بعد شهر من الغزو.. كيف تحاول أوكرانيا تغيير مسار المعركة؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
عناصر من الجيش الأوكراني تعبر جسراً حطمه القصف الروسي في مدينة إربين بالقرب من العاصمة كييف - 13 مارس 2022 - AFP
عناصر من الجيش الأوكراني تعبر جسراً حطمه القصف الروسي في مدينة إربين بالقرب من العاصمة كييف - 13 مارس 2022 - AFP
دبي- الشرق

بعد مرور شهر على اندلاع الحرب التي بدأت بتوقعات واسعة النطاق بانتصار روسي سريع، بدأ الجيش الأوكراني بشن هجمات مضادة غيّرت الديناميكية المركزية للقتال، إذ لم يعد السؤال يتمحور حول المسافة التي قطعها الجيش الروسي على طريق تقدّمه للسيطرة على أوكرانيا، وإنما حول ما إذا كان الأوكرانيون الآن يدفعونهم إلى التراجع.

ووفقاً لتقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فالقوات الأوكرانية فجّرت مروحيات روسية كانت متوقفة في الجنوب، وأعلن الجيش الأوكراني، تدمير سفينة تابعة للبحرية الروسية في بحر آزوف، وأن قواته قصفت قافلة إمدادات روسية في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد.  

كما زعم مسؤولون أوكرانيون وغربيون إحراز تقدم على صعيد القتال العنيف حول العاصمة كييف. لكن يظل من الصعب تحديد مكاسب مؤكدة على صعيد السيطرة الروسية أو استعادة السيطرة الأوكرانية في العديد من الأماكن، أو حتى التحقق منه هذه المكاسب.

"إربين" تكشف استراتيجية أوكرانيا

ففي معركة حاسمة واحدة على الأقل، في إحدى ضواحي مدينة كييف، حيث وصلت القوات الروسية إلى أقرب نقطة من العاصمة، استمر قتال الشوارع الضاري، الخميس بين الجانبين، ولم يتضح ما إذا كانت أوكرانيا تمكنت من استعادة أي جزء من الأرض.  

لكن حتى هذه الصورة الضبابية للتقدّم الأوكراني تمثل بحسب "نيويورك تايمز"، قيمة كبرى في الرسائل التي يحاول الجيش الأوكراني أن يبعث بها إلى شعبه، وإلى العالم، بأنه يقاتل خصمه الذي يفوقه في العدد والعدّة، ولا يقوم فقط بدور المدافع.  

ووفقاً للتقرير، لفتت هذه الصور إلى التخطيط القاصر والتنفيذ غير المنظم الذي أثقل كاهل القوات الروسية منذ بداية القتال، بما في ذلك نقص الإمدادات والحالة المعنوية السيئة للجنود. ومكنت هذه الأخطاء وغيرها الجيش الأوكراني من الاستمرار في الهجوم على مستوى لم يتوقعه أحد.

وبمنعها القوات الروسية من الاستيلاء على إربين، وهي بلدة صغيرة تقع على مسافة 12 ميلاً من قلب العاصمة كييف، أظهرت أوكرانيا أن استراتيجيتها القائمة على إرسال وحدات صغيرة من العاصمة للاشتباك مع الروس، غالباً في كمائن، قد أثبتت نجاحاً، على الأقل حتى الآن.

هجمات مضادة

وبدرجة كبيرة من الحذر، أصدرت الحكومات الغربية تقييمات متفائلة حول الهجمات الأوكرانية المضادة.

ففي تقرير استخباراتي صدر الأربعاء، قالت وزارة الدفاع البريطانية، إن التحركات الأوكرانية شكّلت "ضغوطاً متزايدة" على القوات الروسية في شرق كييف، وأن الجنود الأوكرانيين "ربما تمكنوا من استرداد ماكاريف"، وبلدة أخرى صغيرة إلى الشمال مباشرة من العاصمة.

وبينما أشار التقرير إلى الحالة غير الحاسمة للمعركة، ذكر أن هناك "احتمالاً واقعياً" لنجاح الهجوم الأوكراني المضاد في محاصرة القوات الروسية في المنطقة وقطع خطوط الإمدادات عنها، وقال إن ذلك سيمثل "انتصاراً تكتيكياً واضحاً" لأوكرانيا.  

وأضاف التقرير، أنه على أقل تقدير "سيعيق نجاح الهجمات المضادة الأوكرانية قدرة القوات الروسية على إعادة تنظيم نفسها، واستئناف هجومها على كييف".

وفي الهجمات المضادة حول كييف، أمر الجيش الأوكراني القادة من المستويات الدنيا بوضع استراتيجيات للرد بالطرق المناسبة لطبيعة مناطقهم المحلية. وفي كثير من الحالات، تضّمن ذلك إرسال وحدات صغيرة من المشاة في مهام استطلاعية للعثور على القوات الروسية التي انتشرت في القرى القريبة من كييف، والاشتباك معها، حسبما ذكر جندي شارك في أحد هذه المهام على مدى نهاية الأسبوع لـ "نيويورك تايمز".

"وضع معقد"

وفي المعارك التي دارت رحاها في الشمال الغربي من العاصمة، يقف الوقت على الأرجح إلى جانب الأوكرانيين، وفقا لما نقلته الصحيفة الأميركية عن محللين، حيث أشارت عمليات البث اللاسلكي التي تمّ اعتراضها إلى "نفاد الوقود والذخيرة من الأرتال الروسية". كما ينام الجنود في مركباتهم منذ شهر في هذا الطقس القارس.

واعتبر محللون عسكريون التقدّم الروسي على هذا المحور، برغم أنه الأقرب من وسط كييف، إلّا أنه الأكثر اضطراباً بسبب المشكلات اللوجستية، وما أدّت إليه من نكسات في القتال. 

رغم ذلك، "من دون أن نعرف أي الجيشين يتقدم فعلياّ في البلدات والقرى المتنازع عليها، تظل الحرب في حالة من الضبابية"، حسب ما قال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في "سي إن إيه"، وهو معهد أبحاث في أرلينجتون، بولاية فرجينيا.

فهم قاصر لمجريات الحرب

وقالت الصحيفة، إنه وعلى نطاق أوسع في جميع أنحاء البلاد، يقف الوقت أيضاً إلى جانب الأوكرانيين على الأقل في تعطيل قوة الغزو الروسي.

لكن هذا الوضع قابل للتغيير. فحالة الانتعاش الوطني التي بدأ بها الأوكرانيون مقاومتهم يمكن أن تتلاشى مع كشف الحرب عن حقيقتها المروعة، أو مع بدء إدراك المدنيين لحجم الخسائر العسكرية الأوكرانية، التي لا يُعرف عنها سوى القليل حتى الآن.  

في هذا السياق، قال كوفمان لـ "نيويورك تايمز" إن "فهمنا لما نحن عليه الآن في هذه الحرب قاصر تماماً، ويجب علينا أن نكون أمناء بهذا الشأن".

وأضاف: "إذا لم تكن تعرف مَن يسيطر على ماذا، فإنك لا تعرف من يملك الزخم على الأرض". 

وقالت أولها، وهي بائعة فرّت من إربين مساء الأربعاء، وتبلغ من العمر 33 عاماً، لـ "نيويورك تايمز": "الأوكرانيون يقاتلون ليل نهار وكل شيء يحترق".

وفي وقت سابق من الأربعاء، قال فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، في مؤتمر صحافي، إن القوات الأوكرانية تصدت في واقع الأمر للقوات الروسية، مشدداً على أن "إربين بأكملها تقريبا في أيدي الأوكرانيين".  

على الجانب الآخر، قال نائب قائد شرطة إربين، أولكسندر بوجاي، لـ "نيويورك تايمز" عبر الهاتف، إن "الجنود الروس لا يزالون في البلدة، ويحتلون العديد من المناطق، ويقاتلون ضد القوات الأوكرانية".  

وأضاف أن "هذا هو الوضع طوال شهر الحرب"، مشيراً إلى أن "هناك انفجارات مدوية ودخان كثيف. فيما المدنيون محاصرون في الأقبية. لا أعرف ما الذي يحدث".  

تقدم روسي في الشرق

وواصلت القوات الروسية تقدمها في شرق أوكرانيا، حيث زعم جيشها، الخميس، أنه سيطر على بلدة إيزيوم، بمنطقة خاركوف التي تتعرض للهجوم منذ أسابيع. ونفت أوكرانيا سيطرة الروس على البلدة. ولم تتمكن "نيويورك تايمز" من التحقق من أي من الروايتين بشكل مستقل.

وفي القتال حول كييف، رسم المدنيون الذين تم إجلاوهم من منطقة القتال صورة ليس بالأساس لبلدات محررة، وإنما لعنف فوضوي قاتل.

وهناك مؤشرات قليلة أيضاً على أن الحكومة الأوكرانية أنشأت حتى خدمات مدنية بدائية في البلدات التي تسعى لاستعادة السيطرة عليها.

وقالت امرأة لم تذكر لـ"نيويورك تايمز" سوى اسمها الأول، "إلينا"، كانت وصلت إلى مركز إغاثة على طريق الإجلاء خارج إيربين، وهي تجهش بالبكاء، إن جيرانها ساعدوها في دفن جثمان ابنها الشاب في حديقة منزلها الخلفية لأنه "لا توجد أي جهة رسمية تأخذ جثث القتلى". وقالت إنها تأمل ألا يتم تدمير قبره تحت وطأة القصف المدفعي.

رغم ذلك، في أحد المؤشرات على أن الهجوم الأوكراني المضاد قد توغل في المناطق التي كان يسيطر عليها الجنود الروس في السابق، عثرت وحدة أوكرانية تجمع جثث الضحايا العسكريين من ساحة المعركة، على جثث جنود روس في البلدات المحيطة بكييف، وفقاً لما قاله سيرهي ليسنكو، قائد الوحدة.

ورفض ليسنكو، البوح باسم البلدات التي عمل فيها. وقال عبر الهاتف لـ"نيويورك تايمز"، حتى الآن يترك الروس ضحاياهم في أماكنها، لأنهم لا يريدون تحمل مخاطر إضافية".  

وقال كوفمان، إنه "من الواضح أن روسيا غير قادرة على تحقيق أهدافها السياسية الأساسية في هذه الحرب الآن".  

وخلص إلى أنه على روسيا أن "تغيّر أهدافها، أو أن تغيّر استراتيجيتها العسكرية إذا كانت تريد الاستمرار في هذه الحرب إلى ما بعد الأسابيع المقبلة". 

اقرأ ايضاً:

تصنيفات