رحبت نساء وناشطات حقوقيات مصريات بإقرار مجلس النواب تشريعاً ينص على تشديد عقوبة التحرش بالمرأة، لتصبح السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات.
غير أن العقوبات التي كانت مطلباً للمنظمات النسوية والحقوقية تحتاج بحسب ناشطات حقوقيات إلى آليات موازية لحماية الضحايا، وتشجيع الفتيات على الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، دون خوف من الانتقام أو الوصم المجتمعي.
وبموجب هذا التعديل التشريعي تتحول جريمة التحرش من جنحة إلى جناية، ويصبح الحد الأدنى للعقوبة السجن 5 سنوات بعد أن كانت العقوبة الحبس سنة أو غرامة مالية.
وينص التعديل الجديد على أن تكون عقوبة التحرش الحبس 7 سنوات بحد أدنى في حال اقترن بحمل سلاح، أو ارتُكب من قبل أكثر من شخص واحد، أو كان المتحرش يملك أي سلطة وظيفية أو غيرها على المرأة.
"رسالة ردع"
وقالت مديرة مركز "تدوين" لدراسات النوع الاجتماعي، أمل فهمي، إن التعديل الأخير على قانون التحرش يشكّل "رسالة ردع"، مشيرة إلى أن "من مزايا اعتبار التحرش جناية بدلاً من جنحة، طول الفترة المسموح فيها للضحية بتقديم بلاغ ضد الجاني، إذ تصل إلى 10 سنوات، في حين تسقط فترة التقاضي سريعاً في قضايا الجنح".
لكن فهمي اعتبرت في تصريح لـ"الشرق"، أن هناك حاجة إلى "تيسير الإجراءات الخاصة بالإبلاغ والتقاضي حتى نستطيع أن نضع نهاية لظاهرة التحرش في مصر"، وقالت إن "تغليظ العقوبة وحده ليس الحل".
"خوف.. وآثار جانبية"
وفي حين كان تشديد عقوبة التحرش بمثابة "رد اعتبار" بالنسبة لسعاد (اسم مستعار)، موظفة موارد بشرية (34 عاماً) وإحدى ضحايا التحرش في المواصلات العامة، تقول لـ"الشرق"، إن "هناك حاجة إلى حملة مجتمعية وإعلانية للتعريف بالتعديلات الجديدة، حتى يعرف كل متحرش المصير الذي ينتظره إذا تحرش بأي فتاة".
وأضافت سعاد أن المتحرش "يمضي في حياته بعد ارتكابه لجريمة التحرش، في حين تظل الفتاة تعاني من آثار التجربة المريرة لوقت طويل من حياتها".
وأشارت إلى أن تعرضها للتحرش أكثر من مرة خلال استقلالها للميكروباص جعلها في "حالة دائمة من الخوف والحذر" كلما استقلت وسيلة مواصلات عامة.
وتحكي سعاد لـ"الشرق"، عن تجربتها مع التحرش قائلة: "في إحدى المرات استجمعت شجاعتي والتفتت لأصرخ باتجاه الشخص الذي يجلس في المقعد خلفي بعد أن مد يده وانتهك جسدي، ولكني خفت بالرغم من ذلك وطلبت من السائق أن يجبره على النزول، لكن الركاب جعلوه يغير مكانه فقط".
وأضافت: "لم أجرؤ على التوجه لقسم الشرطة للإبلاغ، لشعوري بأنني لن أجد أحداً يساعدني من الركاب، ثم ظللت لفترة طويلة ألوم نفسي لعدم اتخاذي أي إجراء لأخذ حقي، ولم أتعافَ يوماً من التجربة وأصبح الخوف لصيقاً بي في كل مرة أستقل فيها الميكروباص".
تغليظ العقوبة "ليس حلاً"
وقالت المحامية والناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان، إن "التحرش جريمة بلا شك، لكن لا يجوز أن يكون جناية تتساوى بهتك العرض والاغتصاب أو قطع عضو من جسم إنسان مثل الختان".
وترى أبو القمصان أن الحل للحد من التحرش هو "وجود آليات تنفيذ تحمي الضحايا وتحقق عدالة ناجزة، وحماية المبلغات من انتقام الجاني".
وأضافت المحامية في تصريح لـ"الشرق"، أن السبب في رفض كثير من الفتيات والأهالي التقدم بشكاوى في قضايا التحرش والتعديات الجنسية "هو قلقهن من فكرة الخصوصية وبيئة التحقيق"، مشيرة إلى أنه "إذا أردنا تشجيعهن على التقديم ببلاغات، فعلينا وضع آليات تضمن بيئة تحقيق آمنة في مكان يخصص لهذه النوعية من القضايا".
ولفتت إلى ضرورة "حفظ خصوصية المبلغات وضمان سرية بياناتهن سواء أمام وسائل الإعلام أو المتعدي عليهن، حتى لا تمارس عليهن أي ضغوط أو ابتزاز للتراجع عن البلاغات، أو يتم التعرض لهن بالإيذاء".
حاجة الدعم النفسي
مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية "أكت"، عزة كامل، اعتبرت أن اعتبار التحرش "جناية" "لا يخدم القضية"، مؤكدة أنه "لا بد من عقوبة مناسبة للجرم المرتكب".
وأضافت في حديث لـ"الشرق"، أن "العقوبات الحالية "كافية، وما نحتاج إليه هو وجود قوانين لحماية بيانات المبلغين والشهود، وتوفير التأهيل النفسي والدعم القانوني لضحايا التحرش، لتشجيعهن على اللجوء إلى القضاء".
تقول عزة كامل إنه "لا أحد ينسى تعرضه للتحرش، ولكن عن طريق الدعم والعلاج النفسي المناسب لكل حالة يمكن التجاوز والمضي قدماً"، ونصحت الفتيات بعدم التردد في اتخاذ خطوة العلاج النفسي للتعافي من حوادث التحرش.
من جانبها قالت مسؤولة وحدة البحث بالمركز القومي لحقوق المرأة، سحر صلاح، إن "الحد من التحرش لا يحتاج إلى تغليظ العقوبات، بقدر ما يحتاج إلى توفير شوارع آمنة للنساء، وهذا يمكن أن يتحقق بوجود كاميرات مراقبة في كافة الشوارع، بحيث يمكن العودة إليها لإثبات واقعة التحرش بسهولة في ظل غياب الشهود أو عدم تعاونهم".