لهذا "تردد" شولتز طويلاً قبل تزويد أوكرانيا بدبابات ألمانية

time reading iconدقائق القراءة - 10
المستشار الألماني أولاف شولتز يتحدث مع جنود أمام دبابة طراز "ليوبارد 2" أثناء زيارة للجيش الألماني خلال مناورات تدريبية في أوستينهولتس شمالي ألمانيا. 17 أكتوبر 2022 - AFP
المستشار الألماني أولاف شولتز يتحدث مع جنود أمام دبابة طراز "ليوبارد 2" أثناء زيارة للجيش الألماني خلال مناورات تدريبية في أوستينهولتس شمالي ألمانيا. 17 أكتوبر 2022 - AFP
دبي- الشرق

تصدر مستشار ألمانيا أولاف شولتز عناوين الأخبار مجدداً في الأيام الماضية، على خلفية تغيير موقفه بشأن إرسال دبابات "ليوبارد 2" الألمانية إلى أوكرانيا، وهو التردد الذي رأت مجلة "بوليتيكو" الأميركية، أن جذوره تعود إلى "ماضي شولتز" خلال الحرب الباردة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في أوائل يناير 1984، سافر شولتز، الشاب الاشتراكي الطموح ذو الشعر المجعد المنسدل حتى كتفيه من ألمانيا الغربية بالقطار إلى برلين الشرقية مع رفاقه لحضور اجتماع مهم، في وقت كانت الأوضاع في تلك المرحلة من الحرب الباردة بالغة التوتر في خضم سباق تسلح محموم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

ورغم ذلك، حظي شولتز ورفاقه بحفاوة بالغة، وتجنبوا القسوة المعهودة من قبل جنود حرس الحدود في ألمانيا الشرقية، لأنه كان في نهاية المطاف "صديقاً".

وفي الاجتماع الذي ضم الشباب الاشتراكيين والقيادة الشيوعية لألمانيا الشرقية، كان شولتز الشاب، وهو طالب في منتصف العشرينات يدرس القانون في هامبورج، جالساً قبالة إيجون كرينز، تلميذ زعيم ألمانيا الشرقية إريش هونيكر.

وذكرت الصحيفة أن تفاصيل هذه الزيارة برزت في برنامج الأخبار الرئيسي في تلفزيون ألمانيا الشرقية آنذاك، كما تصدرت اليوم التالي الصفحة الأولى من صحيفة "نويس دويتشلاند" التابعة للنظام الشيوعي.

وفي بداية الثمانينات، اجتمع شولتز والشيوعيين على هدف مشترك، هو "منع الولايات المتحدة من نشر صواريخ نووية متوسطة المدى في أوروبا".

وأثارت خطط الولايات المتحدة آنذاك، التي حفزتها خطوة مماثلة من السوفييت، موجة من أكبر وأعنف الاحتجاجات التي شهدتها ألمانيا الغربية منذ عقود.

كان منظمو الاحتجاجات، ومن بينهم شولتز، الذي كان نائباً لزعيم "حركة الشباب الاشتراكيين"، ينظرون إلى الرئيس الأميركي آنذاك، رونالد ريجان على أنه "مندفع ومتهور"، وكانوا يخشون من أنه "ربما يشعل فتيل حرب نووية".

وفي اللقاءات التي جمعتهم بمسؤولين في ألمانيا الشرقية، دعت مجموعة شولتز الاتحاد السوفييتي إلى "الرد بالمثل" عن طريق "وضع شيء ما (أسلحة نووية) على أعتاب الولايات المتحدة"، لأن الصواريخ السوفيتية الموجهة صوب أوروبا "لم تكن تشكل تهديداً رادعاً لواشنطن"، بحسب تقرير مفصل عن الزيارة أعدته الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية "ستازي".

"طيش شباب"

خلال الثمانينات، قام شولتز بـ9 رحلات على الأقل إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) من بينها زيارته عام 1986 الرئيس إيكون كرينز، الذي خلف هونيكر قبيل سقوط سور برلين.

ودين كرينزل في 1997 بالقتل غير العمد في 4 قضايا مرتبطة بقتل ألمان شرقيين كانوا يحاولوا الهروب من البلاد.

وبحسب "بوليتيكو"، اعتاد شولتز، الذي شغل منصب وزير المالية في حكومة المستشارة أنجيلا ميركل الأخيرة، قبل أن يخلفها نهاية عام 2021 "التهرب بدرجة كبيرة" من التساؤلات المتعلقة بتعاملاته في ألمانيا الشرقية، بما في ذلك الملابسات المحيطة بزيارة لساونا، أثناء رحلة استجمام مع قادة الشباب الشيوعين في 1983، استمرت أسبوعاً كاملاً.

ولفتت الصحيفة إلى أن أنصار شولتز وصفوا تاريخه كـ"ماركسي حاول القضاء على الرأسمالية" على أنه "طيش شباب"، وقالت إنهم (أنصاره) يشيرون دائماً إلى مسيرته السياسية اللاحقة التي اعتبر فيها معتدلاً.

واعتبرت الصحيفة أن ثمة أوجه تشابه إلى حد كبير بين رفض شولتز "لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه روسيا بشأن أوكرانيا من جانب، وحماسته الشبابية للاشتراكية واللواء الذي يقوده الاتحاد السوفييتي، الذي اقترن بمشاعر عداء شديد للولايات المتحدة".

بعد أشهر من المقاومة العنيدة، أفسح شولتز، الأربعاء، المجال أمام ألمانيا ودول أخرى تمتلك دبابات "ليوبارد 2" الألمانية لإرسالها إلى أوكرانيا.

ورغم الترحيب بتغيير موقفه، إلا أنه يأتي بعد أن أثار خلافاً محموماً داخل حلف شمال الأطلسي "اناتو"، وعلى مستوى التحالف الذي يقوده في ألمانيا بشأن هذه القضية.

وبالنسبة إلى شولتز ورفاقه في الثمانينات، كان الشيوعيون (حينها) يمثلون الحلفاء، فيما كان "ناتو" يمثل العدو، حتى أن شولتز، الذي كان يُنظر إليه باعتباره يسارياً داخل "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، دفع حزبه إلى النظر في خروج ألمانيا الغربية من الحلف الذي وصفه بأنه "عدائي وإمبريالي"، وفقاً لـ"بوليتيكو".

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما ضغط حلفاء ألمانيا على برلين لإلغاء اعتراضها عن إرسال دبابات ميدانية ألمانية الصنع إلى أوكرانيا، افترض مسؤولون ومحللون غربيون أن هذه المقاومة تضرب بجذورها في تاريخ ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وغزوها الاتحاد السوفييتي.

"أشباح الحرب العالمية"

"تبدو حجة الخوف من استعادة أشباح الحرب الباردة، حجة جوفاء عند النظر إلى ملايين الأوكرانيين الذين قتلتهم ألمانيا في الحرب" بحسب "بوليتيكو"، التي أشارت إلى أنه إذا كانت "أشباح الحرب العالمية الثانية توجه حقاً سياسات شولتز، فإنه يتعين عليه بالقدر نفسه أن يفعل كل ما في وسعه للدفاع عن أوكرانيا".

ومع ذلك، تبقى "البطاقة النازية" أداة فعالة في يد ألمانيا للتنصل من مسؤوليتها تجاه أمن أوروبا، ويعرف شولتز أكثر من غيره الأزرار التي يمكنه الضغط عليها في الداخل والخارج، وفقاً لـ"بوليتيكو".

ولا يغير ذلك من حقيقة أن آراء شولتز وأفعاله تشكلت بدرجة أكبر بالحرب الباردة والخوف من استعداء روسيا.

ولا يقف شولتز وحيداً في هذا الخندق، فقائد الديمقراطيين الاشتراكيين المناصرين لشولتز في البرلمان الألماني رولف موتزينيتش، وهو في سن المستشار الألماني، قضى عقوداً في محاولة تخليص ألمانيا من الأسلحة النووية الأميركية.

وفي خضم الجدل المحموم حول الدبابات، اضطلع موتزينيتش بدور محوري في الدفاع عن رفيقه القديم.

روايات الحرب الباردة

وتضرب مقاربة شولتز وموتزينيتش لروسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين بجذورها في الرواية الألمانية السائدة بشأن الأسباب التي أدت إلى إسدال ستار الحرب الباردة، ودفعت إلى إعادة توحيد ألمانيا.

ففي التصور الألماني، كانت "أوستبوليتيك" أو "علاقات التقارب"، أو سياسات الوفاق التي وضعها المستشار فيلي برانت في أوائل سبعينات القرن الماضي، هي ما دفع إلى ذلك، إذ يرون أن "انخراط ألمانيا مع السوفيت على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي هو ما أفضى إلى النهاية السلمية للحرب الباردة وليس عدوانية ريجان".

وأوضحت "بوليتيكو" أن "هذه الرؤية لا تقف على طرفي النقيض من الفهم التاريخي للولايات المتحدة لتلك الفترة فحسب"، وإنما تتناقض أيضاً مع ما يعتقده معظم الأوربيين الشرقيين.

فبالنسبة إلى بولندا، على سبيل المثال، "كانت شجاعة حركة التضامن للوقوف في وجه الشيوعيين هي ما أدى إلى التغيير".

ومع ذلك،أصبح تصور ألمانيا للأسباب التي دفعت إلى نهاية الحرب الباردة وكيفية حدوث هو "الحقيقة التي تؤمن بها، وتوجه كلا من صناعة السياسة والرأي العام بداخلها".

سياسة ميركل

وذكّرت "بوليتيكو" بإصرار المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل على مدى سنوات على مواصلة "حوار" غير مثمر مع بوتين بدلاً من الوقوف في وجهه.

وقالت إن شولتز أيضاً أظهر أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعول الحلفاء فيه على ألمانيا هو أنها سوف "تقدم قدماً وتؤخر الأخرى، وتحلل كل قرار، كبيراً كان أو صغيراً، ثم تلعب دور ما يحب أن يطلق عليه الألمان beleidigte Leberwurst (تعني نقانق الكبد، وهو قول ألماني للسخرية من الشخص الذي يشعر بالإهانة في معظم الأحيان بلا سبب واضح)" للمطالبة بمزيد من "الاحترام".

ورغم ما أبداه شولتز من استعداد لإرسال دبابات إلى أوكرانيا، فإن ذلك "يأتي بعد عام من الضغوط"، بحسب الصحيفة، التي أشارت إلى أنه "ربما لا يكون رفاق بوتين الاشتراكيين السابقين في برلين مستعدين لتجاهل الفظائع التي ارتكبها الزعيم الروسي في أوكرانيا، ولكن، وفقاً لما أثبته المستشار الألماني خلال العام الماضي، يستطيع الرئيس الروسي، على أقل تقدير، أن يعول عليهم في أن يوفروا له مزيداً من الوقت".

ولفتت "بوليتيكو" إلى أن وزراء شولتز يعلنون الآن أن "كل ما ينتهي على نحو جيد يعد جيداً".

وربما يمنح هذا المستشار الألماني والمقربين منه "بعض الراحة"، وفقاً للمجلة، التي شددت على أنه بالنظر إلى "المذبحة اليومية" التي يواجهها الأوكرانيون على الخطوط الأمامية بسبب تأخير الأسلحة، فإن هذا الإحساس بالراحة "لا ينبغي أن يكون".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات