
فشل المجلس النيابي اللبناني، خلال جلسته الاثنين، في تمرير مشروع قانون ضبط التحويلات والسحوبات في ما بات يعرف باسم "الكابيتال كونترول" الذي يعد من شروط "صندوق النقد الدولي" في مفاوضاته مع الحكومة اللبنانية، لتقديم دعم يساعد البلاد في الخروج من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.
وكان المشروع الذي تم تحويله إلى اجتماع اللجان النيابية قبل عرضه أمام الجلسة النيابية العامة، قد سقط أمام مواقف القوى السياسية التي وجدت فيه ثغرات متعددة.
"تغيير النظام المالي"
رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، أكد بعد مشاركته في الاجتماع، اعتراضه على صيغة "الكابيتال كونترول" المطروحة، وقال إنه "ليس مقبولاً على لجنة أن تختصر الدولة بكاملها، من القضاء، والحكومة والمجلس النيابي وغيرها".
وطالب كنعان الحكومة بإرسال ما اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي بمشروع قانون "مفصل ومعلل، ويتضمن الأسباب الموجبة لاعتماده"، وتابع: "نحن نتعهد بدراسة الصيغة الحالية خلال أيام قليلة وحسب الأصول"، متسائلاً "هل يجوز أن تصبح عملية إقرار الليرة للمودعين مربوطة بلجنة تتشكل من وزير حكومة، ووزير مالية، وحاكم مصرف لبنان؟ هل يعقل أن تختصر هذه اللجنة القضاء؟".
وختم النائب اللبناني عن "التيار الوطني الحر" (كتلة رئيس الجمهورية) بالقول: "لن نقبل أن تُجمد أموال الناس 5 سنوات، وتمديد هذه المهلة من دون الرجوع إلى المجلس النيابي. يجب إيقاف هذا الالتفاف في موضوع خطة التعافي، و(الكابيتال كونترول)، وغيرها، وإيقاف عملية التحايل وتقاذف الكرة".
أما رئيس لجنة الإدارة والعدل، النائب جورج عدوان فقال إنه "تم للمرة الثانية إسقاط محاولة تمرير اقتراح مشروع (الكابيتال كونترول) الذي يشرعن الاستيلاء على أموال المودعين، ولا يؤمن ما هو مطلوب فعلاً".
وأوضح عدوان النائب عن "القوات اللبنانية" أن "ما يتم طرحه لا علاقة له بالكابيتال كونترول، إنما المطروح هو تغيير النظام المالي برمته في لبنان، من قبل لجنة وليس من قبل الحكومة".
وأضاف أن "الأخطر من ذلك وضع المجلس النيابي أمام مسؤولياته، وكأنه إما أن يُشرع هذه العملية التي هي استيلاء على أموال المودعين، وإما يقولون إن المجلس لا يريد الكابيتال كونترول".
ماذا يعني إسقاط المشروع؟
حول دلالات إسقاط مشروع "الكابيتال كونترول" في البرلمان اللبناني، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الدكتور جاسم عجاقة إنه "لا يمكن لصندوق النقد الدولي أن يضخ دولاراًَ واحداً في لبنان بدون مشروع (كابيتال كونترول)، لأن الصندوق يريد التأكد أن هذا المال سيبقى في لبنان".
وأشار عجاقة في حديث لـ"الشرق" إلى أن سقوط هذا المشروع في المجلس النيابي، يعني أن "لا اتفاق مع صندوق النقد في المدى القريب"، معتبراً أن "عدم إقرار قانون (كابيتال كونترول) سيُمثل عقبة أساسية أمام التوصل إلى اتفاق على برنامج إصلاحات اقتصادية في لبنان".
وفي ما إذا كان إسقاط المشروع حدث بالصدفة قبل يوم واحد مِن زيارة ممثلي صندوق النقد إلى بيروت، قال الأكاديمي اللبناني: "لا أعلم إذا كان هذا صدفة أم لا، لكن الأكيد أن لا رغبة حقيقية لدى القوى السياسية اللبنانية الممثلة سواء في الحكومة أو المجلس النيابي في الشروع بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد، نظراً لأن الإجراءات غير مقبولة على صعيد الرأي العام، وهذه القوى تخشى أن يتم محاسبتها انتخابياً".
وتابع: "لا أعتقد أن المجلس النيابي الحالي سيستطيع إقرار اتفاق أو قانون (كابيتال كونترول) مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي هناك مماطلة في الوقت لتمرير الانتخابات النيابية. والمخاوف اليوم تتجه أكثر إلى احتمالية أن يُلغي صندوق النقد زيارة فريقه إلى لبنان، في ضوء فشل تمرير المشروع".
ما هو مشروع قانون "كابيتال كونترول"؟
وفي السياق، أوضح عجاقة أن مشروع "الكابيتال كونترول"، الذي يطلبه صندوق النقد الدولي من لبنان، هو مجموعة من الإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة، لافتاً إلى أنه "قد يكون لها طابع القانون إذا خرج بعضها من إطار صلاحيات الحكومة".
والإجراءات تطال بالدرجة الأولى القطاع المصرفي، لكنها قد تمتد أيضاً إلى كل ما يتعلق بالأموال المنقولة وغير المنقولة، والقطاع الصناعي، وعدم إخراج المعدات من البلاد، وعدم السماح بالتصدير، وضبط عمليات التهريب، وفق قوله.
وبحسب مسودة مشروع القانون الذي حصلت "الشرق" على نسخة منه، يتضمن مشروع "الكابيتال كونترول" 12 مادة، تشرح تفاصيله وآليات عمله.
وتعتبر المادة الرابعة من أبرز مواد مشروع القانون، إذ تتعلق بفتح حسابات مصرفية جديدة، وتنص على حظر نقل الأموال عبر الحدود اللبنانية، وحظر مدفوعات الحساب الجاري والتحويلات، بأي عملية كانت من أو إلى حساب مصرفي أو حساب لدى وسيط معتمد أو من أو لأي عميل، سواء كان مقيماً أو غير مقيم، بما في ذلك حسابات الودائع الائتمانية في لبنان باستثناء بعض الحالات، منها الأموال الجديدة، وأموال المؤسسات المالية الدولية والسفارات الأجنبية والهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والإقليمية والعربية، وعمليات وتحويلات ومدفوعات الحكومة اللبنانية، وعمليات وتحويلات ومدفوعات مصرف لبنان، والأموال الأجنبية الناتجة عن إعادة عائدات الصادرات، والمدفوعات الجارية للمصاريف الطبية ومصاريف الاستشفاء في الخارج.
وبحسب المادة الخامسة المتعلقة بالسحوبات، يحظر مشروع القانون على المصارف فتح حسابات مصرفية جديدة، وكذلك حظر إضافة شركاء إلى حسابات قائمة، ويحظر أيضاً تفعيل الحسابات الراكدة، بينما يُسمح بفتح حسابات مصرفية جديدة إذا تم إثبات عدم توفر أي حساب آخر لتنفيذ عمليات مالية مثل: مدفوعات الرواتب، ومدفوعات المعاشات التقاعدية، أو استحقاقات الرعاية الاجتماعية الممنوحة حديثاً.
كما يسمح مشروع القانون بفتح حسابات مصرفية جديدة في حالة تحويل رصيد من الخارج بالعملة الأجنبية إلى مقيم، وإيداع أموال بالليرة اللبنانية ناتجة عن تحويل ودائع بالعملة الأجنبية نظراً لكون الحسابين المصرفيين بالليرة اللبنانية وبالعملة الأجنبية عائدين للمستفيد نفسه في المصرف ذاته.
وينص مشروع القانون أيضاً على أن تخضع السحوبات النقدية من الحسابات المصرفية كافة، باستثناء حسابات الأموال الجديدة، لقيود تحددها اللجنة المسؤولة عن إصدار كافة التنظيمات التطبيقية المتعلقة بهذا القانون، والمؤلفة من وزير المالية ووزير الاقتصاد والتجارة وحاكم مصرف لبنان، ويرأسها رئيس الوزراء أو وزير يتم انتدابه، على أن تسمح هذه القيود بسحب ما لا يزيد عن ألف دولار أميركي للفرد الواحد شهرياً، بالعملة المحلية أو الأجنبية.
وتنص المادة الـ8 من مشروع القانون، على أن تتمتع اللجنة بصلاحية منح إعفاءات محددة حول القيود المفروضة بموجب هذا القانون استناداً إلى طلب يتم تقديمه إليها، وتكون قرارات اللجنة ملزمة ونهائية، إضافة إلى صلاحية فرض غرامات على المخالفين لهذا القانون.
حل الأزمة
وحول السبيل لخروج لبنان مِن أزمته المالية، قال عجاقة إن "السبيل واضح، ورسمته كل الدول بدون استثناء، يجب توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولا إمكانية للبنان للخروج من أزمته دون ذلك، لأن كافة الدول وضعت ذلك شرطاً أساسياً وجوهرياً لمساعدة لبنان".
وختم جاسم عجاقة حديثه لـ"الشرق"، بأنه إذا لم يتم الاتفاق مع صندوق النقد، "لن يبقى أمام اللبنانيين سوى استمرار التآكل الجتماعي والاقتصادي والمالي والمعيشي والنقدي".