مرآة الحب عمياء كما يقولون، ويبدو أن المعيار الوحيد الذي حكم مقاييس اختيارات أوسكار 2023 هو الحب، ما جعل أهل أكاديمية علوم وفنون السينما يتغافلون عن رؤية وتتويج أعمال رائعة كثيرة، كانت تستحق أن تُذكر ولو بجائزة واحدة.
وقع أعضاء الأكاديمية الذين يقترب عددهم من 10 آلاف متخصص في مجالات ومهن السينما المختلفة في عشق فيلم "Everything Everywhere All At Once "، وصوتوا له في كل فرع رُشح له تقريباً، ومن بين الـ11 ترشيحاً، فاز بـ7 جوائز، كأفضل فيلم وإخراج للثنائي دانيل كوان ودانيل شايبرت، وأفضل سيناريو مكتوب مباشرة للسينما، وأفضل مونتاج، وأفضل ممثلة لميشيل يوه، وأفضل ممثلة في دور ثانٍ لجيمي لي كيرتس، وأفضل ممثل في دور ثان لكي يوه كوان، أي كل الجوائز الرئيسية تقريباً.
ولم ينجو من براثنه سوى الفيلم الهندي RRR بحصوله على جائزة أفضل أغنية (Natu Natu)، وفيلم "Black Panther: Wakanda Forever" بجائزة أفضل تصميم ملابس، وفيلم All Quiet On The Western Front بجائزة أفضل موسيقى تصويرية، والجائزة الـ11 انتزعها Everything من نفسه، حيث إنه كان مرشحاً لجائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ مرتين، واحدة لستيفاني هسو، والأخرى لجيمي لي كيرتس التي فازت بالجائزة!.
مكافأة متأخرة
7 جوائز أوسكار دفعة واحدة ليست بالأمر الهين، ورغم أن "Everything" عمل جيد ومسل لكن فوزه بكل هذا العدد يظلم أعمالاً وفنانين آخرين كانوا يستحقون التقدير، إذ كيف يمكن ألا يخرج "The Banshees of Inishrin " لمارتن ماكدوناه أو "The Fabelmans" لستيفن سبيلبرج من الحفل دون جائزة واحدة؟، على الأقل بجائزة السيناريو للأول، وجائزة الإخراج للثاني.
أو كيف يمكن ألا تفوز كيت بلانشيت بجائزة التمثيل عن أداءها الاستثنائي لشخصية قائدة أوركسترا متسلطة في فيلم "Tar"؟، هذه أعمال يبدو أمامها "Everything" خفيفاً وبسيطاً للغاية.
فيما يتعلق بالسيناريو مثلاً، يعتمد "Everything" على فكرة ألمعية هي نقل فرضية العوالم المتعددة multiverse التي ابتكرتها مجلات وأفلام "مارفل" إلى الحياة اليومية لأسرة أميركية من أصل صيني، وفيما عدا ذلك فالسيناريو عادي للغاية.
وفيما يتعلق بالإخراج، فاللعبة في Everything تعتمد بالأساس على المونتاج والحيل التقنية، لتجسيد فكرة التجاور بين العوالم المتعددة داخل اللقطة الواحدة.
وفيما يتعلق بالتمثيل، فلا شك أن ميشيل يوه ممثلة كبيرة وموهوبة، ولكنها قدمت أدواراً أفضل بكثير، لعل من أفضلها دورها في فيلم Crouching Tiger Hidden Dragon، وهو فيلم "أكشن" أيضاً، لكن يحتوي على شخصيات أكثر تركيباً وعمقاً.
ويبدو أن الأوسكار الذي ذهب إلى ميشيل يوه، هو نوع من المكافأة المتأخرة عن أعمال سابقة، خاصة مع ميل الأكاديمية لتحقيق التنوع العرقي واللوني لجوائزها ومرشحيها، وهو ما يمكن قوله أيضاً عن جائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ أيضاً التي ذهبت إلى المخضرمة جيمي لي كيرتس، والتي سبق لها أن قدمت أعمالاً رائعة، ثم اختفت لسنواتٍ قبل أن تعود بدور غريب يعتمد على المؤثرات والمكياج أكثر مما يعتمد على فن التمثيل!.
عودة تستحق التقدير
الحب كان الدافع الأول وراء عدد من الاختيارات الأخرى، منها فوز بريندان فريزر بجائزة أفضل ممثل عن فيلم The Whale متفوقاً على كل من كولين فاريل في The Banshees of Inishrin، وأوستن باتلر في Elvis، وبعيداً عن التقييم الموضوعي للأداء التمثيلي في الأفلام الـ3، فإن المرء لا يملك سوى الإعجاب بفريزر الذي اشتهر بأداء أدوار الأكشن والكوميديا الساذجة لسنواتٍ، قبل أن يختفي لسنوات أخرى، ويعود في هيئة جديدة ومستوى فني لم يسبق له أن قام به في حياته، وهي قصة نجاح وعودة تستحق المكافأة والتقدير.
لم يبقَ بعد جوائز Everything الـ7 سوى عدد قليل، منها جائزة أفضل فيلم عالمي التي ذهبت إلى الفيلم الألماني All Quiet on the Western Front، وهو تجسيد سينمائي لبشاعات الحرب لم يسبق تصويرها في السينما بهذا الشكل، ورغم أن أفلام الحرب موجودة كل عام تقريباً، لكن يصعب تجاهلها في ظل ظروف الحرب العالمية الدائرة الآن، خاصة مع التميز الفني والرسالة القوية التي يحملها فيلم All Quiet.
جائزة أفضل فيلم تحريك ذهبت إلى Guillermo del Toro’s Pinocchio، وهي جائزة مستحقة عن جدارة ذهبت إلى صانع أفلام كبير ومبتكر، وهو المخرج المكسيكي جييرمو ديل تورو، الذي سبق أن حصد جوائز الأوسكار عن فيلمه The Shape of Water، ولا يمر عام دون أن يسعى إلى تقديم شيء جديد.
وهذه المرة يُعيد تقديم القصة المعروفة لبينوكيو بمفهوم ودراما مختلفة وتقنيات تحريك فائقة الجودة، وهذه الجائزة التي ذهبت لمنصة "نتفليكس" المنتجة للفيلم هي أول أوسكار تحريك يذهب لإحدى المنصات، وربما يدشن محطة جديدة لأفلام التحريك بعيداً عن الشركات التقليدية الكبرى مثل "ديزني وبيكسار".
من الجوائز الكبرى، لم يبقَ سوى أوسكار أفضل سيناريو مقتبس عن وسيط آخر، والتي ذهبت إلى فيلم Women Talking لسارة بولي، كاتبة وصانعة الأفلام المتميزة، التي قدمت من قبل أعمالاً جيدة، ويتميز فيلمها الجديد، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للأديبة ميريام تويز بالمزج بين الروائي والوثائقي في عمل يتناول قصة حقيقية عجيبة حدثت في إحدى مستعمرات بوليفيا، حيث يقوم بعض الرجال بتخدير واغتصاب عدد كبير من النساء والفرار، وهو فيلم مؤثر بقصته وأداء ممثلاته الكبيرات.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى الجائزة اليتيمة التي حصل عليها فيلم Avatar: The Way of Water، لأفضل مؤثرات بصرية، وهو العمل الذي يعود به المخرج المعروف جيمس كاميرون ليطور تقنيات وصناعة السينما ويُعيد إليها هيبتها المفقودة بفعل الفضائيات والمنصات، حيث يتزامن ذلك مع الاحتفال بالذكرى الـ25 لفيلمه الأشهر Titanic، الذي حصد 11 جائزة أوسكار، ولكن بمرور الزمن تبين للكثيرين حجم المبالغة في التقدير التي التي حظى بها الفيلم، وأعتقد أن ذلك سيحدث أيضاً مع فيلم Everything Everywhere All At Once بعد سنوات قليلة مقبلة.
* ناقد فني
اقرأ أيضاً: