تشاد.. مخاوف من حرب أهلية وتحول البلاد وجهة للحركات "المتطرفة"

time reading iconدقائق القراءة - 11
جانب من الانتشار الأمني في محيط القصر الرئاسي بالعاصمة التشادية نجامينا 20 أبريل 2021 - REUTERS
جانب من الانتشار الأمني في محيط القصر الرئاسي بالعاصمة التشادية نجامينا 20 أبريل 2021 - REUTERS
دبي -خديجة حبيب

قبل نحو شهرين، توجه عناصر من الحرس الرئاسي في تشاد إلى منزل المرشح الرئاسي المعارض، يحيى ديلو (وهو واحد من 16 أعلنوا أنهم سينافسون الراحل إدريس ديبي في الانتخابات)، للقبض عليه، إلا أن القوات قُوبلت بمقاومة مسلحة، انتهت بمقتل 5 من أفراد أسرة ديلو، من بينهم والدته.

حينها قالت الحكومة التشادية إنها بصدد القضاء على تمرد مسلَّح وسط العاصمة التشادية نجامينا، ينفذه ديلو، وذلك برفضه تنفيذ أوامر استدعاء قضائية، وهو ما رد عليه الأخير بأنها كانت محاولة لاغتياله. 

ولطالما كانت العلاقة بين الرئيس الراحل، وديلو متوترة، فقد سبق للأخير أن حاول التمرد على ديبي، وقاد حركة عُرفت بـ"إسكوت" مع مجموعة كبيرة من الجيش، وكبار الضباط التابعين للحرس الجمهوري، الذين ينتمون لقبيلة الرئيس "الزغاوة"، لكن هذه الحركة فشلت.

تمرُّد تلو الآخر في سلسلة من المحاولات الفاشلة، تفرَّد من بينها التمرد العسكري الأخير الذي قادته حركة المعارضة المسلحة المعروفة بـ"جبهة التغيير والوفاق" في تشاد (فاكت) والذي أفضى إلى معركة "كانم" التي قتل على إثرها الرئيس السابق إدريس ديبي إتنو متأثراً بإصابته.

وينذر التمرد الأخير بانعكاسات داخلية، تصحبها تداعياتٌ إقليمية، خصوصاً في بلد مثل تشاد تلعب فيه الإثنيات العرقية العابرة للحدود الدور الأهم.

بوادر حرب أهلية

وقال كبير خبراء الشأن الإفريقي لدى المجلس الأطلسي الأميركي كاميرون هدسون لـ"الشرق"، إن تشاد تدخل فترة من عدم الاستقرار المتصاعد، مشيراً إلى أنه بات من الواضح أن الوضع يمثل بداية حرب أهلية، لاسيما في ظل عزم المتمردين السيطرة على العاصمة.

وأشار هدسون إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان محمد ديبي (نجل الرئيس الراحل الذي عين رئيساً مؤقتاً للبلاد)، قادراً على الحفاظ على وحدة الجيش.

ولفت إلى أنه على الرغم من وجود مجموعة من الجنرالات الموالين لمحمد ديبي، إلا أن المؤسسة العسكرية بدأت تظهر بعض الانقسامات.

وجهة لحركات التمرد

ورجح الخبير في الجماعات الإرهابية الهادي محمد الأمين، أن تصبح تشاد وجهة لبعض مجموعات المرتزقة في ليبيا بعد طردها من الأراضي الليبية، خصوصاً وأن الأوضاع في تشاد تنعدم فيها الصلابة الأمنية، وسط حالات الترقب والحذر التي أبدتها العواصم الإفريقية، والشركاء الدوليون. 

واعتبر الأمين أن الأوضاع في تشاد قابلة للانفجار، فالمجلس العسكري سيتم خنقه وتطويقه من الشمال، والشرق ولن يستطيع الصمود أمام زحف المعارضة المسلحة، وقوات الفصائل المتطرفة التي ستجعل من تشاد "نطاقاً حيوياً" و "جبهة جديدة".

وأشار إلى أن مقتل دبيي يعد أحد العوامل المحفزة لنمو وتصاعد واتساع رقعة انتشار الجماعات المتطرفة واتصالها وتنسيقها مع الفصائل المسلحة الناشطة في النيجر وشمال مالي حيث تنشط تنظيمات "القاعدة"، و"أنصار الدين"، و"التوحيد والجهاد"، و"داعش غرب إفريقيا".

مفترق أمني للقارة

واعتبر الأمين أن أحداث تشاد تعد مفترقاً أمنياً للقارة الإفريقية، بسبب موقع تشاد كدولة وسطى في إفريقيا، تربطها امتدادات حدودية مع العديد من الدول في غرب القارة وشرقها، إلى جانب كونها منطقة عبور، واستقطاب إثني، وقبلي مع مجموعات حدودية في السودان وليبيا.

وتشرح منطقة "كانم" التي وقعت فيها المواجهات الأخيرة التي أدت لمقتل ديبي، شيئاً من هذا التداخل، كما يقول الهادي، فهي تقع تحت سيطرة قبيلة أو إثنية "التبُّو" الذين يتحركون في فضاءات واسعة في أواسط الصحراء الكبرى، وشمال تشاد، وجنوب ليبيا، وشمال شرق النيجر، كما أن لهم ارتباطات بشمال مالي في منطقة الأزواد التي تقطنها قوميات عربية.

كيف اكتسبت تشاد مكانتها؟

وتنشأ التداعيات الخطيرة لأحداث تشاد من المكانة الجيوسياسة المهمة لها والتي سعى الرئيس الراحل إدريس ديبي إلى تكريسها طيلة فترة بقائه في السلطة التي استمرت 30 عاماً.

ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية الإفريقية، آيت إدريس، أنه منذ بواكير العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اقترن اسم تشاد بالنشاطات التي ترمي إلى مكافحة التطرف، حتى اكتسب الرئيس إدريس ديبي لقب "Gendarme du Sahel"، الذي يعني "شرطي الساحل".

وتابع إدريس: "عطفاً على محاربة ديبي لحركات التمرد الداخلي، فإنه وسع أيضاً نقاط عمليات تشاد، من خلال إرسال العديد من عناصر الجيش إلى مناطق الصراع في الساحل، بما في ذلك القوات التي أوقفت زحف الجماعات المسلحة في مالي باتجاه العاصمة باماكو في 2013".

كما تحارب القوات التشادية في منطقة "بحيرة تشاد" التي تضم إلى جانب تشاد 3 دول أخرى، هي النيجر، والكاميرون، ونيجيريا".

ويشير آيت إدريس إلى أن هذا التميز التشادي أتاح مكانة خاصة لديبي لدى القوى المحلية والدولية التي رأت فيه "حليفاً قوياً".

مخاوف الانعزالية العسكرية

لكن مع خروج إدريس ديبي من المشهد، تبدو هذه الوضعية الحساسة لتشاد كعنصر ضبط أمني في منطقة الساحل وغرب إفريقيا مهددة.

وطمأن المجلس العسكري الذي سيدير البلاد خلال الفترة الانتقالية، الحلفاء الإقليميين والدوليين بأنَّ تشاد ستبقى عند عهودها والتزاماتها كلها.

 ونحى محمد المهدي علي، زعيم جبهة الوفاق المتمردة، المنحى نفسه في العديد من بيانات الجبهة، مؤكداً للحلفاء الإقليميين في "مجموعة الساحل الخماسية" التزام الجبهة بإبقاء الجيش التشادي في مهامه العسكرية على الحدود.

كما خصَّت الجبهة كلاً من فرنسا والولايات المتحدة ببيان، جددت فيه تمسكها بالتعاون السابق معهما كحلفاء دوليين، إن هي حققت مسعاها لإسقاط النظام في نجامينا.

لكن هذه التطمينات لا تبدو كافية للحلفاء الذين يخشون، بحسب آيت إدريس، أن يصل إلى السلطة فصيل من قوى المعارضة المدنية التي انتقدت أكثر من مرَّة تدخلات تشاد العسكرية، معتبرة أنها تأتي في سبيل "التظاهر وإشباع رغبة متزايدة لرئيس الدولة الراحل الذي نصَّب نفسه حامياً للمنطقة لتحقيق مجد شخصي".

وتنتقد شخصيات سياسية وعسكرية في تشاد التدخلات الخارجية للبلاد في عهد الرئيس الراحل. من بين هؤلاء ابنه الأكبر رئيس الأركان السابق آدم إدريس ديبي الذي ترك منصبه في 2018 وغادر البلاد، في خلافٍ مع والده، بشأن إرسال القوات التشادية إلى مالي، مبرراً موقفه بأنّ "إرهابيي مالي لا يشكلّون تهديداً لأمن تشاد".

وبسبب هذا الخوف من تمكن حكومة مدنية قد تسحب القوات التشادية من ساحة المعركة ضد الجماعات المسلحة في الساحل، التزمت دول الساحل الصمت، كما يقول آيت إدريس، حيال إجراءات المجلس العسكري الانتقالي غير الدستورية، إذْ تخشى المجازفة بدعم سلطة مدنية ديمقراطية تتميَّز بالانعزالية العسكرية، خلافاً لنهج الرئيس الراحل إدريس ديبي.

 وأشار آيت إدريس إلى أن هذا ما يفسر أيضاً غياب الضغط الأقصى من الحلفاء الأوروبيين على المجلس العسكري، إذ فضلوا الإبقاء على الوضع الراهن، والرهان على المجلس باعتباره الورقة الرابحة التي تتماشى مع روح "مجموعة الساحل الخماسية".

أولويات الديمقراطية والأمن

لكن هذا الاعتماد الإقليمي والدولي على إرث ديبي، يجعل فرنسا والولايات المتحدة تفكران، كما يقول كاميرون هدسون في طريقة للموازنة بين مصالحهما الأمنية في المنطقة، التي تعد تشاد مسؤولة عنها لأكثر من عقد من الزمان، والرغبة في أن تكون هناك مرحلة انتقالية سلمية، ديمقراطية، تكون أكثر ضماناً لهذه المصالح على المدى البعيد.

ولفت هدسون إلى أن ذهاب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون لحضور مراسم دفن الرئيس ديبي، تأتي أيضاً لتقييم المرحلة الانتقالية، ومعرفة ما سوف تفعله فرنسا لديبي الابن، مشيراً إلى باريس هي من سيحدد الخطوة التالية، لأنها أول من تحرك.

وأبدى هدسون خشيته من ترجيح باريس وواشنطن للمصالح الأمنية قصيرة الأمد، التي يمكن لنجل ديبي أن يضمنها، على حساب التحول الديمقراطي طويل الأمد، مشيراً إلى أن هذه المقاربة ستسفر عن الكثير من عدم اليقين في الفترة المقبلة.

وبعد مقتل ديبي تم إنشاء مجلس عسكري بقيادة ابنه محمد، في مخالفة للدستور، الذي ينص على أن رئيس البرلمان يفترض أن يتولى المنصب في حال شغور منصب الرئيس، لكن الرئاسة التشادية أصدرت "ميثاقاً انتقالياً" سيلغي دستور البلاد ويكون بمثابة "القانون الأساسي للجمهورية".

وكان المجلس العسكري الخاضع للسيطرة المؤقتة، أعلن بالفعل أن نجل الرئيس إدريس ديبي محمد سيتولى مقاليد السلطة.

ووقع محمد إدريس ديبي، مرسوماً، الثلاثاء، يكلف المجلس العسكري بقيادة فترة انتقالية مدتها 18 شهراً نحو "انتخابات حرة وديمقراطية"، ويسميه "الرئيس الأعلى للقوات المسلحة" و"سيتولى مهام رئيس الجمهورية" بالإضافة إلى رئاسة مجلسي الوزراء والدفاع.