذي تأسست بموجبه المحكمة عام 2002، تصدر الدائرة التمهيدية في المحكمة أمراً بالقبض على الشخص وفق شروط، أبرزها الاقتناع أي "وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة".

وبدأ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بعد أيام فقط من بدء الغزو الروسي، تحقيقاً في احتمال وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا.

وقال أستاذ القانون الدولي  أحمد أبو الوفا لـ"الشرق"، إن المذكرة تعني أولاً أن المحكمة تتوفر على "دلائل معقولة" بشأن تهمة جريمة الحرب الموجهة إلى بوتين، وهو ما قد يُضعف موقف بوتين على الساحة الدولية بشأن الحرب في أوكرانيا.

ونفت روسيا وما زالت تنفي مزاعم بارتكابها جرائم حرب في حملتها، التي وصفتها بأنها "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا.

غير أن المذكرة لا تشكل إدانة للرئيس بوتين. وبحسب نظام روسيا الأسياسي، فإنه من أجل إصدار حكم بالإدانة، يتعين على المدعي العام إثبات التهمة على المتهم بما لا يدع مجالاً للشك.

وقال المتحدث باسم الجنائية الدولية فادي العبد الله لـ"الشرق" إن المذكرة "ليست حكماً يبت في القضية، وهي مرحلة تشير إلى أن هناك ضرورة للقبض على الشخص المشتبه به، من أجل أن تكون هناك إمكانية للدفاع والنظر في القضية وهل ستحال للمحاكمة".

"قيود على السفر"

وليس لدى المحكمة قوة شرطة خاصة بها، ما يعني أنها تعتمد على الدول الأعضاء، والتي يبلغ عددها 123 دولة،  في تنفيذ أمر الاعتقال.

وتلزم المادة 89 من قانون روما الأساسي الدول الأعضاء بـ "الامتثال لطلبات إلقاء القبض والتقديم للمحاكمة"، التي تصدرها المحكمة ضد أي شخص "قد يكون موجوداً في إقليمها".

وفي حال رفضت إحدى الدول تنفيذ مذكرة الاعتقال، يكون يإمكان الجمعية العامة للمحكمة اتخاذ إجراءات ضدها.

في المقابل، يحق للدول غير الموقعة على قانون روما الأساسي أن تتعاون طوعاً واختياراً أو أن ترفض التعاون مع المحكمة في تنفيذ مذكرات الاعتقال.

وقال ستيفن راب، سفير الولايات المتحدة المتنقل لقضايا جرائم الحرب في عهد الرئيس السابق باراك أوباما: "هذا يجعل بوتين منبوذاً".

وأضاف المسؤول السابق في تصريح لـ"رويتزر" أنه "إذا سافر (بوتين) إلى الخارج، فإنه يغامر بالاعتقال. وهذا لا ينتهي أبداً. فلا تستطيع روسيا تخفيف العقوبات دون الامتثال للمذكرات".

"استبعاد التطبيق"

ولم تنجح المحكمة في اعتقال أي رئيس دولة في السابق خلال توليه منصبه. وبوتين هو ثالث رئيس في المنصب تستهدفه المحكمة الجنائية الدولية بمذكرة اعتقال بعد الرئيس السوداني عمر البشير والليبي معمر القذافي. 

وقال أحمد أبو الوفا لـ"الشرق": "نظرياً يمكن توقيف بوتين خلال زيارته إلى الدول الملزمة بالتعاون مع المحكمة، غير أنه شدد على أن "تطبيق ذلك في الواقع يبقى أمراً مستبعداً". وأضاف أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير أثبت أن تطبيق الاعتقال أمر معقد.

وكانت جنوب إفريقيا رفضت عام 2015 إلقاء القبض على الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير  خلال زيارته جوهانسبرج، رغم صدور أمر من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه وكون جنوب إفريقيا عضواً في المحكمة.

وبررت بريتوريا رفض تنفيذ مذكرة اعتقال البشير نظراً لأن "أمر الاعتقال باطل" بموجب قانون معمول به في جنوب أفريقيا يمنح الحصانة من المحاكمة لزعماء الدول، وهو ما يتفق مع القانون الدولي. 

غير أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص على أنه لا حصانة لزعماء الدول خلال وجودهم في الحكم في القضايا المتصلة بجرائم حرب.

وفشلت المحكمة في اتخاذ قرارات ضد جنوب إفريقيا على خلفية ذلك، بعد تهديد بريتوريا بإعادة النظر في عضوتها.

هل هناك خيارات أخرى؟ 

لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية محاكمة المشتبه بهم غيابياً، لكن خان أوضح أن المحكمة لديها وسائل أخرى للمضي قدماً ببعض القضايا.

وذكر قضية حديثة طلب فيها من القضاة عقد جلسة استماع لتأكيد التهم الموجهة إلى جوزيف كوني، زعيم "جيش الرب للمقاومة" والذي شن تمرداً دامياً في أوغندا، رغم أنه ما زال طليقاً.

وأضاف خان أن "هذه العملية قد تكون متاحة لأي حالة أخرى، بما فيها الحالة الراهنة" المتعلقة بالرئيس الروسي.

"تداعيات على المدى البعيد"

واعتبر الباحث في العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن عاطف عبد الجواد أنه حتى ولو استغرق تنفيذ أمر الاعتقال "سنوات طويلة"، إلا أنه سيؤثر على موقف بوتين على المدى الطويل وسيجعله أكثر ضعفاً".

وأشار في حديثه لـ"الشرق" إلى إمكانية اعتقال بوتين في حال صعود قيادة سياسية جديدة في روسيا، قائلاً: "هنا نتذكر ما  حديث للرئيس السوداني عمر البشير. فهو لم يتم القبض عليه بينما كان رئيساً للبلاد، لكنه انتهى سياسياً بعد ذلك. ثم بدأت القيادة الجديدة فيما بعد خطوات لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية".

كذلك أشار إلى إمكانية تأثير القرار على مساعي روسيا لفك العزلة الدولية عنها، قائلاً إن "مذكرة التوقيف قد تؤثر سلباً على هذه المساعي" خصوصاً أنها جاءت بناء على "دلائل" بارتكاب جرائم حرب.

غير أن الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية إدموند غريب قلل من أهمية القرار وتداعياته على بوتين على المدى البعيد.

وقال غريب لـ"الشرق" إن القرار "يدخل ضمن حرب سياسية وإعلامية" تقودها الدول الغربية ضد روسيا. وأشار إلى أن "الولايات المتحدة من بين الدول التي لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، وعارضتها في 2002 حتى قبل غزوها للعراق. بينما نجد أنها تحتفي الآن بالقرار".

وتابع: "هناك أسئلة تتعلق بالدور الذي تلعبه المحكمة ومسؤوليتها وبنزاهتها".

"إطالة أمد الصراع"

وبشأن تداعيات الخطوة على الصراع في أوكرانيا، قال المحلل العسكري شون بيل إن مذكرة الاعتقال ستعقد جهود الوصول إلى حل سياسي.

واعتبر أن مذكرة الاعتقال تهدد بعرقلة أي مخرج سلمي يمكن أن يستخدمه بوتين لإنهاء الحرب. وقال إنه من "الصعب أن نرى كيف سيأتي بوتين إلى طاولة المفاوضات إذا كان سيواجه خطر الاعتقال والمحاكمة في تلك الدولة".

وقال إن "أي شيء يزيد من عزلة موقف بوتين ينطوي على مخاطر - فهو يخاطر بمضاعفته وتركيز تصميمه على مواصلة هذا الصراع"، مشدداً على أن الخطوة لا تبدو أنها ستساعد في إنهاء الحرب في أي وقت قريب."

اقرأ أيضاً:

تصنيفات