مسؤولون أميركيون: آمال التوصل لاتفاق سلام في أفغانستان تتلاشى

time reading iconدقائق القراءة - 11
قوات الحكومة الأفغانية تستعد لاستعادة بعض المناطق التي سيطرت عليها حركة طالبان على الحدود مع باكستان - 23 يوليو 2021 - Getty Images
قوات الحكومة الأفغانية تستعد لاستعادة بعض المناطق التي سيطرت عليها حركة طالبان على الحدود مع باكستان - 23 يوليو 2021 - Getty Images
دبي -الشرق

نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن تأكيدهم أن فرص التوصل لاتفاق للسلام في أفغانستان "تتلاشى"، على الرغم من استمرار اللقاءات التفاوضية بين قادة طالبان وممثلي الحكومة الأفغانية، في ظل التقدم العسكري لحركة طالبان في جميع أنحاء أفغانستان، بالتزامن مع الانسحاب الأميركي من البلاد. 

وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من التقدم العسكري لحركة طالبان يعلق مسؤولو إدارة بايدن آمالهم على التوصل إلى اتفاق سلام من شأنه أن يوقف العنف المستمر في البلاد، من خلال اتفاق لـ"تقاسم السلطة".

وكان مسؤولو إدارة بايدن أكدوا في تصريحاتهم المعلنة، في أوقات سابقة، أن عملية السلام يمكن أن تنجح، رغم الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والانتقادات التي طالت محادثات السلام باعتبارها عبثية والمطالب بإلغائها. 

لكن الآن، بات أكثر المسؤولين الأميركيين تفاؤلاً بعملية السلام، "يتراجعون بشكل متزايد علناً عما قالوه سابقاً"، مشيرين إلى أن "احتمالات التوصل إلى نتيجة تفاوضية، والتي يمكن أن تنقذ جزئياً المشروع الأميركي لمدة 20 عاماً في أفغانستان، تتلاشى بسرعة"، بحسب الصحيفة.

وكشفت "نيويورك تايمز" أن المبعوث الخاص للرئيس بايدن في أفغانستان، زلماي خليل زاد، قدم تقييماً متشائماً لما سماه "الوضع الصعب" في البلاد، والفجوات الواسعة بين مفاوضي طالبان ونظرائهم من الحكومة الأفغانية. 

وقال خليل زاد، خلال ظهوره في منتدى "أسبن" الأمني، الثلاثاء الماضي، إن "الطرفين متباعدين". وبشكل سري يشعر المسؤولون الأميركيون بمزيد من التشاؤم.

وقالت وزارة الخارجية في بيان، الخميس، إن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تحدث إلى المسؤول الحكومي الأفغاني الثاني، عبد الله عبد الله، و"ناقشا معاً سبل تسريع مفاوضات السلام وتحقيق تسوية سياسية"، حسبما أوردت "نيويورك تايمز".

وكان ذلك آخر تعبير علني عن الدعم من قبل إدارة الرئيس بايدن للمحادثات المعروفة بـ"الحوار الأفغاني الداخلي"، التي بدأت في سبتمبر الماضي كجزء من اتفاق بين إدارة ترمب وطالبان، ما مهد الطرق أمام انسحاب القوات الأميركية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن اللقاءات بين قادة طالبان ومسؤولي الحكومة الأفغانية لا تزال مستمرة في العاصمة القطرية، الدوحة، بشكل متقطع، بما في ذلك الجلسة التي عقدت في منتصف يوليو. 

ويمنح احتمال التوصل إلى اتفاق للسلام، مسؤولي إدارة بايدن، بعض الأمل، وسط اتهامات بأن انسحاب القوات الأميركية ترك حلفاء الولايات المتحدة الأفغان "نهباً للغزو الطالباني والحكم الثيوقراطي القاسي".

لكن مسؤولي إدارة بايدن كافحوا في الأسابيع الأخيرة لتبديد المخاوف من أن طالبان استغلت محادثات السلام بشكل سافر من أجل كسب الوقت وتوفير غطاء سياسي للخروج الأميركي. 

ونقلت "نيويورك تايمز" عن نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، قوله للصحافيين، الأربعاء، إنه "يجب على طالبان وقف هذا العنف المستمر"، مؤكداً أن طالبان لديها "مصلحة أصيلة في تجنب اندلاع حرب أهلية لا نهاية لها"، والتي يُرجَّح أن تستمر في غياب اتفاق لتقاسم السلطة.

لكن برايس أقر بأن عنف طالبان المتصاعد، بما في ذلك التفجير الأخير في كابول خارج منزل القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني، "زعزع الثقة بمثل هذه الافتراضات".

وقال برايس إن "قادة طالبان يواصلون قول شيء واحد، وهو أنهم يدعمون الحل التفاوضي للصراع"، لكنه أردف أن "هذه الكلمات تبدو جوفاء" على وقع الهجمات المستمرة. 

وحتى مع قيام الحركة باجتياح القرى والمدن في جميع أنحاء البلاد، ما أثار تساؤلات حول قدرة قوات الأمن الأفغانية على الدفاع عن المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة كابول، يصر قادة الحركة على أن لديهم مصلحة أصيلة وحقيقية في التوصل إلى اتفاق سلام.

ففي الشهر الماضي، قال زعيم طالبان، المولوي هيبة الله أخوندزاده، في بيان إنه "رغم المكاسب العسكرية" والتقدم الذي أحرزته قواته "تميل الإمارة الإسلامية بقوة إلى التسوية السلمية في البلاد"، وفقاً لما أوردته "نيويورك تايمز".

و"الإمارة الإسلامية" هو الاسم الذي أطلقته الحركة على حكومتها عندما كانت في السلطة. 

جاء هذا البيان في الوقت الذي التقى فيه، ممثلو طالبان بمسؤولي الحكومة الأفغانية لإجراء جولة من المحادثات في الدوحة. وقال المسؤولون الأميركيون إن هذا اللقاء لم يسفر عن شيء، رغم محاولة المبعوث الأميركي إبداء نبرة متفائلة بعد ذلك.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن خليل زاد قوله، عبر حسابه على تويتر، إن "ما يوحد بين الأطراف أكثر مما يقسمها".

ولكن، مع سقوط الصواريخ على مقربة من القصر الرئاسي في كابول، مع نهاية هذه المحادثات، أعرب الرئيس أشرف غني عن غضبه من أن طالبان "ليس لديها نية أو رغبة في تحقيق السلام". 

وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان في بلاده، اشتكى غني، الذي شعر بأن الولايات المتحدة تدفعه دفعا إلى الجلوس على مائدة التفاوض، من عملية سلام "مستوردة ومتسرعة"، مضيفا أن "طالبان لا تؤمن بسلام دائم أو عادل". 

وبحسب الصحيفة الأميركية، يمتلك غني مصلحة مباشرة في المحادثات، حيث كانت إحدى نقاط الخلاف هي مطلب طالبان بتنحيه عن السلطة كجزء من الانتقال إلى حكومة جديدة، فيما أصر غني على أنه القائد الشرعي المنتخب للبلاد. 

لكن مطالب الحركة تتجاوز ذلك بكثير. ففي تقرير صدر في وقت مبكر من هذا العام عن عملية السلام في أفغانستان، وجدت مجموعة الأزمات الدولية، غير الربحية، أن المسؤولين الأفغان "قلقون من أن تؤدي التسوية السياسية في ظل الظروف الحالية إلى الغاء النظام الدستوري الذي أقيم على مدى العقدين السابقين، وإعادة طالبان إلى السلطة".

ونقلت "نيويورك تايمز" عن خليل زاد قوله، الثلاثاء، إن حركة طالبان تطالب بـ "نصيب الأسد" في السلطة في الحكومة الجديدة، وتستخدم مكاسبها العسكرية كورقة ضغط.

وأضاف: "إنهم يحاولون التأثير في حسابات بعضهم البعض، وفي بنود الاتفاق من خلال ما يفعلونه في ساحة المعركة".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن فاندا فيلباب براون، مديرة مبادرة الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، في معهد بروكينجز في واشنطن، قولها إن المفاوضات الوحيدة التي تحملها طالبان الآن على محمل الجد هي عقد اتفاقات غير رسمية مع أمراء الحرب الأفغان وسماسرة السلطة الآخرين، في محاولة لانتزاع أي دعم عن الحكومة، والمساعدة في تنظيم الاستيلاء على أغلب أو كل البلاد.

وأضافت: "طالبان غير معنية بالتفاوض بجدية الآن بسبب ما يجري على الأرض في ساحة المعركة"، موضحة أن ما وضعته الحركة على مائدة التفاوض في الدوحة مع المسؤولين الأفغان هي "بنود الاستسلام". 

ولفتت الصحيفة إلى أن خليل زاد الذي حاول الإبقاء على عملية السلام على قيد الحياة كان قد تم تعيينه من قبل الرئيس السابق دونالد ترمب، واستمر في عمله مع الإدارة الحالية بفضل علاقاته الشخصية بالرئيس بايدن الذي كان يعرفه منذ أن كان الأخير عضواً في مجلس الشيوخ فيما كان خليل زاده مسؤولا في إدارة جورج دبليو بوش.

وفي مذكراته التي نشرت في عام 2016، روى خليل زاد قصة رحلة بايدن في أوائل عام 2002 إلى كابول، حيث اضطر خليل زاد، الذي كان حينها مبعوثاً رئاسياً زائرا إلى البلاد، إلى ترتيب جلسة شاي في وقت متأخر من الليل مع بايدن، الذي كان في نوبة غضب شديدة حتى أنه هدد بإلقاء قنابل من القاذفة "بي ـ 52" على  أحد الزعماء الأفغان، لإصلاح علاقته بالزعيم الأفغاني، وهو ما نجح فيه بالفعل. 

وقضى بايدن ليلته في حقيبة نوم على الأرض في قاعة مؤتمرات داخل السفارة الأميركية، وانتظر في طابور الاستحمام في اليوم التالي "مرتديا منشفة فقط"، وفقا لرواية خليل زاد، والتفت بفرح إلى أحد جنود مشاة البحرية الذي كان يقف خلفه في الصف، حيث طلب الأخير صورة ليبعث بها إلى والدته.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في هذه الأيام، يقضي خليل زاد وقتا أقل في الدوحة وكابول مما يقضيه في زيارة دول مجاورة تأمل الولايات المتحدة أن تضغط على طالبان للتخفيف من حدة نهجها المتطرف. 

لكن روسيا وإيران استضافتا مؤخرا ممثلي طالبان لإجراء محادثات، في إشارة إلى أن هاتين الدولتين تستعدان للتعامل مع الحركة حال سيطرتها على الجزء الأكبر أو كل أفغانستان.

 ونقلت "نيويورك تايمز" عن أندرو واتكينز، كبير المحللين في الشأن الأفغاني في مجموعة الأزمات الدولية، أن إدارة بايدن، التي تدرك العديد من المصالح المتنافسة الأخرى بالمنطقة، بدت غير راغبة في الضغط على الصين وروسيا إلى الحد الذي سيكون ضرورياً لجعل هاتين الدولتين تتبنيان موقفاً أكثر صرامة مع طالبان.

وأضاف واتكينز أنه مهما بدت الاحتمالات سوداوية الآن، فمن المهم أن يبقي المسؤولون الأميركيون على عملية السلام على قيد الحياة.

وأوضح أنه إذا استطاعت الحكومة الأفغانية تقوية دفاعاتها، وحماية المدن الكبرى، مثل كابول، ومقاتلة طالبان للوصول إلى طريق مسدود في الأشهر المقبلة، "فقد تختار الحركة عندئذ العودة إلى مائدة المفاوضات".

وأكد أنه "لا يزال هناك قيمة حقيقية في الإبقاء على قناة حوار مفتوحة على قيد الحياة"، لأن "السماح بانهيار المحادثات" يعني أنه إذا قرر الطرفان أنه بإمكانهما تحقيق أهدافهما على نحو أفضل من خلال السياسة وليس العنف، "فسيكون عليهما العودة إلى المربع 1 مجدداً". 

اقرأ أيضاً: