أتلفت النيران التي ضربت شمالي الجزائر خلال الأيام الماضية، 10 آلاف هكتار من حديقة طبيعية في مدينة القالة، شرقي البلاد، تصنفها منظمة اليونسكو محمية طبيعية.
تعتبر حديقة القالة الوطنيّة أحد الخزانات الرئيسية للتنوع البيولوجي في حوض البحر المتوسط، وتناهز مساحتها الإجمالية 80 ألف هكتار، وقد "احترق أكثر من 10 آلاف هكتار منها في الأيام الماضية" وفق ما ذكر الخبير البيولوجي رفيق بابا أحمد لوكالة "فرانس برس".
وبلغت حصيلة الخسائر البشرية الناجمة عن الحرائق الهائلة، الأربعاء والخميس، في شمال الجزائر 37 ضحية وفق السلطات، بعد أن حاصرت النيران عشرات الأشخاص، مدفوعة برياح قوية قاربت سرعتها 100 كيلومتر في الساعة.
وقالت الحماية المدنية الجزائرية في بيان، إنها تدخلت خلال آخر 48 ساعة "من أجل إخماد 51 حريقاً بالغطاء النباتي" في 17 ولاية، وأضافت أنها تواصل العمل على إخماد حريقين في ولاية تلمسان غربي البلاد.
"60 ألف طائر مهاجر"
وتعد حديقة مدينة القالة موطن مئات من أنواع الطيور والثدييات والأسماك التي تمنحها "ثراء بيولوجياً استثنائياً"، كما أكد بابا أحمد، الذي تولى سابقاً إدارة الحديقة.
ويورد موقع اليونسكو الإلكتروني أن "محمية القالة موطن مهم للغاية للطيور ويزورها أكثر من 60 ألف طائر مهاجر كل شتاء".
وتضيف الوكالة التابعة للأمم المتحدة "إنها فسيفساء من النظم البيئية البحرية والكثبان والبحيرات والغابات، بشريطها البحري الغني بالشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والأسماك".
ويتأثر شمال الجزائر كل صيف بحرائق الغابات، وهي ظاهرة تتفاقم من عام إلى آخر، بتأثير تغير المناخ، ما يؤدي إلى تزايد الجفاف وموجات الحر.
ويؤكد رفيق بابا أحمد أنه "رغم بعض الاستثناءات، لطالما أثرت الحرائق على الحديقة"، مؤكداً أن "الغابة لا تتعافى، تصبح أقل كثافة وتتطور نحو شجيرات متفرقة، لينتهي بها الأمر إلى تربة جرداء محكوم عليها بالتعرية".
ويردف الخبير "متشائماً" بشأن مستقبل الحديقة أن "الأثر الآخر للحرائق هو تناقص إن لم يكن اختفاء حيوانات ونباتات، ويمكننا أن نرى ذلك من خلال الأيل البربري الذي يعد رمزاً للمنطقة، والذي انقرض تماماً منذ عشرين عاماً أو نحو ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوشق".
ويرى بابا أحمد أنه "بمرور الوقت تضعف الحرائق الغابة ما يجعلها عرضة لهجمات أخرى، مثل هجمات الحشرات الضارة، ولكن قبل كل شيء تجعلها عرضة لمخاطر الأنشطة البشرية".
التوسع العمراني
بالإضافة إلى الأضرار التي تسببت بها الحرائق "تمت تجزئة الغابات بمدّ شبكة طرق كثيفة كجزء من فكّ العزلة (عن مناطق)، ما شجع الإنشاءات المتناثرة، وظهور مناطق جديدة مع مدّ شبكات الكهرباء والغاز الطبيعي".
ويخلص الخبير إلى أن الثراء البيولوجي للأراضي الرطبة في الحديقة "تعطل لا سيما من خلال مشاريع الاستزراع المائي، مثل إدخال سمك الشبوط الذي أضر بالنباتات المائية التي تتغذى عليها الطيور والأسماك وقشريات ورخويات أخرى".
ومنذ بداية أغسطس، اندلع نحو 150 حريقاً في الجزائر أتت على مئات الهكتارات من الغابات والأحراج.
وكلّ صيف، يشهد شمال البلد حرائق حرجية، لكن هذه الظاهرة تتفاقم سنة تلو الأخرى بفعل التغيّر المناخي الذي يزيد من موجات الجفاف والحرّ.
وكان صيف 2021 الأقسى في تاريخ الجزائر الحديث، فقد لقي أكثر من 90 شخصاً حتفهم في حرائق اجتاحت شمال البلد، آتية على أكثر من 100 ألف هكتار من الغابات.
اقرأ أيضاً: