أُسست بعد "11 سبتمبر".. "الإرهاب الداخلي" تحدٍ جديد أمام وزارة الأمن الداخلي الأميركية

time reading iconدقائق القراءة - 12
رجل يقف أمام نصب تذكاري في محيط مكان إطلاق النار قرب متجر وول مارت في إل باسو بتكساس - 6 أغسطس 2019 - REUTERS
رجل يقف أمام نصب تذكاري في محيط مكان إطلاق النار قرب متجر وول مارت في إل باسو بتكساس - 6 أغسطس 2019 - REUTERS
دبي-الشرق

في صبيحة أحد أيام السبت في أغسطس 2020، دخل شاب أبيض، متجر "وولمارت" المزدحم بمدينة "إل باسو"، "بعد أن قطع مئات الأميال عبر ولاية تكساس لتنفيذ إرادته في قتل اللاتينيين"، حسبما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن المدعين العامين.

الشاب البالغ من العمر 21 عاماً، والذي كان يرتدي واقياً للأذن ونظارة أمان، يحمل في يده بندقية من طراز "AK 47"، فضلاً عن كمية كبيرة من الذخيرة، كان يحتفظ بها في ملابسه. 

في هذ اليوم، كان كيفين مكالينان، القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي، في نزهة في كوست غارد بولاية فرجينيا، وسرعان ما بدأت الرسائل العاجلة تتوالى، وانطلق بداخله شعور جارف بالهلع بعد أن تجلى له هول الهجوم الذي وصفه بأنه "كان مدمراً"، إذ أودى أسوأ هجوم على الأميركيين اللاتينيين في التاريخ الأميركي الحديث بحياة 23 مواطناً.

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، قالت إن حوالي 5 آلاف موظف في وكالة الجمارك وحماية الحدود، يقطنون إل باسو، فيما فقد 6 منهم أفراداً من عائلاتهم في ذلك اليوم.

ماكلينان القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي، يصف انطباعاته عن ذلك اليوم قائلاً "كان أمراً مسيئاً للغاية، أن نتعرض لهجوم فردي في إحدى القواعد المحلية للوكالة التي نعمل بها، خاصة أنه كان موجهاً ضد الأميركيين اللاتينيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من العاملين في هذه المنطقة"، "لقد بلور الهجوم جهداً كان يتصاعد في مجتمعنا بالفعل".

التحول إلى الداخل

على مدى سنوات قبل هجوم "إل باسو"، كانت وزارة الأمن الداخلي، التي شُكلت خصيصاً لمنع وقوع هجمات "11 سبتمبر" أخرى، تعاني من ضغوط متزايدة لبذل مزيد من الجهود للتصدي لـ"الإرهاب المحلي".

وفي غضون 7 أسابيع من مذبحة "إل باسو"، دشن مكالينان خطة لـ"مكافحة الإرهاب والعنف الموجه"، والتي ترقى إلى مستوى خارطة طريق لتحويل اهتمام الوزارة من التهديدات الخارجية إلى التهديدات الداخلية.

كانت هذه هي المرة الأولى التي حددت فيها وزارة الأمن الداخلي حدود الخطر الذي يفرضه المتطرفون المحليون والعنصريون البيض الذين ينتهجون العنف، بحسب "واشنطن بوست". 

لكن الخطة لم تحظ باهتمام لائق من البيت الأبيض، على الرغم من أن وزارة الأمن الداخلي بدأت تتحدث مباشرة عن تهديدات داخلية.

لم تحدث هذه الجهود فرقاً كبيراً في 6 يناير الماضي، عندما وقفت الوزارة مع عدة وكالات فيدرالية مكتوفة الأيدي أمام مشهد اجتياح أنصار الرئيس السابق دونالد ترمب، مبنى الكابيتول.

ومنذ ذلك اليوم، تعالت النداءات والدعوات لتحول وزارة الأمن الداخلي انتباهها بشكل قاطع صوب الداخل، وبذل المزيد لحماية الأميركيين من أميركيين آخرين.

وفي أعقاب هجوم الكابيتول، أصر كثير من المشرعين، خاصة الديمقراطيين، على أن تهديد جماعات الإرهاب الداخلي تجاوز خطر الجماعات الإرهابية الخارجية، مثل تنظيمي "داعش"، و"القاعدة".

وتتحمل وزارة الأمن الداخلي والوكالات التابعة لها مسؤولية تأمين الحدود، والموانئ، ووسائل النقل، والأنظمة السيبرانية، تاركة بوجه عام، مهمة مراقبة الجماعات المتطرفة وتحقيقات الإرهاب لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

وعلى الرغم من ذلك، يبلغ عدد العاملين في وزارة الأمن الداخلي، 8 أضعاف أقرانهم في مكتب التحقيقات الفيدرالي تقريباً، ودفعت المطالبات بقيام الوزارة بدور أكبر في مجال مكافحة الإرهاب الداخلي، صانعي السياسات الأميركية إلى البحث عن طرق جديدة للاستعانة بموارد الوزارة للاستفادة منها في مواجهة إرهاب الداخل، وفق ما أوردته صحيفة "واشنطن بوست".

تحذيرات

وأثار هذا التوجه بعض المخاوف المتعلقة بالحقوق المدنية التي ظهرت عقب إنشاء الوزارة باعتبارها بيروقراطية أمنية داخلية كبرى ذات صلاحيات موسعة، وأضاف احتمال قيام الوزارة بعمليات تدقيق تتعلق بالأميركيين، إلى عدم الشعور بالراحة، لأن توفير الأمن الداخلي يكون أقل إثارة للجدل عندما تكون التهديدات خارجية.

ولأول مرة، الشهر الماضي، استخدمت وزارة الأمن الداخلي "المنظومة الاستشارية القومية لمكافحة الإرهاب"، لتحذير الأميركيين من هجمات محتملة من قبل جماعات محلية، وتحدثت عن "بيئة تهديد متزايدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة" في نشرة أصدرتها بعد أسبوع واحد من تنصيب الرئيس جو بايدن.

وجاء في التحذير أن "متطرفين ينتهجون العنف لدوافع أيديولوجية، لديهم اعتراضات على ممارسات السلطة الحكومية والانتقال الرئاسي، إلى جانب بعض المظالم التي تؤججها سرديات زائفة، يمكن أن يواصلوا الحشد للتحريض على العنف أو ارتكابه"، وفقاً لما نقلته "واشنطن بوست".

تحركات تشريعية

ولطالما أصر النائب بيني ثومبسون، رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، على أن وزارة الأمن الداخلي يجب عليها حماية الأميركيين من المخاطر الكبرى التي يواجهونها، وقال إن "الإرهابيين الداخليين والعنصريين البيض يمثلون التهديد الأكثر إلحاحاً والأشد فتكاً".

وقال ثومبسون، في مقابلة مع الصحيفة: "كثيرون منهم يتخفون وراء أقنعة الوطنية أو المواطنة، لكن السؤال هو: ماذا يناصرون؟ إنه العنف، والإطاحة بمسؤولين تم انتخابهم بالطرق الديمقراطية المشروعة".

وأضاف: "في رأيي، هؤلاء الأفراد الذين يحاولون فرض التغيير بالعنف هم إرهابيون محليون، وعلينا أن نحدد هوياتهم وأن نقاضيهم إلى أقصى حد يسمح به القانون".

وخلال جلسة استماع عقدها ثومبسون في وقت مبكر من هذا الشهر، أيد مشرعون من  الحزبين إصدار تشريع جديد للتصدي للإرهاب المحلي على وجه التحديد، إذ حذر خبراء من أن الهجوم على مبنى الكابيتول صار يُنظر إليه باعتباره "نصراً مؤزراً" حققه المتطرفون، و"لحظة فاصلة في مسيرة العنصريين البيض".

وانضم النائب مايكل ماكول، الرئيس السابق للجنة، إلى المشرعين المطالبين بتوقيع عقوبات فيدرالية على الإرهاب المحلي، يُحتمل أن تكون نفس العقوبات المطبقة على الإرهاب القادم من الخارج، إذ يمكن أن يتضمن هذا التشريع عقوبات على تقديم الدعم المادي للجماعات المحلية وتحميل شركات التكنولوجيا مسؤولية المحتوى العنيف والمتطرف المنشور على منصاتها. 

وقال ماكول: "أعتقد أن هذا يبعث برسالة قوية حول موقف الكونغرس من التعامل مع الإرهاب المحلي والإرهاب الدولي على قدم المساواة كوجهين لعملة واحدة".  

إمكانات كبيرة غير مستغلة

وأفادت "واشنطن بوست" بأنه على عكس الصورة الرائجة، لا تمتلك وزارة الأمن الداخلي وحدة دائمة من العملاء المسلحين الذين يحملون تفويضاً بوقف الإرهاب المحلي، لكنها لديها، بدلاً من ذلك، وكالات وبرامج يمكن أن تتوسع لتكريس مزيد من الاهتمام وتوجيه مزيد من الموارد صوب مواجهة المخاطر التي يشكلها المتطرفون المحليون.

فمن ناحية، يضطلع "مكتب الاستخبارات والتحليل" بوزارة الأمن الداخلي بجمع المعلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالات إنفاذ القانون الحكومية والمحلية لإعداد ونشر التقارير الخاصة بالتهديدات. لكن موظفيه تعوزهم التدريبات والخبرات المتوافرة لدى محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ولهذا السبب، وفقاً للصحيفة الأميركية، فشل المكتب في إصدار تحذير خاص بشأن إمكانية اقتحام جماعات يمينية متطرفة مبنى الكابيتول في محاولة للإبقاء على الرئيس دونالد ترمب في السلطة.

ومن ناحية أخرى، يمتلك مكتب "تحقيقات الأمن الداخلي"، وهو فرع عن "وكالة الهجرة والجمارك"، حوالي 6 آلاف عميل، ينتشرون في جميع أنحاء البلاد ويضطلعون بالتحقيق في تهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، والسلع أو العملات غير المشروعة، ومع ذلك، لا يصرف المكتب جهوده في قضايا مكافحة الإرهاب المحلي، على الرغم من أنه يمثل ذراعاً  مسلحة في وزارة الأمن الداخلي يمكن أن يكون لها، على المستوى النظري، دور عملي أكبر، في إيقاف الإرهابيين المحليين والعنصريين البيض.

ويقدم "مكتب العنف الموجه ومنع الإرهاب" في وزارة الأمن الداخلي، والذي أُسس عام 2019 لمواجهة الخطر المتفاقم من فاعلين محليين، مثل المتطرفين العنيفين المدفوعين عرقياً وإثنياً، بمن فيهم المتطرفون العنيفون في جماعات العنصريين البيض، والمتطرفون العنيفون المناهضون للسلطة، وغيرهم، أكثر الاستجابات الملموسة في جانب مكافحة الإرهاب الداخلي.

وعلى الرغم من ذلك، يعتبر عمل هذا المكتب وقائياً في المقام الأول وليس تحقيقياً، إذ يقدم منحاً لبرامج إنفاذ القانون على مستوى الولايات أو على المستوى الوطني، وإصدار تقييمات بشأن التهديدات. كما يبقى المكتب بوجه عام محدوداً، إذ لا يتعدى العاملون به 30 موظفاً، لكن من المتوقع أن يتوسع في السنوات المقبلة، عن طريق الحصول على تمويل أكبر من الكونغرس، وفقاً لـ"واشنطن بوست".

وفي مقابلة مع الصحيفة، قال توم ريدج، أول وزير في وزارة الأمن الداخلي، إنه "في عالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر، كان الإرهاب الأجنبي هو مصدر التهديدات"، مضيفاً: "كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي إيه) والجيش هما رأس الحربة، وقمنا بتجسير الفجوة الدفاعية، لكن الآن توجد صفة أخرى أمام كلمة الإرهاب، وهي: المحلي".

خطر الانكفاء على الداخل

كان الفشل الذريع لوكالات إنفاذ القانون والأمن في مشاركة المعلومات بشكل صحيح قبل 11 سبتمبر هو المبرر لإنشاء وزارة الأمن الداخلي. لذا، فإن التحدي المباشر والعاجل أمام الوزارة يتمثل في التنسيق بين الوكالات الفيدرالية المتعددة التي تجمع وتتبادل المعلومات عن الجماعات المحلية، كما نقلت "واشنطن بوست" عن ريدج.

لكن ريدج حذر من أن تنشغل وزارة الأمن الداخلي عن التهديدات الخارجية وأولوياتها الأخرى، موضحاً أن "ما لا يفهمه البعض، ويحتاجون إلى أن يفهمونه، هو أن وزارة الأمن الداخلي لديها مهام أخرى كثيرة".

تهديدات

في الوقت نفسه، يؤكد مسؤولون سابقون في وزارة الأمن الداخلي، بمن فيهم بعض منتقدي ترمب، أن الوزارة لم تقلل من شأن التهديدات التي تفرضها الجماعات اليمينية والجماعات العنصرية التي تؤمن بتفوق الجنس الأبيض.

ويشيرون إلى أن اللغة القوية التي تستخدمها الوزارة في تقاريرها الأخيرة تسلط الضوء بجلاء على التهديد الذي يشكله المتطرفون المحليون، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".

وأشار مكالينان، إلى وجود زيادة لافتة في التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي مع المتطرفين المحليين والعنصريين البيض في السنوات الأخيرة.

وأضاف للصحيفة: "ما كنا نفتقده هو منهجية شاملة تضم جميع الوكالات والهيئات الحكومية، وتأكيداً من البيت الأبيض بأن هذا العمل يمثل أولوية أولى".

خلايا منفردة

وفي أكتوبر الماضي، عرَّفت وزارة الأمن الداخلي التطرف العنيف في الولايات المتحدة بأنه الخطر الرئيسي الذي يشكله الإرهاب المحلي، مشيرة إلى أن العنصريين البيض مسؤولون عن عمليات قتل وقعت في 2018 و2019 فاقت في بشاعتها ونتائجها أي نوع آخر من الهجمات.

ووفقاً لأول تقييم تصدره وزارة الأمن الداخلي، "سينبع التهديد الإرهابي الأساسي داخل الولايات المتحدة من المهاجمين المنفردين والخلايا المكونة من عدد قليل من الأفراد".

وزاد وباء فيروس كورونا من تعقيدات الموقف، كما أشار التقرير، إذ خلق بيئة يمكن أن "تضاعف وتيرة حشد بعض الأفراد باتجاه العنف الموجه، أو التحول إلى الراديكالية أو الإرهاب".

تهديد مستمر

وفي لحظة مهيبة أثناء جلسة استماع عقدت هذا الشهر في مجلس النواب، ناقش فيها المشرعون بعض التشريعات المتعلقة بالإرهاب المحلي، حذرت مستشارة وزارة الأمن الداخلي السابقة، إليزابيث نيومان، أعضاء اللجنة من أن التهديد ربما يستمر لمدة "10 إلى 20 عاماً".

وقالت نيومان في مقابلة مع الصحيفة: "ما نراه في آخر خمس إلى ست سنوات هو أفراد لم تلبَ احتياجاتهم، فيتحولون سريعاً إلى الراديكالية وفقاً لأي أيديولوجيا يتعثرون فيها".

وأضافت: "إذا خطط شخص لهجوم، فهذه منطقة وكالات إنفاذ القانون، أما عندما يكون شخص في رحلته إلى الراديكالية، فإن على أفراد أسرته والمقربين منه أن يلاحظوا التغيرات التي تطرأ على سلوكه".

وتتوقع نيومان أن يستغرق الأمر 5 إلى 10 سنوات لاضطلاع وزارة الأمن الداخلي ببذل جهود أكبر لمنع التحول إلى الراديكالية والتطرف. وأضافت أن "التحدي الحقيقي في اللحظة الراهنة هو السرعة التي يحدث بها هذا التحول، حيث يمكن أن يتحول الأفراد سريعاً من اعتناق أيديولوجيا إلى التخطيط لهجوم".

وخلصت إلى أنه: "لدينا كثيرون يتحدثون عبر الإنترنت، ويستخدمون استعارات وتشبيهات الحروب.. هل يستخدمون هذه المصطلحات لأنهم يعنون الحرب فعلاً؟ تصعب الإجابة عندما يكون لديك الكثير من الأشخاص يشاركون في خطاب غاضب".  

اقرأ أيضاً: