
سحب الرئيس الكولومبي إيفان دوكي، خطة للإصلاح الضريبي تزيد الأعباء على كثيرين من مواطنيه، بعدما أدت إلى صدامات دامية في الشوارع وأزمة سياسية في البلاد، لكنه أصرّ على أن هذا الإصلاح لا يزال ضرورياً لضمان الاستقرار المالي.
وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأن الزيادات الضريبية كانت تستهدف الدفاع عن التصنيف الائتماني الاستثماري لكولومبيا، ومعالجة ارتفاع مفاجئ في نسبة الفقر، الناجم عن فيروس كورونا المستجد.
وأضافت أن دوكي دعا النواب إلى التوصّل بشكل عاجل إلى توافق بشأن اقتراح جديد يساعد البلاد على سدّ فجوة مالية متفاقمة. وأشارت إلى ضعف السندات والعملة في البلاد في الأسابيع الأخيرة، بعدما واجهت خطط أعدّتها الحكومة رفضاً من المؤسسة السياسية بأكملها تقريباً، بما في ذلك حزب دوكي.
وتُعدّ كولومبيا من بين أوائل الأسواق الناشئة الأساسية التي حاولت فرض زيادات ضريبية ضخمة، للسيطرة على عبء متضخم لديونها. وقد تواجه بلدان أخرى في المنطقة صعوبات مماثلة، في محاولتها لزيادة الإيرادات في اقتصادات لا تزال تعاني من كورونا، ولا ترى تعافياً وشيكاً من ركود عانته العام الماضي.
خطة إصلاح وتحفيز
وذكرت "بلومبرغ" أن دولاً كثيرة في أميركا اللاتينية تكافح أيضاً مع عجز اتسع أثناء الجائحة. ولكن على عكس البرازيل والمكسيك وتشيلي والبيرو، فإن العجز سيتسع في كولومبيا، بدلاً من أن يضيق هذا العام، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.
أما وكالة "فرانس برس" فأفادت بأن خطة الإصلاح الضريبي تستهدف تحفيز رابع أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، المتضرّر بشدة من كورونا، بعد تراجع إجمالي ناتجه المحلي بنسبة 6.8% في عام 2020. واستدركت أنها تواجه رفضاً من المعارضة والنقابات وجامعيين وقطاعات أخرى، تعتبر أنها تستهدف الطبقة الوسطى. كذلك برزت انتقادات من داخل الحزب الحاكم، وحلفائه.
وتخلّى دوكي عن الخطة، في خطاب إلى الأمّة وجّهه الأحد، بعد أقلّ من 3 أسابيع على تقديمها إلى الكونغرس، المشكّك ببنود كثيرة. وتصاعدت الضغوط في الأيام الأخيرة، إذ تظاهر آلاف من الكولومبيين، في احتجاجات أوقعت 6 قتلى.
"الإصلاح ليس نزوة"
ودعا دوكي الكونغرس إلى إعداد خطة جديدة بسرعة، و"بالتالي تجنّب عدم اليقين المالي". وأضاف: "الإصلاح ليس نزوة. الإصلاح أمر لا بدّ منه"، وفق "بلومبرغ".
واعتبر الرئيس أن مشروع القانون الجديد يجب أن يحافظ على الإجراءات التي تحمي الفقراء، مع زيادة الضرائب على الأغنياء. والتخلّى عن بعض من أكثر الأفكار التي لا تحظى بشعبية، مثل توسيع ضريبة القيمة المضافة لتشمل سلعاً وخدمات إضافية، وإخضاع المزيد من الطبقة الوسطى لضريبة الدخل.
كذلك دعا دوكي إلى فرض ضرائب مؤقتة، بما في ذلك على الشركات والأثرياء والأرباح. وأضاف أن على الأفراد ذوي الدخل المرتفع أن يدفعوا أكثر، مشدداً على وجوب أن تشدد الحكومة إجراءات التقشف.
ونقلت وكالة "رويترز" عن دوكي قوله إن الأحزاب السياسية والمسؤولين المحليين وقادة الأعمال والمجتمع المدني، ساهموا بأفكار قيّمة خلال الأيام الماضية. وتابع: "إنها لحظة بالنسبة إلينا جميعاً، للعمل معاً من دون خبث".
"المواطنون لن يقبلوا حيلاً"
وحذر المصرف المركزي الجمعة، من تأثير سلبي محتمل على الاقتصاد، نتيجة الامتناع عن تنفيذ هذا الإصلاح.
وأشاد نواب والنقابات وجماعات أخرى بإعلان دوكي، متحدثين عن نصر، فيما شهدت شوارع احتفالات شعبية. وكتب السيناتور اليساري إيفان سيبيدا على "تويتر": "الشباب، والمنظمات الاجتماعية، والمواطنون المحتشدون، تكبّدوا قتلى وهزموا الحكومة. آمل بألا تطرح الحكومة الإصلاح ذاته مع تعديلات شكلية. المواطنون لن يقبلوا حيلاً".
وقال الناشط البيئي خوليان نارانخو، خلال مشاركته في تظاهرة ببوغوتا: "إنه أمر لا يُصدّق، نحن في خضمّ أزمة (والحكومة تقرّر) إجراء تعديل ضريبي يزيد إفقار الناس"، وفق "فرانس برس".
ونقلت "بلومبرغ" عن كاميلو بيريز، أبرز المحللين في "بانكو دي بوغوتا"، قوله إن قرار التخلّي عن خطة الإصلاح الضريبي يُظهر ضعف حكومة دوكي، وعجزها عن الحصول على إجماع في الكونغرس.
مخاوف مستثمرين
وأشارت الوكالة إلى بيع مستثمرين أصولاً مالية كولومبية، منذ تقديم مشروع القانون في منتصف أبريل الماضي، مرجّحين أن تفقد البلاد مكانة الدرجة الاستثمارية. وقال بيريز: "كانت الأسواق تسعّر خسارة كولومبيا لدرجة الاستثمار، لكن أخبار اليوم تؤكد هذا السيناريو".
ولا إحصاء رسمياً حتى الآن لعدد الوفيات المرتبطة بالاحتجاجات، في ظلّ عمليات نهب وتدمير لوسائل النقل العام، وإغلاق طرق في مدن. وأعلن المدعي العام أنه يحقق في 14 حالة وفاة، فيما اتهمت منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان الشرطة بارتكاب انتهاكات، لا سيّما في كالي، مشيرة إلى أن عدد القتلى يزيد عن 20، وفق "رويترز".