أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، أن بلاده ستشطب كامل الديون المستحقة على السودان بهدف تحرير الخرطوم التي تشهد انتقالاً ديمقراطياً من "عبء الدين"، فيما أعلنت السعودية، تقديم منح للمساهمة في تغطية جزء من الفجوة التمويلية للسودان لدى صندوق النقد الدولي.
وقال ماكرون خلال المؤتمر الدولي لدعم السودان المنعقد في باريس، إنه في ما يتصل بفرنسا، "نحن نؤيد إلغاءً كاملاً لديون السودان المستحقة لدينا، وتبلغ نحو 5 مليارات دولار".
واعتبر ماكرون، أن العمل على خفض ديون السودان، خطوة أولى لعودة الخرطوم إلى المجتمع الدولي، ووصف المرحلة الحالية في السودان بـ"المهمة جداً"، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي "مستعد لتقديم المساعدة للخرطوم على تطبيق الإصلاح الاقتصادي، للعبور من المرحلة الانتقالية المهمة".
وأضاف ماكرون خلال كلمته الافتتاحية، أن المرحلة الانتقالية في السودان يجب أن تفضي بنهايتها إلى حكومة مدنية كاملة الشرعية، مؤكداً أن "الحركات المسلحة السودانية التي لم توقع على اتفاقية السلام، يجب أن تنضم لمسيرة السلام، لأن هذا يؤثر على أمن المنطقة برمتها".
وأعرب الرئيس الفرنسي عن فخر فرنسا كونها "البوابة التي يعود من خلالها السودان بشكل كامل إلى العالم"، لافتاً إلى أن "السودان أحرز تقدماً كبيراً منذ إسقاط النظام السابق"، معلناً دعم فرنسا الكامل "لمن يريدون إتمام الانتقال الديمقراطي في السودان". وأشار إلى أن "الانتخابات الشفافة هدفاً في السودان لتشكيل حكومة مدنية جديدة".
التحدي الاقتصادي
من جانبه، قال رئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، الاثنين، إن التحدي الاقتصادي من أهم معوقات الانتقال الديمقراطي في بلاده، مشيراً إلى أن السودان يمتلك ما يُمكنّه من التحول من دولة دائنة إلى مصاف الدول ذات الاقتصادات الناهضة.
وأضاف خلال كلمته في مؤتمر دعم السودان المنعقد في باريس، إلى أن الجيش السوداني ضمانة لـ"الانتقال الديمقراطي"، مؤكداً: "نسعى لاستكمال السلام مع كل الأطراف".
بدوره قال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، إن الخرطوم قامت بـ"إصلاحات زادت من معاناة شعبنا (في إشارة إلى رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية).
وأضاف خلال كلمته في المؤتمر ذاته: "الإصلاح الاقتصادي من التحديات التي تواجه حكومة الفترة الانتقالية"، موضحاً أن السودانيين عانوا كثيراً من الغلاء وانخفاض الإنتاجية. وأكد أن معالجة الأزمة الاقتصادية تأتي على رأس أولويات الحكومة الانتقالية، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السودانية "سونا".
وعبر حمدوك عن تطلع السودان لإزالة الأعباء الاقتصادية عن الجيل الجديد في البلاد، واختتم كلمته قائلاً: "شكراً لإيفاء فرنسا وماكرون لوعدهم بتنظيم هذا المؤتمر".
من جانبه، ثمّن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في كلمته خلال المؤتمر "حِزم الدعم التي قدمتها الدول والمؤسسات الشريكة للسودان طوال الفترة الماضية، بما في ذلك القروض التجسيرية التي قُدمت مؤخراً".
ودعا أبو الغيط، "كل الشركاء إلى الوفاء بالتزاماتهم، وتعبئة مزيد من الدعم لتنفيذ البرامج الوطنية للسودان وجهودها لإصلاح بنيتها الاقتصادية، وخاصة عبر إتمام عملية إعفاء السودان من ديونه على أساس مبادرة الدول الفقيرة المُثقلة بالديون، وتلبية احتياجات السودان الإنسانية والطارئة.
استثمارات لا منح
وفي وقت سابق الاثنين، قال رئيس الحكومة السودانية، إن بلاده غنية جداً وتريد استثمارات لا منحاً، فيما قال مسؤول سعودي إن الرياض ستضغط من أجل إعادة هيكلة واسعة لديون الخرطوم، بينما أعلنت فرنسا إقراض السودان 1.5 مليار دولار، لتسديد متأخراته لصندوق النقد الدولي.
ونقلت وكالة السودان للأنباء عن حمدوك قوله، في مستهل مؤتمر باريس الاثنين، للدعوة للاستثمار في السودان وتخفيف عبء الدين: "السودان يأتي بالأمل، لنجاحنا تأثير كبير في المنطقة بأكملها، السودان بلد غني جداً".
وتكابد الحكومة الانتقالية في السودان أزمة اقتصادية خانقة وتطبق إصلاحات صعبة، مع سعيها لتخفيف عبء الدين المستحق لدول أجنبية ومؤسسات مالية عالمية ومقرضين تجاريين.
وقالت "سونا"، إن نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق وجنوب إفريقيا، حافظ غانم، كشف الاثنين، عن منحة لدعم السودان بمبلغ 2 مليار دولار، بجانب دعم برنامج الأسر ومكافحة جائحة كورونا وقطاع الطاقة.
دعم سعودي
من جانبها، أعلنت السعودية، الاثنين، خلال مؤتمر باريس لدعم السودان، تقديم منحة للمساهمة في تغطية جزء من الفجوة التمويلية للسودان لدى صندوق النقد الدولي بحوالي 20 مليون دولار، إضافة إلى تحويل رصيد المملكة في حسابيّ الطوارئ والرسوم المؤجلة لدى صندوق النقد للمساهمة في معالجة متأخرات وتخفيف أعباء الديون على الخرطوم.
وأكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، حرص الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على مساهمة المملكة في معالجة متأخرات وتخفيف أعباء ديون السودان.
وأشار إلى تعزيز الاستثمارات السعودية في الخرطوم، ودعم الرياض لكافة القطاعات التي من شأنها تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو مزيداً من التقدم والازدهار والنماء.
وأفادت وكالة رويترز، الاثنين، بأن مسؤولاً سعودياً سيشارك مباشرة في محادثات إعادة هيكلة ديون السودان، أكد أن المملكة "ستضغط من أجل اتفاق واسع، لخفض ديون الخرطوم التي تتجاوز 50 مليار دولار.
وقال المسؤول السعودي لرويترز قبل المؤتمر، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، "فيما يخص إعادة الهيكلة، سنضغط أكثر كي يعيد الجميع هيكلة الديون، وإتاحة مجال أكبر للسودان لالتقاط الأنفاس ودعم الإصلاحات".
وتابع: "التأجيل وحده لن يساعد، سأبحث عن أصدقاء مثل السعودية وآخرين لإتاحة خفض (الدين). سندعم أي جهود من جانب المجتمع الدولي لتحقيق ذلك".
وقال المسؤول السعودي إن بلاده "ستستخدم حقوق السحب الخاصة بها لدى صندوق النقد، فضلاً عن تقديم منحة نقدية كبيرة".
تعهد فرنسي
من جانبه، أعلن وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، أن بلاده ستساعد السودان في تسديد متأخراته من الديون لصندوق النقد الدولي من خلال إقراضه 1.5 مليار دولار.
وقال الوزير إن فرنسا ستعمل من أجل "تخفيف عبء الدين عن السودان في أقرب وقت ممكن"، مشيراً إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيؤكد هذا التعهّد أثناء مؤتمر ثنائي يُعقد الاثنين، عشية قمة حول إنعاش الاقتصاد في إفريقيا، تعقدها جمعية أرباب العمل الفرنسية "ميديف" بحضور حمدوك.
وكان حمدوك قال لـ"فرانس برس"، الجمعة، إن باريس سددت "متأخرات السودان المستحقة للبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي".
فيما قال مسؤول بالرئاسة الفرنسية إن المؤتمر يستهدف على صعيد الديون التعامل مع المتأخرات المستحقة للمقرضين الدوليين قبل الانتقال إلى الدائنين الثنائيين. وحوالي نصف ديون السودان الثنائية مستحقة لأعضاء نادي باريس.
مساعدات ألمانية
بدورها، أعلنت ألمانيا، الاثنين، مساعدة بملايين اليورو لتخفيف ديون السودان، وبحسب نص خطاب صادر عن وزارة الخارجية، قال الوزير هايكو ماس إن بلاده ستشطب 360 مليون يورو من الديون الثنائية مع الدولة الإفريقية.
بالإضافة إلى ذلك، ستقدم برلين ما يصل إلى 90 مليون يورو لمساعدة السودان على تسوية متأخرات ديونه مع صندوق النقد الدولي.
وبحسب نص الخطاب قال ماس إن "الحكومة السودانية بحاجة إلى الهامش المالي اللازم لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية".
فرصة للاستثمار
وفي السياق، أوضح مسؤول في صندوق النقد أن ما بين 10% و14% من ديونه الخارجية هي ديون تجارية، وهي نسبة مرتفعة بشكل استثنائي.
بدورها أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، أن بكين، وهي من الدائنين الرئيسيين، خفضت وألغت بعض الديون لدى السودان وستدفع المجتمع الدولي لفعل ذلك.
وكان مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتيس، كتب على تويتر "الأمر متروك للسودان الآن، وللمجتمع الدولي لإظهار أن السودان الجديد هو فرصة للاستثمار ولم يعد حالة ميؤوس منها. الأمم المتحدة مستعدة لتقديم دعمها".
حقوق سودانية
ومن حق السودان الحصول على إغاثة من الدين بموجب مبادرة صندوق النقد والبنك الدولي، المخصصة للدول الفقيرة المثقلة بالدين.
وبعد تسوية متأخرات ديون مع البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، تبقى عقبة وحيدة هي بلوغ "نقطة القرار"، فيما يتعلق بأهليته للاستفادة من المبادرة. ومن المتوقع أن يصل السودان لها في نهاية يونيو.
وكان صندوق النقد وافق الأسبوع الماضي على خطة تمويل ستساعد في تعبئة الموارد اللازمة لكي يغطي الصندوق حصته في تخفيف عبء ديون السودان. ولقيت الخرطوم دعماً لحملة خفض الدين من دائنين مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وعاش السودان عقوداً من العقوبات الاقتصادية والعزلة، في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطيح به من الحكم في أبريل 2019، بعد احتجاجات شعبية لأشهر عدة.