
قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الأربعاء، إن عدد المهاجرين الذين قضوا في محاولة اقتحام سياج مليلية الخاضعة للسيادة الإسبانية شمالي المغرب في يونيو الماضي، لا يقل عن 27 شخصاً، فضلاً عن 64 آخرين ما زالوا في عداد المفقودين، ما يجعل الحصيلة مرشحة للارتفاع.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقدته الجمعية في الرباط، لعرض تقريرها حول تلك الأحداث، انتقد "التدخل العنيف لقوات الأمن"، وقدم رواية مختلفة عما أعلنته السلطات المغربية التي تحدثت عن سقوط 23 مهاجراً فقط، عزت أسباب وفاتهم للتدافع والسقوط من أعلى السياج.
"تدخل أمني عنيف"
وانتقد تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كبرى المنظمات الحقوقية المستقلة، ما وصفه بـ"التدخل العنيف" لقوات الأمن المغربية، ضد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين حاولوا اقتحام السياج الحدودي.
وقال التقرير إن قوات الأمن "استخدمت الغازات المسيلة للدموع بشكل كثيف، وبدأت في الهجوم على المهاجرين باستعمال الحجارة والقنابل الدخانية"، ما أدى لسقوط ضحايا بين المهاجرين إما بسبب الاختناق أو الإصابة بالحجارة.
وقال عمر ناجي عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذي قدم التقرير إنها "جريمة مشينة نتيجة سياسات الهجرة القاتلة التي تنتهجها السلطات الأوروبية والإسبانية والمغربية".
واعتبر التقرير أن عنف السلطات المغربية تجاه المهاجرين "الذين تخلوا عن العصي والحجارة التي كانوا يحملونها من قبل، لم تكن ردة فعل على عنف المهاجرين المسلحين كما جاء في الرواية الرسمية، وإنما كان لمنعهم بأي شكل من الوصول إلى مليلية".
وحمل التقرير المسؤولية للسلطات المغربية والإسبانية في ما حدث، مؤكداً أن التدخل العنيف "أظهر مدى التعاون المغربي الإسباني في انتهاك حقوق المهاجرين، حيث اختلطت الغازات المسيلة للدموع من الجانب الإسباني بتلك التي استعملت من طرف السلطات المغربية".
"انتهاكات بحق اللاجئين"
واستعرض تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان جملة مما وصفها بـ"الانتهاكات التي طالت طالبي اللجوء" من طرف السلطات المغربية والإسبانية.
وتحدث التقرير عن "انتهاك الحق في اللجوء"، خاصة بالنسبة لطالبي اللجوء الوافدين من مناطق تشهد نزاعات مثل السودان، وجنوب السودان وتشاد، أشارت المنظمة إلى أن غالبيتهم "سبق وأن وضعوا ملفاتهم لطلب اللجوء، لكنهم لم يتمتعوا بأية حماية في المغرب"، لافتة إلى أن السلطات المغربية "تقوم بترحيلهم إلى الحدود الجزائرية المغلقة".
كما انتقد تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان "انتهاك الحق في اللجوء من طرف السلطات الإسبانية، التي كانت تعيد على الفور طالبي اللجوء الذين اجتازوا الحاجز الحدودي".
وقدر التقرير عدد الذين تم طردهم مباشرة بعد دخول المدينة بحوالي 100 من طالبي اللجوء "سواء من طرف الحرس الإسباني أو من طرف السلطات".
وانتقد تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ما وصفه بـ"ممارسة المغرب لدور الدركي والحارس للحدود الجنوبية لإسبانيا، بتواطؤ مع السلطات الإسبانية وبمباركة الاتحاد الأوربي"، وهو ما عده التقرير "المسؤول الأول عن الانتهاكات الفظيعة التي تطال المهاجرين وطالبي اللجوء".
ودعت الجمعية إلى فتح تحقيق "نزيه" من طرف جهات مستقلة، ومحاسبة المتورطين في الحادث، مؤكداً أن على الاتحاد الأوروبي وإسبانيا تحمل مسؤولياتهم والتزاماتهم الدولية في حماية المهاجرين وطالبي اللجوء.
وناشدت المنظمة الحقوقية السلطات المغربية الكشف عن مصير المفقودين، ووقف "الترحيلات التعسفية" لطالبي اللجوء من أجل إبعادهم عن الحدود مع أوروبا، مشددة على ضرورة إطلاق سراح المهاجرين الموقوفين ووقف الملاحقات القضائية في حقهم.
وتم الحكم الثلاثاء، على مجموعة أولى من 33 مهاجراً اعتقلوا بعد مأساة مليلية في الناظور بالسجن 11 شهراً لكل منهم بتهمة "الدخول غير النظامي" إلى المغرب، وتجري محاكمة 29 آخرين أمام المحاكم المغربية.
تقرير رسمي
والأربعاء الماضي نفى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة مغربية رسمية، استخدام الرصاص ضد المهاجرين خلال أحداث مليلية، مؤكداً أن الوفيات "ترجع في أغلبها إلى الاختناق الميكانيكي والازدحام وإلى السقوط من أعلى سور السياج".
وقال تقرير المجلس إن الكشف الطبي الأولي على جثث المهاجرين أظهر أنه "لا وجود لآثار كدمات أو نزيف دموي خارجي"، مضيفاً أن "الأعراض الخارجية التي تمت معاينتها تتطابق طبياً مع حالات وفاة جراء الاختناق".
لكنه أشار إلى أن تحديد الأسباب الحقيقية التي قد تكون أدت إلى الوفاة "تستلزم إجراء تشريح طبي"، لافتاً إلى أن اللجنة الجهوية للمجلس "تتابع أطوار التشريح وتحاليل الحمض النووي" التي تجري بأمر من النيابة العامة.
وأكد تقرير المجلس أن قوات الأمن المغربية "لم تلجأ لاستعمال السلاح الناري"، ونقل عن الوكيل العام للملك (النائب العام) أن القوات العمومية "قامت بواجبها في احترام تام للقانون، ولم تلجأ لاستعمال العنف المفرط، رغم الطبيعة العنيفة للمهاجمين وعددهم الكبير، حيث كانت القوات في مواجهة مع ما يناهز ألفين من المهاجرين المسلحين بالحجارة والعصي والأسلحة البيضاء".
وكشفت الأحداث الأخيرة بمعبر مليلية وجود تغير ناشئ وجذري لطبيعة عبور المهاجرين يتسم بـ"الهجوم المباغت والمحكم التنظيم"، وفقاً لتقرير المجلس.
وأضاف التقرير أن المواجهات "شكلت سابقة في تاريخ تدفقات الهجرة على السياج الحديدي الفاصل بين الناظور ومليلية، واتسمت باستعمال العنف الحاد"، مشيراً إلى احتجاز عدد من أفراد من القوات العمومية، والمس الخطير بالسلامة الجسدية لأحدهم والاستيلاء على معداتهم.
وسجل تقرير المجلس، وجود "متغيرات كبيرة في دينامية الهجرة"، محذراً من اتساع رقعتها بسبب الفقر والجفاف والنزاعات.
ودعا المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان إلى إعمال القواعد الدولية المتعلقة بحماية جميع المهاجرين "بغض النظر عن وضعيتهم القانونية أو جنسيتهم وأينما تواجدوا"، مشدداً على أهمية التعجيل بإصدار القوانين المتعلقة بدخول وإقامة الأجانب وشروط منح اللجوء.
اقرأ أيضاً: