Open toolbar

عمال القطاع الصحي في بريطانيا يرفعون لافتات خلال إضراب أمام مستشفى سان توماس في العاصمة البريطانية لندن. 6 فبراير 2023 - AFP

شارك القصة
Resize text
لندن-

لم يستسلم القطاع الصحي في بريطانيا لرفض الحكومة زيادة الرواتب من أجل مواكبة معدل التضخم المرتفع، إذ شرع موظفو القطاع بجولة إضراب جديدة هذا الأسبوع، فيما خيرت النقابات الحكومة بين العودة إلى طاولة المفاوضات، أو تحمل تداعيات توقف الممرضين والمسعفين وأخصائي العلاج الطبيعي عن العمل في المستشفيات والمراكز الطبية، عبر أرجاء البلاد.

على الضفة المقابلة، تقول الحكومة إنها لا تعارض الحوار بشأن زيادة الأجور، سواءً في القطاع الصحي أو غيره، ولكن ليس بأثر رجعي أو عن عام مضى. فيقول متحدث باسمها إن العام المالي المقبل هو أرضية الحوار التي يمكن أن تنطلق منه المفاوضات مع النقابات، ومن دونها "لن يحلم أحد بزيادة في راتبه وتحسين دخله".  

خلال يوم واحد فقط من إضراب الممرضين والممرضات وسائقي سيارات الإسعاف، ألغي 80 ألف موعد طبي و11 ألف عملية.

وحملت الحكومة المسؤولية للنقابات الصحية في هذا، واتهمتها بتجاهل حاجة البريطانيين للعلاج، فيما ردت النقابات بأن المؤسسات الطبية "تعرف حدود مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية، وتوفر المساعدة العاجلة لكل من يحتاجها حتى في الإضراب، و"لكن الحكومة هي من يماطل في حل الأزمة" 

تحديات التفاوض مع الحكومة

ما عاشته المؤسسات الطبية مطلع الأسبوع الجاري كان أكبر إضراب في تاريخ القطاع الصحي البريطاني إلى الآن.

ولا يتوقع أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وربما تشهد البلاد حراكاً أكبر، كما تهدد النقابات، ورغم ذلك تصر الحكومة على عدم التفاوض إلا بشأن زيادة أجور العامين الحالي والمقبل، وليس العام الماضي كما يطالب المضربون. 

أخصائي الطوارئ في إحدى مستشفيات شمال إنجلترا، الدكتور زمن الخفاف، قال إن إضراب المؤسسات الطبية يؤثر على حياة كل سكان المملكة المتحدة، المرضى منهم والأصحاء، وهو ما يجعل حراكهم مؤرقاً لحكومة حزب المحافظين، ويضع معالجة أسبابه على رأس أولويات رئيس الوزراء ريشي سوناك وفريقه. 

ويوضح الدكتور الخفاف في حديثه لـ"الشرق"، أن التفاوض مع ممثلي القطاع الصحي يواجه تحديين رئيسيين، الأول هو ارتباط إضراب المستشفيات والعيادات ببقية مؤسسات القطاع العام التي يطالب موظفوها بزيادة أجورهم لذات الأسباب التي يسوقها الممرضون وسائقو سيارات الإسعاف وغيرهم من موظفي الصحة. 

ويرى أخصائي الطوارئ أن القبول بزيادة أجور القطاع الصحي سيلزم الحكومة بقبول الزيادة لكل القطاعات الأخرى، وهو ما يعني ضخ مبالغ ضخمة في الأسواق البريطانية تعيق مساعي الحكومة نحو خفض التضخم إلى النصف بحلول نهاية العام الجاري، وهو أبرز أهداف الحكومة التي لا يبدو أنها ستقبل بالتنازل عنه.

ويتمثل التحدي الثاني برأي الخفاف، في مطالبة القطاع الصحي بزيادة الرواتب بأثر رجعي، وهو ما يصعب تفاوض الحكومة مع نقابات القطاع، ويدفعها لاتخاذ موقف متشدد إزاء الجلوس على طاولة الحوار.

"شروط تعجيزية"

تصف الحكومة شروط نقابات الصحة في إنجلترا بالتعجيزية وغير المنطقية، ويقول وزير الصحة ستيف باركلي إن التفاوض يجب أن يتم على أساس برنامج مراجعة الأجور للعام الجاري والمقبل، ولا يمكن القبول بزيادة الأجور بأثر رجعي يمتد إلى العام الماضي، في وقت تتركز جهود الحكومة على تقليص معدل التضخم في البلاد. 

في المقابل، يقول الرئيس التنفيذي للكلية الملكية للتمريض بات كولين إنه يتوجب على الحكومة الجلوس مع النقابات الصحية دون شروط مسبقة، ذلك لأن الممرضين وسائقي سيارات الإسعاف وغيرهم من موظفي القطاع لن يوقفوا إضرابهم قبل أن يتلقوا عرضاً من الحكومة كما جرى الأمر في اسكتلندا وويلز. 

وأوضح كولين، في حديث مع راديو "LBC"، أن النقابات لن تفرض على الموظفين أي حل أو عرض تقدمه الحكومة، وسوف تترك القرار لأعضائها في قبول أو رفض العرض.

ولكن حتى هذه اللحظة لا يوجد استعداد من قبل النقابة أو الموظفين لإسقاط شرط الأثر الرجعي في التفاوض مع الحكومة على زيادة الأجور. 

ولفت الرئيس التنفيذي للكلية الملكية للتمريض، إلى أن العروض التي تلقتها نقابات ويلز واسكتلندا استدعت تأجيل إضرابات موظفي الصحة في البلدين، بعد أن كان من المقرر أن تنطلق مع إنجلترا مطلع الأسبوع، منوهاً بأن تلك العروض لا تزال تخضع للدراسة من قبل أعضاء النقابات، ولم يحسم القرار بشأنها إلى الآن. 

وعرضت حكومتي إدنبرة وكارديف على موظفي الصحة زيادة جديدة فى أجورهم هذا العام بنسبة 3% تضاف إلى زيادة سابقة بنسبة 4.75%، وقد دفع العرض بنقابات الصحة في ويلز واسكتلندا إلى تأجيل إضرابات مشابهة لحراك موظفي التمريض وسائقي سيارات الإسعاف في المدن الإنجليزية عامة، ولندن خاصة. 

"عار حكومة سوناك" 

زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر وصف إضراب موظفي القطاع الصحي بـ "وصمة العار" للحكومة الحالية. وقال ستارمر إن العاملين في المستشفيات وغيرها من المراكز الطبية لا يرغبون بيوم آخر من الإضرابات، و"لكن يجب على الحكومة أن تصغي لمطالب هؤلاء في زيادة أجورهم وأن تقدم لهم الحلول". 

وأوضح زعيم المعارضة البريطانية، في حديث لوسائل إعلام محلية، أن استمرار الحكومة بتجاهل مطالب موظفي القطاع العام في مسألة زيادة الأجور لن يجدي نفعاً، كما لا يمكنها التعويل على استسلام الموظفين والنقابات التي تمثلهم للأمر الواقع والعودة عن مطالبهم، فقط لأن الحكومة تحاول تقليص معدل التضخم في البلاد. 

من جهتها، قالت الأمين العام لاتحاد الموظفين العمومين في بريطانيا راشل هارسون إن رئيس الوزراء ريشي سوناك يجب أن يلتفت بجدية إلى مطالبات موظفي القطاع العام في هذه الإضرابات، مشددة على أن سوناك سيكون "واهماً" إذا ظن أن موظفي قطاع الصحة سوف يستسلمون ويعودون إلى منازلهم "بخفي حنين". 

وبحسب هاريسون، فإن موقف النقابات من زيادة الأجور "واضح جداً"، ولا يمكن لها التخلي عن مطالبات الموظفين، والعودة بهم إلى مرحلة ما قبل الإضرابات.

وأشار إلى أن "نقابات الصحة هي مثل بقية كيانات القطاعات العام، لا تجد حلاً للأزمة إلا في زيادة الأجور، وإلا سوف يستمر الحراك لأشهر طويلة، وربما أكثر من ذلك". 

المشاركون في الإضراب

وشارك في إضراب مطلع الأسبوع في إنجلترا آلاف الممرضين والممرضات الذين يمثلون أكثر من 73 وحدة طبية تعمل تحت ظل هيئة الصحة الوطنية، بالإضافة إلى حوالي عشرة آلاف موظف في خدمة الإسعاف. فكان أضخم حراك يشهده القطاع الصحي في تاريخه، وأدى إلى تأجيل 80 ألف موعد طبي، وإلغاء 11 ألف عملية. 

وفيما نفذ موظفو التمريض إضرابهم على مدار يومين متتالين، قرر سائقو وموظفو الإسعاف الاحتجاج مرة ثانية الجمعة المقبلة، وسيسبقهم بيوم واحد أخصائيو العلاج الطبيعي.

ومع انتهاء أيام هذه الجولة من الحراك، يتوقع أن تلغى 50 ألف عملية، إضافة لتأجيل نحو 90 ألف موعد طبي، وفق إحصائيات الهيئات الصحية. 

وتقول رئيسة قسم التمريض في مركز لمعالجة الأسنان، سانيتا سيليسا، إن رفض الحكومة لزيادة الأجور بأثر رجعي يمتد للعام الماضي، ليس هو السبب الحقيقي وراء عدم انخراطها في المفاوضات مع النقابات.

وتابعت: "لو كان الأمر كذلك لحصلنا على عرض أو مقترح من الحكومة لرفع الرواتب، كما حدث مع النقابات في اسكتلندا وويلز، خاصة أنه كان هناك متسع من الوقت أمام رئيس الوزراء وفريقه لإعداد مثل هذا المقترح، حيث كانت جولة الإضراب السابقة في منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي". 

وأوضحت سيليسا، في حديث مع "الشرق"، أن تجاهل الحكومة لمطالب الممرضين وسائقي سيارات الإسعاف، ينطوي على نوع من "العقاب" لموظفي التخصصين بحجة أنهم "وضعوا مصلحتهم فوق الاعتبارات الإنسانية وحاجة البريطانيين للعلاج".

ولفتت إلى أن ذلك "لا يمت إلى الواقع بصلة، فجميع من شاركوا في الإضرابات من موظفي القطاع العام، لم يجدوا أمامهم سبيلاً آخراً للمطالبة بحقهم بعد سنوات من تراجع قيمة الأجور".  

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن غالبية الممرضين والممرضات في المملكة المتحدة تقل رواتبهم عن 30 ألف جنيه إسترليني سنوياً. كذلك الحال بالنسبة لسائقي سيارات الإسعاف حديثي العهد. أما من امتلك خبرة تزيد عن 8 سنوات، فحينها يصعد راتبه إلى نحو 35 ألف جنيه، لكنه يبقى عاجزاً عن مواكبة كلفة الحياة في المدن.

ويعاني قطاع الصحة في بريطانيا من نقص واضح في العمالة. وتشير إحصائيات رسمية إلى حاجة مؤسسات الصحة الوطنية إلى نحو 40 ألف ممرض والآلاف من موظفي الإسعاف من أجل سد عجز العمالة في القطاع، والناتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وهجرة الموظفين إلى المؤسسات الخاصة نتيجة لضعف الأجور في القطاع العام.

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.