
مع ظهور مؤشرات على "تلاشي الأمل في تحقيق السلام"، ودخول الحرب في أفغانستان مرحلة "أكثر فتكاً وتدميراً"، بالإضافة إلى سقوط أولى عواصم الولايات في يد طالبان، طالبت الولايات المتحدة مواطنيها بالخروج من البلد "فوراً".
وأشارت السفارة في بيان إلى أنه في ضوء الأوضاع الأمنية، فإن قدرة السفارة الأميركية على مساعدة المواطنين الأميركيين في البلد "محدودة للغاية حتى في العاصمة كابول".
وأضافت السفارة إلى أنها ستقدم قروضاً للمواطنين الأميركيين الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف شراء تذكرة تجارية إلى الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن إرشادات السفر إلى هذا البلد تظل عند المستوى الرابع، الذي يعني عدم السفر بسبب مخاوف من "الجريمة والإرهاب، وعدم الاستقرار، والنزاع المسلح، وفيروس كورونا".
تحذير بريطاني
ويأتي تحذير الولايات المتحدة بعد ساعات من تحذير مشابه أصدرته بريطانيا لرعاياها، ناصحةً بـ"عدم السفر إلى هناك مهما كان السبب".
وعمدت وزارة الخارجية البريطانية، الجمعة، إلى تحديث المعلومات المتعلقة بأفغانستان على موقعها، لتنصح بعدم السفر إلى هناك مهما كان السبب. كما ناشدت الرعايا البريطانيين في أفغانستان ضرورة المغادرة، قائلة: "إذا كنتم لا تزالون في أفغانستان ننصحكم بالمغادرة الآن بالوسائل التجارية بسبب تدهور الوضع الأمني".
وحذرت الوزارة من الاعتماد عليها في حالات الإجلاء الطارئ، مشيرة إلى أن المساعدة التي يمكن أن تقدمها "محدودة للغاية".
وقالت الخارجية البريطانية: "من المرجح جداً أن يحاول الإرهابيون تنفيذ هجمات في أفغانستان، باستخدام أساليب خاصة مطورة ومعقدة للهجوم".
وتأتي المطالبة البريطانية بعد اشتداد حدة القتال منذ مايو، عندما بدأت القوات الأميركية والدولية آخر مراحل انسحابها المقرر استكماله في وقت لاحق هذا الشهر.
سقوط أولى عواصم الأقاليم
وفي إشارة إلى اشتداد القتال، أفاد مسؤول حكومي أفغاني رفيع، الجمعة، بأن طالبان استولت على أول عاصمة ولاية أفغانية.
وقالت نائبة حاكم ولاية نيمروز، روح جل خيرزاد، لوكالة "فرانس برس": "يمكنني التأكيد أن مدينة زرنج، عاصمة ولاية نيمروز، سقطت في أيدي طالبان".
وتحاصر قوات طالبان العديد من الأقاليم وسيطرت على مساحات واسعة من الأراضي الأفغانية، إضافة إلى مراكز حدودية رئيسية، بعد هجوم مفاجئ تزامناً مع انسحاب القوات الدولية. ولكنها حتى الجمعة، لم تعمد إلى مهاجمة عواصم الأقاليم بهدف إسقاطها.
مرحلة جديدة
هذا التغيّر في أرض المعركة، ترافق مع تحذير أممي من أن البلاد دخلت مرحلة "أكثر فتكاً وتدميراً". وقالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان، ديبورا لايونز، إن "حملة طالبان في يونيو ويوليو للسيطرة على مناطق ريفية حققت لهم مكاسب كبيرة في الميدان، وبعد أن أصبح موقفهم أقوى بدأوا بالهجوم على مدن كبرى. فخضعت عواصم ولايات قندهار وهِرات ولشكرغاه، لضغوط كبيرة جداً، وتشير هذه المحاولات إلى سعي طالبان للسيطرة على المراكز الحضرية بقوة السلاح".
وطالبت لايونز خلال اجتماع لمجلس الأمن الجمعة، بوقف فوري للقتال، والعودة إلى المفاوضات، مشيرة إلى أن "أفغانستان اليوم عند مفترق طرق خطير. إما أن تمضي البلاد نحو مفاوضات جادة للسلام أو أن تنزلق في دوامة أزمات متشابكة ومأساوية، من نزاع عنيف يتفاقم إلى أزمة إنسانية خطيرة وانتهاكات متزايدة لحقوق الإنسان".
آمال السلام تتلاشى
وفي السياق التحذيري ذاته، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن تأكيدهم أن فرص التوصل لاتفاق للسلام في أفغانستان "تتلاشى"، على الرغم من استمرار اللقاءات التفاوضية بين قادة طالبان وممثلي الحكومة الأفغانية.
وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من التقدم العسكري لحركة طالبان يعلق مسؤولو إدارة بايدن آمالهم على التوصل إلى اتفاق سلام من شأنه أن يوقف العنف المستمر في البلاد، من خلال اتفاق لـ"تقاسم السلطة".
وكان مسؤولو إدارة بايدن أكدوا في تصريحاتهم المعلنة، في أوقات سابقة، أن عملية السلام يمكن أن تنجح، رغم الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والانتقادات التي طالت محادثات السلام باعتبارها عبثية والمطالب بإلغائها.
لكن الآن، بات أكثر المسؤولين الأميركيين تفاؤلاً بعملية السلام، "يتراجعون بشكل متزايد علناً عما قالوه سابقاً"، مشيرين إلى أن "احتمالات التوصل إلى نتيجة تفاوضية، والتي يمكن أن تنقذ جزئياً المشروع الأميركي لمدة 20 عاماً في أفغانستان، تتلاشى بسرعة"، بحسب الصحيفة.
وكشفت "نيويورك تايمز" أن المبعوث الخاص للرئيس بايدن في أفغانستان، زلماي خليل زاد، قدم تقييماً متشائماً لما سماه "الوضع الصعب" في البلاد، والفجوات الواسعة بين مفاوضي طالبان ونظرائهم من الحكومة الأفغانية.
وقال خليل زاد، خلال ظهوره في منتدى "أسبن" الأمني، الثلاثاء الماضي، إن "الطرفين متباعدان". وبشكل سري يشعر المسؤولون الأميركيون بمزيد من التشاؤم.
وقالت وزارة الخارجية في بيان، الخميس، إن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تحدث إلى المسؤول الحكومي الأفغاني الثاني، عبد الله عبد الله، و"ناقشا معاً سبل تسريع مفاوضات السلام وتحقيق تسوية سياسية"، حسبما أوردت "نيويورك تايمز".
وكان ذلك آخر تعبير علني عن الدعم من قبل إدارة الرئيس بايدن للمحادثات المعروفة بـ"الحوار الأفغاني الداخلي"، التي بدأت في سبتمبر الماضي كجزء من اتفاق بين إدارة ترمب وطالبان، ما مهد الطرق أمام انسحاب القوات الأميركية.