
مع إعلان إثيوبيا، الاثنين، بدء الملء الثاني لـ"سد النهضة" رغم اعتراضات مصر والسودان، تدخل أزمة السد مرحلة جديدة في تعقيداتها التي امتدت لأكثر من عقد.
بداية الأزمة
في مايو 2010، وقعت 6 دول مشتركة في حوض النيل من بينها إثيوبيا "اتفاق عنتيبي" في أوغندا، الذي رفضته مصر والسودان والكونغو الديمقراطية.
واستهدفت الاتفاقية استبدال اتفاقية تقاسم مياه النيل التي أبرمتها الحكومة البريطانية، بصفتها الاستعمارية، نيابة عن عدد من دول الحوض (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، في عام 1929 مع الحكومة المصرية، والتي تحظر إقامة أي أعمال ري أو مشاريع كهرومائية على النيل وفروعه من دون اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية، فضلاً عن استبدال اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، والتي تحدد الحصة السنوية لمصر من مياه النيل بـ48 مليار متر مكعب من المياه، مقابل 8 مليارات متر مكعب للسودان.
بداية البناء
في أبريل 2011، أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين مشروع السد في منطقة بينيشانغول على الحدود السودانية، ليكون أكبر سد مولّد للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وذلك من دون إخطار مسبق لمصر، ما أدى إلى حالة من الغضب في مصر، ودفع رئيسي وزراء البلدين في سبتمبر من العام نفسه إلى الاتفاق على تشكيل لجنة دولية لدراسة آثار السد.
اللجنة الفنية
بدأت اللجنة أعمالها في مايو 2012 وضمّت 10 خبراء مصريين وإثيوبيين وسودانيين و4 خبراء دوليين، وكانت مهمتها فحص الدراسات الهندسية الإثيوبية، وتأثير السد على مصر والسودان.
وأصدرت اللجنة تقريرها في مايو 2013 بضرورة إكمال الدراسات لتقييم آثار السد، قبل توقف المفاوضات، بعدما رفضت مصر تشكيل لجنة فنية من دون خبراء أجانب.
استئناف المفاوضات
وشهد عام 2014 انفراجة في أزمة السد وذلك مع اتفاق مصر وإثيوبيا في يونيو على استئناف المفاوضات، بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا هيلي ديسالين على هامش قمة الاتحاد الإفريقي.
وفي سبتمبر من العام نفسه، تم عقد اجتماع للجنة ثلاثية فنية تضم مصر وإثيوبيا والسودان لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية المشكلة في 2012.
واتفقت الدول الثلاث في أكتوبر 2014 على اختيار مكتبين استشاريين، أحدهما هولندي والآخر فرنسي، لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.
إعلان المبادئ
وانعقدت قمة ثلاثية في الخرطوم في مارس 2015 بين قادة مصر والسودان وإثيوبيا أقرّوا خلالها "إعلان مبادئ سد النهضة"، لحلّ مشكلة اقتسام مياه نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي.
وينص إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث على "تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء خلال المراحل المختلفة للمشروع"، كما اشترط إعلان المبادئ ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء السد، والاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي بالتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا.
كما وقّع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا في ديسمبر 2015 "وثيقة الخرطوم" التي تضمنت التأكيد على إعلان المبادئ، وتكليف المكتب الفرنسي "أرتيليا"، إلى جانب المكتب الفرنسي "بى آر إل"، تنفيذ الدراسات الفنية المطلوبة وتحديد مدة زمنية لتنفيذها.
مقترح مصري
وشهد مطلع 2016، عقد اجتماعات فنية في أديس أبابا في السادس من يناير لدراسة مقترح مصري بزيادة فتحات تصريف المياه خلف سد النهضة من بوابتين إلى 4 بوابات لتمرير المياه تحت جسم السد، وذلك بحضور استشاري من شركة "سالينى" الإيطالية المنفذة للسد، لكن إثيوبيا رفضت المقترح المصري، مصرة على أن الفتحتين الحاليتين في السد تتيحان ما يكفي من المياه لدولتي المصب (مصر والسودان).
مصاعب إثيوبية
وأعلنت إثيوبيا في مايو 2016 أنها على وشك إكمال 70% من بناء السد، لكن نتيجة للصعوبات التي واجهتها في تمويل السد، أعلنت تأجيل افتتاحه إلى 2018.
تجدد الخلافات
ومع صدور تقرير المكتب الاستشاري الفرنسي حول دراسات السد في مايو 2017، تجدد الخلاف بين الدول الثلاث بخصوص مضامين التقرير.
وسعياً لاحتواء هذه الخلافات، استضافت القاهرة في نوفمبر 2017 الاجتماع الوزاري للجنة الفنية الثلاثية لبحث اعتماد التقرير الاستهلالي. وفيما أبدت مصر موافقتها الأولية على التقرير، رفضت إثيوبيا والسودان اعتماد التقرير وطالبتا بإدخال تعديلات عليه.
وتفاقمت الخلافات مع رفض إثيوبيا في ديسمبر من العام نفسه مقترحاً مصرياً لإشراك البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية.
تعهد إثيوبي
وشهد أبريل عام 2018 انعقاد الاجتماع التساعي الأول في الخرطوم بمشاركة وزراء الخارجية والري ومديري المخابرات بجانب الخبراء والفنيين في الدول الثلاث.
وتضمنت المباحثات النقاط الخلافية في التقرير الاستهلالي المقدم من المكتب الاستشاري، ولكن لم تسفر عن مسار محدد، ولم تؤت بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها.
وفي يونيو 2018 تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، شفهياً في القاهرة بأن بلاده لن تلحق ضرراً بالشعب المصري.
تعثر المفاوضات
وفي فبراير 2019 التقى قادة الدول الثلاث على هامش القمة الإفريقية، في أديس أبابا، واتفقوا على استئناف المفاوضات، لكن وزارة الري المصرية أعلنت في سبتمبر من العام نفسه تعثر المفاوضات وتعذر الوصول إلى اتفاق.
وخلال الشهر نفسه، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال إلقائه خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تدخل دولي لحلحلة الأزمة.
وفي أكتوبر من العام نفسه أعربت مصر عن صدمتها إزاء تصريحات منسوبة لرئيس الوزراء آبي أحمد، أمام البرلمان الإثيوبي، بأنه "يستطيع حشد الملايين على الحدود، في حال حدوث حرب... وأنه لا توجد قوة تستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة".
الوساطة الأميركية
ودخلت واشنطن على خط الأزمة في نوفمبر 2019 مع استضافتها جولة مباحثات في واشنطن لوزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا بحضور ممثلي البنك الدولي.
وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً مشتركاً عن الاجتماعات، تضمن التأكيد على العمل للتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة خلال شهرين، بحلول منتصف يناير 2020.
ثم في 5 يناير 2020 استضافت واشنطن اجتماع الدول الثلاث لتقييم نتائج الاجتماعات السابقة. وانتهى الاجتماع بتوافق مبدئي على 6 بنود، واللقاء مجدداً لإعلان الاتفاق النهائي.
لكن اتفاق واشنطن سرعان ما تعثر في فبراير من العام نفسه، رغم توقيع مصر، بعد تغيب إثيوبيا عن التوقيع، وتحفظ السودان.
مجلس الأمن
وبعد فشل الوساطة الأميركية وتعثر المفاوضات، تقدمت مصر في يونيو 2020 بطلب إلى مجلس الأمن تدعو فيه إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة مصر وإثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي.
وأعلن الاتحاد الإفريقي في الشهر نفسه استعداده لرعاية المفاوضات.
الملء الأول
وفي 15 يوليو 2020 أعلن وزير الري الإثيوبي البدء في الملء الأول لخزان السد، لتؤكد وزارة الري السودانية تراجع منسوب المياه بعد البدء في عملية الملء.
وفي مطلع سبتمبر 2020 أعلنت الولايات المتحدة تعليق جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا مؤقتاً، رداً على قرار أديس أبابا البدء بملء السد قبل التوصل لاتفاق.
إنجاز 78%
وقالت إثيوبيا في فبراير 2021 إنها أكملت 78.3% من أعمال بناء السد. وفي الشهر نفسه اقترح السودان تطوير آلية التفاوض وتقوية وساطة الاتحاد الإفريقي بضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لجهود الوساطة، وهو المقترح الذي أيدته مصر ورفضته إثيوبيا.
وأعلن الجانبان المصري والسوداني في 6 أبريل فشل محادثات العاصمة الكونغولية كينشاسا، مع إصرار إثيوبيا على تنفيذ عملية الملء الثاني للخزان.
حل سياسي
ثم في يونيو 2021 أكد رئيس المجلس الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في تصريحات لـ"الشرق"، أن "الحلّ السياسي" هو الطريق الذي يوصل إلى النتائج بشأن قضية سد النهضة الإثيوبي.
بدء الملء الثاني
وفي 5 يوليو 2021 أعلنت إثيوبيا البدء الثاني لملء سد النهضة وتلقّي مصر والسودان إخطاراً بذلك، في خطوة اعتبرتها القاهرة "انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركه للأنهار الدولية".
ويجتمع مجلس الأمن في 8 يوليو 2021 لمناقشة أزمة سد النهضة، في خطوة قد تمثل مرحلة جديدة في تدويل الأزمة وإخراجها من الحيز الثلاثي للدول المعنية أو الحيز الإفريقي إلى إطار الوساطة والتفاوض.