هل يدفع رئيسي واشنطن إلى التورّط أكثر بأزمات المنطقة؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض - 04 أغسطس 2021 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض - 04 أغسطس 2021 - REUTERS
دبي – الشرق

أدى الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، القسم الدستوري أمام مجلس الشورى (البرلمان) الخميس، فيما يواجه النظام أزمات وتحديات كثيرة، داخلياً وخارجياً، يُرجّح أن تطغى على ولايته التي تستمر 4 سنوات، وأن تُرغم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تعديل سياستها بالنأي عن أزمات المنطقة.

يأتي ذلك، بعد تنصيب رئيسي الثلاثاء، من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي. علماً أن الرئيس الجديد، نال نحو 62% من الأصوات، في الدورة الأولى من الانتخابات التي نُظمت في يونيو الماضي، في غياب أي منافس جدي، بعد إقصاء مرشحين بارزين، لا سيّما من المعتدلين والإصلاحيين. وشهد الاقتراع نسبة مشاركة بلغت 48,8%، هي الأدنى في انتخابات رئاسية، منذ تأسيس "الجمهورية الإسلامية" في عام 1979.

وأوردت مجلة "فورين بوليسي" أن خبراء في شؤون الشرق الأوسط يتفقون على أن "الحاجة الأكبر" لخامنئي تتمثل في "تعزيز النظام"، رغم رغبته في التحرّر من العقوبات الأميركية والدولية، من خلال إحياء الاتفاق النووي. واعتبرت المجلة أن العداء للولايات المتحدة لطالما شكّل "أفضل غراء أيديولوجي" بالنسبة لطهران.

ولفتت إلى أن خامنئي نصب رئيسي خلفاً لحسن روحاني، علماً أن الرئيس الجديد أشرف على إعدام آلاف المعارضين، في عام 1988، وانتُخب في اقتراع "مزوّر". وأضافت: "يُعتبر رئيسي المنفذ الأمثل الذي سيسعى إلى سحق المعارضة في الداخل، بمزيد من العدوان" في الخارج.

وتشير المجلة بذلك إلى اتهام طهران بالتدخل في شؤون دول بالمنطقة، ورعاية تنظيمات مسلحة، تنفذ سياساتها، ناهيك عن برنامجها الصاروخي. ويطالب قادة غربيون بتوسيع الاتفاق النووي، كي يشمل التدخلات الإقليمية الإيرانية وبرنامجها الصاروخي.

تصعيد أميركي – إيراني

"فورين بوليسي" نقلت عن بهنام بن طالبلو، وهو باحث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (مقرّها واشنطن)، قوله: "على مدى العام الماضي أو نحو ذلك، ألمحت إيران إلى ارتياح متزايد للتصعيد والنزاع، وهذا شعور يغذيه جزئياً اعتقاد بأن أميركا قوة متضائلة في الشرق الأوسط، لا ترغب في صراع".

واعتبر أن النظام في طهران لم يعد يرى حاجة إلى "التظاهر بالاعتدال"، لأن "خامنئي يرى أن الغرب يبتعد عن طريق إيران". ورأى أن عهد رئيسي هو "أداة لترسيخ إرث خامنئي: العداء مع الغرب، والحروب بالوكالة في الخارج القريب، والبقاء على المسار الثوري من خلال القوة في الداخل".

ونبّه علي واعظ، وهو باحث في "مجموعة الأزمات الدولية" (مقرها بروكسل)، إلى أن فريق خامنئي ورئيسي "يميل إلى نوع من التجاوزات، التي من شأنها أن تعيد إيران والولايات المتحدة إلى مسار تصعيد متبادل، يذكّرنا بالسنوات الأولى لرئاسة (محمود) أحمدي نجاد".

واستبعد إحياء الاتفاق النووي، قائلاً: "تبدو إيران واثقة من أن الوقت في مصلحتها ويمكنها تأمين تنازلات أوسع من الولايات المتحدة، على افتراض أن نفوذها يمكن أن يزداد بسرعة أكبر من قدرة الغرب على تحمّل مزيد من الألم المالي، أو الرغبة في عمل عسكري".

في السياق ذاته، اعتبر رويل مارك غيريخت، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وخبير في شؤون إيران، أن رئيسي لم يُنتخب رئيساً لـ "فتح إيران على العالم، أو إبطاء برنامجها النووي"، مضيفاً أن "خامنئي اختاره لتحصين الحكم الثيوقراطي والقضاء على التأثيرات الغربية الشائنة" في بلاده.

ورأى أن القادة الإيرانيين "لا يريدون اتفاقاً جدياً مع الغرب"، إذ "يرون أنفسهم أقوى بكثير ممّا كانوا عليه، في 2015 أو 2017 أو 2019". وتابع: "إنهم مستعدون للقتال. أما نحن فلا".

ونبّه دنيس روس، وهو مفاوض أميركي سابق في المنطقة، إلى ما ينتظر إدارة بايدن، قائلاً: "قد يعتقد المرء أنه يستطيع تجاهل الشرق الأوسط، لكن الشرق الأوسط لا يتجاهلك". وأضاف روس، وهو باحث في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى": "ثمة استعداد أكبر لفرض ثمن على الإيرانيين، نتيجة سلوكهم في المنطقة".

أما آرون ديفيد ميلر، وهو زميل سابق لروس في وزارة الخارجية الأميركية، ويعمل الآن مع "مهد كارنيجي"، فرجّح أن "يعني صعود رئيسي أكثر من بضع ليالٍ بلا نوم لإدارة بايدن". وتابع: "بينما تبقى احتمالات نشوب حرب كبرى بين إسرائيل وإيران منخفضة، الآن، ستزداد بشكل كبير احتمالات حصول اشتباكات خطرة على أي جبهات، عبر وكلاء وبشكل مباشر".

محافظ متشدد لطهران

ومع انتخاب رئيسي، يمسك المتشددون بأبرز مناصب الحكم، بعد انتخاب محمد باقر قاليباف رئيساً للبرلمان، علماً أنه رئيس سابق لبلدية طهران وقائد سابق في "الحرس الثوري".

وقبل ساعات من أداء رئيسي القسم الدستورية، أفادت وكالة "فارس" للأنباء بانتخاب النائب المتشدد، علي رضا زاكاني، رئيساً لبلدية طهران، خلفاً للإصلاحي بيروز حناشي.

وكان زاكاني مرشحاً في انتخابات الرئاسة الأخيرة، لكنه انسحب من السباق وأيّد رئيسي. ويعارض زاكاني الاتفاق النووي، المُبرم بين إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، وانتقد محاولات الرئيس السابق، حسن روحاني لتطوير علاقات أفضل مع الغرب، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".

تحذير من "ألاعيب سياسية"

رئيسي ركّز، بعد تنصيبه، على الوضع الاقتصادي، قائلاً: "نسعى إلى رفع العقوبات الجائرة، لكننا لن نربط ظروف حياة الأمّة بإرادة الأجانب. نرى أن الوضع الاقتصادي للشعب ليس ملائماً، بسبب عدائية الأعداء، وأيضاً نتيجة مشكلات وثغرات في داخل البلاد". أما خامنئي فشدد على أن "حلّ المشكلات الاقتصادية يتطلّب وقتاً، ولا يمكن أن يتم في وقت وجيز وبين ليلة وضحاها".

وبدأ رئيسي الأربعاء نشاطه في مقرّ الرئاسة، فترأس اجتماعاً لمسؤولين معنيّين بمكافحة فيروس كورونا المستجد، إضافة إلى اجتماع لوزراء في حكومة روحاني، كما أفادت وكالة "فرانس برس".

واعتبرت صحيفة "كيهان"، المحسوبة على مكتب المرشد، أن رئيسي سيواجه "تحديات، بسبب العدد المرتفع من المشكلات"، بما في ذلك "نسبة تضخم تُعتبر سابقة"، و"الأسعار الخيالية للسكن" و"الفساد". أما صحيفة "شرق"، المؤيّدة للإصلاحيين، فأعربت عن أملها بأن "تترك الألاعيب السياسية (الداخلية) مكانها، لتنافسات ثقافية سليمة"، وأن تستمع الحكومة الجديدة إلى "أصوات متنوّعة".

احتقان شعبي

تنصيب رئيسي يتزامن مع تفاقم التوتر بين إيران والغرب، إذ اتُهمت طهران بتنفيذ هجوم يُشتبه في أن طائرة مسيّرة شنته الأسبوع الماضي على ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية، قبالة ساحل سلطنة عُمان، أسفر عن مصرع اثنين من أفراد طاقمها. ولوّحت الولايات المتحدة بردّ "جماعي" على الحادث، فيما نفت طهران تورّطها، محذرة من أنها ستردّ على أيّ تهديد لأمنها. كذلك نفت إيران تورّطها بخطف ناقلة ترفع علم بنما، في بحر العرب الثلاثاء، علماً أن واشنطن رجّحت ذلك.

وأعلن رئيسي نيته مواصلة المحادثات في فيينا، لإحياء الاتفاق النووي، علماً أن تعثرها يثير شكوكاً في إمكانية تحقيق نتائج سريعة. وانسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق، في عام 2018، وأعادت فرض عقوبات على طهران.

هذه العقوبات فاقمت الوضع المعيشي في إيران، وأجّجت أزمة مالية واقتصادية، مع تهاوي سعر صرف الريال، وارتفاع التضخم. وأثار ذلك احتجاجات شعبية في السنوات الأخيرة، أسفرت عن ضحايا، في ظلّ تململ من تفشي كورونا، علماً أن إيران تُعدّ أكثر دول الشرق الأوسط تأثراً بالفيروس، وسجّلت رسمياً أكثر من 92 ألف وفاة، من أكثر من 4 ملايين إصابة، وفق "فرانس برس".

وشهدت محافظة خوزستان، جنوب غربي إيران، تظاهرات الشهر الماضي، نتيجة شحّ المياه. كذلك شهدت طهران ومدن كبرى منذ أسابيع انقطاعاً في التيار الكهربائي، برّرته السلطات بزيادة الطلب في الصيف وانخفاض الموارد المائية لتوليد الطاقة.

اقرأ أيضاً: