قال أحمد مسعود، نجل وخليفة الزعيم الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، لصحيفة "الشرق الأوسط"، إنه مستعد للعفو عن دماء والده من أجل إحلال السلام في أفغانستان، ولتشكيل حكومة مع حركة "طالبان" من خلال المفاوضات، لكنه أكد أنه لا يقبل بتشكيل حكومة أفغانية متطرفة.
وأضاف في تصريحات نشرتها الصحيفة، الأحد، أن فصيله مستعد للتحاور مع "طالبان"، بل لديه اتصالات معها بالفعل. لكنه شدد على أنه "لن يتم إجبارنا على فعل أي شيء" وعلى أن الأفغان "ليسوا على استعداد للاستسلام لأي إرهاب".
وأوضح أن "الحركة تريد فرض الأشياء بالسلاح، وهو ما لن نقبله، فإذا كانوا يريدون السلام وتحدثوا إلينا وعملوا معنا، فنحن جميعاً أفغان وسيكون هناك سلام". وأكد أنه "لا يريد القتال لكن مستعد للدفاع" عن مقاطعة بنجشير في حال في حال دخلتها "طالبان" بالسلاح.
وفي ما يلي نص المقابلة مع "الشرق الأوسط":
يبدو وادي بنجشير كأنه من عالم آخر، بعيد عن الفوضى الموجودة في مطار كابول وطوابير اللاجئين الذين يحاولون الهروب من البلاد.
هنا، تنتشر الوديان الخضراء المزيّنة بالفواكه في كل مكان، كما يواصل نهر بنجشير بتياراته القوية رحلته المتجهة شرقاً من هندو كوش. المكان مليء بالمناظر الخلابة التي تضاهي سويسرا. فهي في الواقع كانت المنطقة المفضلة لمجلة "ناشيونال جيوغرافيك" على مدى عقود، وخلال فترة القتال ضد السوفيات، كان المصوّرون الغربيون والشرقيون يندفعون إلى هنا للحصول على لقطات للزعيم الراحل أحمد شاه مسعود.
يبدو أن هذه المنطقة باتت تستعد الآن للحرب مرة أخرى، حيث تعمل كل قوى المقاومة فيها على الحشد، ولكن ما المقاومة الموجودة هنا؟ قضيت الأسبوعين الماضيين مع أحمد مسعود، نجل وخليفة الراحل، وكان مشغولاً خلال هذه الفترة بلقاء القادة السياسيين والعسكريين من قندهار في الجنوب إلى بدخشان في الشمال، وحتى قبل سقوط كابول ظل مسعود في اجتماعات على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع للاستعداد للأسوأ، ذلك بمجرد أن بات واضحاً أن الرئيس الأفغاني أشرف غني كان يستعد لمغادرة البلاد والتخلي عنها بعد سقوط الإقليم الأول، نيموز، في يد حركة "طالبان".
مسؤولية غني
يقول مسعود لـ"الشرق الأوسط"، إن غني فشل تماماً في إدراك مدى عمق الحفرة التي حفرها لأفغانستان، فقد كانت لديه فرصة ذهبية حينما قام العالم كله بتمويل كابول بمليارات الدولارات سنوياً، إلا أن غالبية الشعب الأفغاني لا تزال تعيش تحت خط الفقر، في حين أن قلة فقط من النخبة السياسية استطاعت كسب الملايين وقامت بتحويلها إلى الخارج. وعلاوة على ذلك، كانت لدى غني أجندة عرقية أدت إلى مزيد من الانقسامات بين الأفغان، إذ استخدم ورقة البشتون ضد الطاجيك والأوزبك والهزارة.
ويضيف مسعود أن "أفغانستان لم تتمكن أبداً من إنشاء نظام مركزي قوي، فقد فشلت في الأمر على مدى أكثر من 100 عام، وتبيّن أن الحل الأفضل هو اللامركزية والتمكين الإقليمي من دون الإضرار بالسلامة الإقليمية الشاملة للبلاد".
ويوضح: "فصحيح أن أفغانستان تمثل أمة وطنية واحدة، لكنها يجب ألا تُدار من مدينة واحدة، إذ إنها مثل سويسرا لديها جنسيات ولغات مختلفة، وصحيح أنها دولة واحدة ولكنها بحاجة إلى تفويض للسلطة تماماً مثل ذلك الموجود في اسكتلندا وويلز (في بريطانيا)، اللتين لديهما مجالس خاصة بهما، وأيضاً مثل السويسريين الناطقين بالفرنسية والألمانية والإيطالية ولكن لديهم أنظمتهم الخاصة في البلاد حتى الآن. لكن نتيجة لتفشي الفساد وسوء الحكم الناجمَين عن نظام الحكم والأمن شديد المركزية في البلاد، فقد فشلت الحكومة الأفغانية في كسب دعم السكان، حيث لم يثق الناس بغني، كما أنهم قد ظلوا يتذكرون أيضاً أيام طالبان السيئة، فهم لا يثقون في أن النظام سيكون قادراً على إنقاذهم، وقد أكد هذا المجتمع الأفغاني المتنوع متعدد الأعراق أنه بحاجة إلى نظام سياسي وقوات مسلحة لامركزية".
بنجشير والمقاومة
خلال السير على الطريق مع أحمد مسعود من كابول إلى بنجشير، اضطررنا إلى تغيير طريقنا مرتين نظراً إلى وجود تهديدات بوجود انتحاريين، حيث استولت "طالبان" على مقاطعة تلو الأخرى في غضون ساعات قليلة، ما جعل الوصول إلى بنجشير بمثابة الانتقال من الأرض إلى المريخ. وعند الدخول إلى بنجشير، كان هناك عالم مختلف تماماً، حيث ساد الصمت ولم يُسمع سوى صوت هدير مياه النهر القوية وسلام الوديان، فهو عالم بعيد عن الخوف الموجود في كابول، فالجميع هنا على استعداد لمواجهة "طالبان".
لكن مسعود يقول: "نحن مستعدون للتحدث مع طالبان، ونحن بالفعل لدينا اتصالات مع الحركة، وقد التقى ممثلونا المشتركون بعضهم مع بعض عدة مرات، فنحن مسلمون أيضاً، ومع ذلك، فإنه لن يتم إجبارنا على فعل أي شيء، وحتى والدي قد تحدث مع طالبان. لقد ذهب أعزل من دون أي حراسة للتحدث مع قيادة الحركة خارج كابول في عام 1996، وقال لهم: ماذا تريدون؟ تطبيق دين الإسلام؟ نحن أيضاً مسلمون ونريد السلام أيضاً، لذا دعونا نعمل معاً؛ ومع ذلك، فإن الحركة تريد فرض الأشياء بالسلاح، وهو ما لن نقبله، فإذا كانوا يريدون السلام، وتحدثوا إلينا وعملوا معنا، فنحن جميعاً أفغان وسيكون هناك سلام".
ويضيف: "بنجشير هي المقاطعة الوحيدة التي تقاوم، فقد سقطت البلاد كلها، ولكننا نقف شامخين، تماماً كما هزمنا السوفيات في الثمانينات، وكما هزمنا طالبان في التسعينات، ويجب أن تتذكروا أنه في عهد والدي، لم تستطع طالبان الاستيلاء على الشمال، ثم قام تنظيم القاعدة بقتله، والبقية معروفة في التاريخ. لكن لدي الرغبة والاستعداد للعفو عن دماء والدي من أجل إحلال السلام والأمن والاستقرار في البلاد".
ويوضح مسعود أن الأفغان ليسوا على استعداد للاستسلام لأي إرهاب، قائلاً: "نحن مستعدون لتشكيل حكومة شاملة مع طالبان من خلال المفاوضات السياسية، ولكن ما هو غير مقبول هو تشكيل حكومة أفغانية تتسم بالتطرف، والتي من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً، ليس لأفغانستان فحسب، ولكن للمنطقة والعالم بأسره".
"خط الدفاع ضد الإرهاب"
عندما استولت "طالبان" على 85 في المئة من أراضي أفغانستان في التسعينات، جاءت جماعات إرهابية في العالم إلى هنا بعدها، ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001، وجاء كثير من أعداء الدول العربية المطلوبين الذين كانوا على شاكلة زعيم "القاعدة" السابق أسامة بن لادن.
ويقول مسعود: "نحن قوى مقاومة ليس ضد أي حكم مفروض من قبل طالبان فحسب، ولكن أيضاً ضد الإرهاب الدولي بشكل عام، وقد حذّر والدي من القاعدة حتى قبل أن يتم تشكيلها، وحتى في الثمانينات جاء كثير من الإرهابيين المتطرفين إلى هنا من دول عدة، لكنهم لم يأتوا إلى هنا من أجل أفغانستان، بل من أجل أشياء أخرى؛ ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر، وكثير من المصائب الأخرى في الشرق الأوسط، لكننا لا نريد أن يأتي أي مقاتل دولي إلى هنا الآن، لأن الكثير قد يأتي من سوريا أو ليبيا أو حتى آسيا الوسطى، وستظل بنجشير هي خط الدفاع الأول ضد أي تطرف، لأن علاقتنا بالشرق الأوسط مهمة جداً".
شروط السلام وتقاسم السلطة
ويقول مسعود لـ"الشرق الأوسط": "نود أن ينهي كل الأفغان هذه الحرب المستمرة منذ 40 عاماً، ولكن كي تكون طالبان سلمية، يجب أن يكون لدينا بعض الأشياء الأساسية، بما في ذلك اللامركزية، التي تشمل الحكم الذاتي الإقليمي ونقل السلطة، ويجب أن يقولوا لا لأي تطرف ولوجود الجماعات الإرهابية الدولية في أفغانستان، ويجب أن يكون هناك تقاسم للسلطة، كما أننا لا نريد أن يتم حكم مناطقنا بالقوة من قبل أحد، فقد أصبح بعض مقاتلي طالبان اليوم أكثر تطرفاً من آبائهم الذين قاتلوا في التسعينات، وذلك بسبب صلاتهم بالجماعات المتطرفة الحديثة مثل داعش والقاعدة".
ويتابع: "صحيح أنه لم يتم إصلاح الحركة، لكننا ما زلنا قادرين على الجلوس معهم والتحدث، ونحن نتحدث معهم بالفعل ونأمل بالوصول إلى مخرج وإنهاء أي قتال، فهم يقولون إنهم ضد الإرهاب الدولي، لكن يجب أن نرى ذلك بشكل عملي، ونأمل ونصلي أن يكونوا يرغبون في ذلك بالفعل".
ويختم: "نحن لا نريد القتال، ومع ذلك، فإننا على استعداد للقتال إذا دخلوا بنجشير، صحيح أنه يمكنهم الدخول بسلام من دون أسلحة، ولكن في حال دخلوا بالبنادق، فنحن مستعدون للدفاع حتى آخر رجل، ولكن يجب إعطاء السلام فرصة حتى ولو كان هذا السلام مع طالبان".