الانتخابات المبكرة في العراق.. حل للأزمة أم مأزق جديد؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
محتجون داخل البرلمان العراقي - بغداد - 4 أغسطس 2022 - AFP
محتجون داخل البرلمان العراقي - بغداد - 4 أغسطس 2022 - AFP
بغداد- باسل حسين*

بلغت الأزمة في العراق أوجها إثر وصول البلاد إلى حالة انسداد سياسي، مع اعتصام الآلاف حول البرلمان العراقي وسط العاصمة بغداد، تعزيزاً لمبادرة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة تسفر عن واقع سياسي جديد، وهو ما استقبلته قوى "الإطار التنسيقي" بمواقف متباينة، تراوحت بين الترحيب والتردد والرفض.

ورحّبت القوى السنية الرئيسية بمبادرة الصدر، إذ أعلن رئيس "تحالف السيادة" خميس الخنجر عن ترحيبه، وأعقبه رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، داعياً إلى انتخابات مبكرة تشريعية ومحلية.

في المقابل، لم يصدر رد فعل رسمي من الأكراد إزاء المبادرة، لا سيما من قبل حلفاء الصدر في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، وإن كانت بعض الأصوات خرجت على استحياء لتشير إلى صعوبة الطرح.

وقال الصدر في تغريدة، السبت، إن ردود أفعال إيجابية صدرت بشأن دعوته لحل مجلس النواب العراقي، مشيراً إلى "تجاوب شعبي وعشائري" وكذلك من بعض "القيادات السياسية الكردية والسنية والشيعية".

حل البرلمان والانتخابات المبكرة

في أول خطاب له منذ بدء الاعتصام حول البرلمان العراقي، أشار الصدر، الأربعاء، إلى "أن ما يحدث بينه وبين الإطار التنسيقي ليس صراعاً على السلطة كما يشاع، وأنه لم يقرر حتى الآن المشاركة في الانتخابات المقبلة من عدمها".

كما أوضح أنه على "يقين أن غالبية الشعب العراقي سئمت الطبقة السياسية العراقية الحاكمة برمتها، بما فيها بعض المنتمين للتيار الصدري".

 وأكد الصدر أنه ليس ضد الحوار لكنه "جرّبه معهم (الإطار التنسيقي)، ولم يكن مجدياً على الرغم من وعودهم وتوقيعاتهم"، وبالتالي لا فائدة ترتجى من ذاك الحوار.

وأتت هذه التصريحات فيما يبدو كردٍ على دعوة الحوار، التي أطلقها رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، الذي دعا الأطراف السياسية إلى الدخول في حوار وطني، وكذلك الممثلة الأممية جينين هينس بلاسخارت، التي جددت ذات الدعوة لحل الأزمة.

من جهة أخرى أكد الصدر أنه "لن يرضى بإراقة الدماء ولن يبدأ بذلك إطلاقاً"، في إشارة ضمنية إلى التسريبات، التي تضمنها التسجيل المنسوب لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.

ووعد الصدر بإنهاء تأثير الوجوه القديمة ومنعهم من أي دور في المرحلة المقبلة من خلال عملية ديمقراطية ثورية سلمية لكنه لم يحدد ملامحها أو آليات تحقيقها.

وفي النهاية خلص إلى القول إن "لا حل إلا بانتخابات مبكرة بعد حل مجلس النواب لنفسه"، علماً أن المادة 64 من الدستور العراقي تنظم آليات إجراء الانتخابات المبكرة.

وتنص المادة (64) من الدستور العراقي على أن حل البرلمان يتم بالأغلبية المطلقة بناء على طلب من ثلث أعضائه أو بطلب من رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية، وعند حل مجلس النواب يدعو الرئيس إلى انتخابات عامة في البلاد خلال 60 يوماً.

ضغط مستمر

وأكد زعيم التيار الصدري في خطابه الأخير ضرورة استمرار الاعتصامات إلى حين تحقيق المطالب، وبالفعل استمرت آلية الضغط الشعبي في محاصرة خصومه من "الإطار التنسيقي"، سواء عبر التحشيد في صلاة الجمعة، أو الاستمرار في الاعتصام بمجلس النواب.

وفي صلاة الجمعة الموحدة بساحة الاحتفالات، أعلن خطيبها مهند الموسوي، ممثل التيار الصدري، أن "العراق خسر الكثير بسبب الحكومات التوافقية والتبعية، وهذا سبب لأن يلتحق أبناء الشعب العراقي بـ(الثائرين) حتى لا يكونوا عرضة للمليشيات والخطف".

وأضاف الموسوي أن "الفساد في العراق نتاج الأحزاب، التي تعمل لصالح الخارج، بما أوصل البلاد إلى نتائج مخيبة ومخجلة، وصلت إلى حالة من انعدام الثقة بين الشعب والطبقة السياسية"، في حين جدد الدعوة إلى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة.

من جانب آخر استمر الاعتصام داخل البرلمان العراقي، وإن تم إفراغ مبناه وقاعاته من المعتصمين، استجابة لنداء الصدر بأن يكون الاعتصام أمام مباني البرلمان وليس داخلها.

"الإطار التنسيقي".. ردود متباينة

رد "الإطار التنسيقي" على مطالب الصدر ببيان مقتضب قال فيه إنه "يؤكد دعمه لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مطالب الشعب بما في ذلك الانتخابات المبكرة"، لكنه اشترط "تحقيق الإجماع الوطني عليها وتوفير الأجواء الآمنة لإجرائها"، منتقداً الاعتصام داخل البرلمان.

وأشار إلى أنه يجب أن يسبق كل ذلك "العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها".

وعلى الرغم من هذا البيان، إلا أن ردود الأفعال من قيادات الأحزاب في "الإطار التنسيقي" جاءت متبيانة ومتضاربة.

على سبيل المثال، أعلن هادي العامري، رئيس "تحالف الفتح" وهو أحد مكونات "الإطار التنسيقي"، أنه "يؤيد إجراء الانتخابات المبكرة، التي دعا إليها الصدر، لا سيما أن الانتخابات الماضية (حسب رأيه) شابتها الكثير من الشبهات والاعتراضات ما يتطلب حواراً وطنياً شاملاً من أجل تحديد موعد الانتخابات المبكرة وآليات ومتطلبات إجرائها وتوفير المناخات المناسبة لها".

وسار رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي على ذات النهج حين رحب بدعوة الصدر إلى إجراء انتخابات مبكرة، مشيراً إلى "أنها تلتقي من جوانب عدة مع مبادرته لحل الأزمة".

على جانب آخر، جاء رد فعل نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم كتلة "دولة القانون" المنضوية تحت "الإطار التنسيقي"، متحفظاً على دعوة الصدر.

واتضح موقف المالكي جلياً من خلال تغريدتين، أعلن في الأولى أن الحوارات الجادة التي تحسم الخلافات وتعيد الأمور إلى نصابها تبدأ بالعودة إلى الدستور واحترام المؤسسات الدستورية، في إشارة إلى الاعتصام داخل مجلس النواب.

ثم كرر الأمر في تغريدة لاحقة بعد خطاب الصدر، مؤكداً مرة أخرى على ما أسماه "الالتزام بالآليات الدستورية والقانونية"، لافتاً إلى أن إجراء الانتخابات المبكرة يجب أن يتم عبر الدستور والإجماع الوطني وتجنب "عمليات التلاعب التي جرت في الانتخابات الأخيرة".

ويعاني "الإطار التنسيقي" من تشظي مواقف أطرافه، فعلى سبيل المثال حين أصدر بياناً دعا فيه إلى تظاهرات على مشارف المنطقة الخضراء كرد على اعتصام أنصار الصدر داخل البرلمان، انبرت عدة أطراف داخله إلى التبرؤ من هذه الدعوة، ودعت أنصارها إلى عدم المشاركة في التظاهرات.

وتعد هذه الخطوة مؤشراً مهماً على الاختلاف الحاد في وجهات النظر، كما يعطي تصوراً مفاده أن من الصعوبة التعامل مع الإطار التنسيقي ككتلة صلدة واحدة بل يمكن الحديث عن "أُطر" داخله.

بلاسخارت على خط الأزمة

دخلت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت على خط الأزمة، إذ أشارت البعثة الأممية، في بيان، إلى ضرورة استمرار الحوار، مشددة على أن "الحوار الهادف بات الآن أكثر إلحاحاً".

وأشارت البعثة إلى أنه لا يمكن لأي طرف الادعاء بأن الأزمة لا تعنيه أو لا تؤثر عليه، وأن الحاجة إلى إيجاد الحلول عبر حوار يشمل الجميع بات أمراً واضحاً، محذرة من أنه من دون ذلك، سيشهد العراق مزيداً من عدم الاستقرار.

وأوضحت أن التحديات والتهديدات، التي تواجه العراق، تدفع أصحاب الشأن السياسي لتحمل مسؤولياتهم، وأكدت البعثة في الوقت ذاته على أن الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد للدعم والإسناد.

وتبع هذا البيان قيام بلاسخارت بجولات مكوكية بين عدة أطراف سياسية، إذ التقت الرئيس العراقي برهم صالح وعضو "الإطار التنسيقي" ورئيس "كتلة الفتح" هادي العامري، وذلك بعد جولات عدة في أربيل وبغداد، ثم زارت الحنانة في النجف للقاء مقتدى الصدر، والذي قالت بعده إن اللقاء كان "جيداً".

وسربت عدة مصادر ما جرى في لقاء بلاسخارت مع الصدر، لعل من أهمها عرض الممثلة الأممية الوساطة بين "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي"، واشتراط الصدر لقاء العامري بصفته الشخصية وليس كممثل لـ"الإطار التنسيقي"، وإصراره على ضرورة حل مجلس النواب وإجراء إنتخابات مبكرة.

الأزمة إلى أين؟

في ظل هذه المواقف، فإن إصرار "الإطار التنسيقي" على المضي في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة كشرط للقبول بالانتخابات المبكرة، ورفض الصدر لذلك، يزيد تعقيد الأزمة السياسية في العراق ويجعلها عالقة وبعيدة عن الحل في الأمد القريب، خاصة مع اتساع الهوة بين الطرفين بغياب التواصل المباشر.

ويظل التساؤل عما ستؤول إليه الأمور في العراق، وعما إذا كان ساسته، بمختلف اتجاهاتهم، قادرين على الخروج بالبلاد من هذه الأزمة دون المرور على بوابات العنف، التي يفتحها البعض بين الحين والآخر.

* رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي

اقرأ أيضاً:

تصنيفات