جسر القرم بين شاحنتين.. قصة "الإنجاز الرائع" للرئيس الروسي

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقود شاحنة على جسر كيرتش في شبه جزيرة القرم لدى افتتاحه - 15 مايو 2018 - AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقود شاحنة على جسر كيرتش في شبه جزيرة القرم لدى افتتاحه - 15 مايو 2018 - AFP
دبي- الشرق

بين شاحنة قادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند افتتاحه جسر كيرتش عام 2018 وأخرى تفجّرت أعلاه، السبت، كانت قصة الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بالأراضي الروسية والذي اعتبره بوتين "إنجازاً رائعاً" قبل 4 سنوات قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى هدف لسخرية الأوكرانيين بعد عملية التفجير التي لم تتبناها أي جهة حتى كتابة هذه السطور.

أضرار انفجار جسر القرم لم تقتصر على وقوع 3 ضحايا وخسائر مادية كبيرة، وإنما امتدت إلى إصابة ما يعد رمزاً لارتباط القرم بالأراضي الروسية، منذ أن ضمتها موسكو من كييف عام 2014.

الجسر الذي يبلغ طوله 19 كيلومتراً فوق مضيق كيرتش هو الرابط المباشر الوحيد بين شبكة النقل في روسيا وشبه جزيرة القرم، وكان من أول المشروعات التي اهتمت بها موسكو بعد ضمها المنطقة الأوكرانية سابقاً، إذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين ببناء الجسر عام 2016 ووصفه حينذاك بـ"المهمة التاريخية".

ولا يزال مشهد قيادة الرئيس الروسي لشاحنة كبيرة خلال افتتاح الجسر عالقاً في ذاكرة مواطنيه، لا سيما أن الحدث حظي باهتمام إعلامي كبير في روسيا.

وتكلّف بناء الجسر نحو 3.6 مليار دولار، ونفّذته شركة تابعة لرجل الأعمال أركادي روتنبرج، الحليف الوثيق والزميل السابق لبوتين في رياضة الجودو.

يتكون الجسر من طريق للسيارات وسكة حديدية منفصلين، وكلاهما مدعومان بركائز خرسانية، ما يفسح المجال لمسافة أوسع تحدّها أقواس فولاذية عند النقطة التي تمر فيها السفن بين البحر الأسود وبحر آزوف الأصغر.

"إنجاز رائع"

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإنه على مدار قرن من الزمان فشلت جهود بناء جسر عبر مضيق كيرتش الذي يمتد بين سلسلتين جبليتين، ولكن بوتين وضع ثقله وراء المشروع، على الرغم من التحديات الهندسية التي تشمل قاع البحر المغطى بنحو 250 قدماً من الطمي الناعم المترسب من تدفقات أنهار مختلفة.

وأشار التقرير إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية، أطاح ذوبان الجليد في الربيع بجسر عسكري ألماني، تم تشييده على عجل عبر المياه لمساعدة المجهود الحربي النازي.

وفي عام 2018، عندما تم افتتاح الجسر الجديد، أشاد بوتين به باعتباره إنجازاً "رائعاً" يجعل "شبه جزيرة القرم و(مدينة وميناء) سيفاستوبول الأسطورية أقوى، وكلنا أقرب لبعضنا البعض"، حسب تعبيره.

أهمية الجسر

يكتسب الجسر أهمية كبيرة لاستخدامه في تزويد شبه جزيرة القرم بالوقود والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات، إضافة إلى أن الضفة الأخرى (ميناء سيفاستوبول) تعد القاعدة التاريخية لأسطول البحر الأسود الروسي.

وأصبح الجسر طريقاً رئيسياً لإمداد القوات الروسية مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن تلك القوات يمكن إمدادها بالكامل من خلال الطرق البرية والبحرية القائمة.

وبعد انفجارات في مطار ساكي بشبه جزيرة القرم في أغسطس الماضي، كان الجسر طريقاً سريعاً للهروب مع وصول الحرب إلى شبه الجزيرة، حيث عبرت أكثر من 38 ألف سيارة في يوم واحد، وهو أعلى رقم تم تسجيله منذ افتتاحه، بحسب "نيويورك تايمز".

تهديدات رغم التأمين

وعلى الرغم من إعلان روسيا عدداً من الإجراءات المضادة للدفاع عن جسر القرم، إلا أنه منذ بدء الغزو، في 24 فبراير، ألمح مسؤولون أوكرانيون مراراً إلى رغبتهم في تدمير الجسر الذي يُنظر إليه في أوكرانيا على أنه رمز للاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم. كما شهدت شبه جزيرة القرم سلسلة انفجارات في أنحاء مختلفة خلال أغسطس الماضي.

وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إنه لا قيود تحول دون توجيه قواته ضربات لروسيا في شبه الجزيرة، وهدد ميخايلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني بتدمير جسر كيرتش.

وبالتزامن مع تلك التهديدات، قال مستشار رئيس القرم الموالي لروسيا إن أنظمة الدفاع الجوي تصدت لتهديدات في أجواء منطقة كيرتش حيث يقع الجسر، دون توضيح تفاصيل ذلك التهديد، كما أعلن ميخائيل رازفوجاييف، حاكم سيفاستوبول الموالي لروسيا، أن الدفاعات الجوية أسقطت طائرة مسيّرة أوكرانية.

وأعلن كبير مستشاري حكومة القرم الموالية لروسيا أوليج كريوتشكوف، في بيان خلال أغسطس الماضي، أن "أنظمة الدفاع المضادة للطائرات تعمل في كيرتش.. وأنه لا يوجد خطر على المدينة أو جسر القرم". ولم يصدر عن الحكومة الأوكرانية أي تعليق رسمي في ذلك الوقت.

كما صعّدت موسكو حينها الإجراءات المضادة للدفاع عن الجسر، ونشرت سفينة مزودة بمجموعة من عاكسات الرادار لحماية الجسر من الهجوم وإجراء تدريبات لتغطية الجسر بحاجز من الدخان، وفق تقرير سابق لـ"نيويورك تايمز".

إجراءات جديدة

وعقب الانفجار بساعات، أعلن الكرملين في بيان أن الرئيس الروسي وقّع مرسوماً بشأن تعزيز الإجراءات الأمنية لجسر القرم، وخط أنابيب الغاز الذي يربط شبه الجزيرة بالبر الرئيسي لروسيا، وفق ما ذكرته وكالة "تاس" الروسية للأنباء.

وكلّف بوتين جهاز الأمن الفيدرالي الروسي "تنظيم وتنسيق تدابير الحماية لعبور النقل في مضيق كيرتش، وجسر الطاقة لشبكة الكهرباء بين الاتحاد الروسي وشبه جزيرة القرم، إلى جانب خط أنابيب الغاز الرئيسي بين البلدين، بين منطقة كراسنودار وشبه جزيرة القرم".

ووفقاً للمرسوم، يأتي القرار الذي دخل حيز التنفيذ الفوري، بهدف تعزيز كفاءة إجراءات الحماية لمعبر النقل وجسر الطاقة وخط أنابيب الغاز عبر مضيق كيرتش.

هل استهدفت كييف الجسر؟

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أشارت إلى أن الجسر كان محط كراهية الأوكرانيين، ما "جعل رمزيته وأهميته الاستراتيجية للإمداد هدفاً محتملاً".

وخلال الصيف، نشر الجيش الأوكراني صورة مثيرة للسخرية على موقع تويتر يهدد فيها بضرب الجسر بصواريخ موجهة مقدمة من الولايات المتحدة، وظهرت فيها مركبة الإطلاق، وهي عبارة عن نظام صاروخ مدفعي عالي الحركة، تطفو على زورق قابل للنفخ وردي اللون في المضيق، والجسر في الخلفية.

فيما ألمحت صحيفة "برافدا أوكرانيا" الأوكرانية، السبت، إلى أن جهاز الأمن في أوكرانيا يقف وراء انفجار جسر القرم. ونقلت عن مصدر في أجهزة الأمن، لم تسمّه، قوله إن التفجير "عملية خاصة" نفّذها جهاز الأمن الأوكراني.

وقالت الصحيفة إن جهاز الاستخبارات الأوكراني لم يعلّق رسمياً على التفجير.

وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت عبر تليجرام، السبت، إن "رد فعل نظام كييف على تدمير البنية التحتية المدنية يسلّط الضوء على طبيعته الإرهابية"، وذلك في أعقاب تصريحات مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولاك الذي شدد عبر تويتر على ضرورة "تدمير كل شيء غير قانوني"، وفق تعبيره.

حجم الأضرار

وأدى الانفجار إلى سقوط أجزاء من الطريق، وأصبحت حركة المرور في اتجاه واحد، وتم تعليق الحركة عقب الحادث، لكن بحلول مساء السبت، سُمح للسيارات والحافلات بعبور الجسر في اتجاهات متناوبة على الممرات السليمة المتبقية، بينما انتظرت مركبات البضائع الثقيلة للعبور بالعبّارة، وسمحت وزارة النقل باستئناف حركة السكك الحديدية بعد ذلك بوقت قصير.

وقال مسؤولون روس إن المسافة التي تمر من خلالها السفن في المضيق لم تتضرر. 

وقدّر الاتحاد الروسي لشركات التأمين الأضرار التي لحقت بجسر القرم بقيمة تتراوح بين 200 و500 مليون روبل (ما بين 4 و10ملايين دولار).

وقال المكتب الصحافي للاتحاد في بيان نقلته شبكة "روسيا اليوم": "ليس لدى الاتحاد حالياً معلومات عن عقود التأمين الحالية المتعلقة بالبنية التحتية لجسر القرم. وكقاعدة عامة، لا يتم تأمين ممتلكات الدولة".

وأشارت لجنة التحقيق الروسية التي أمر بوتين بتشكيلها إلى أن انفجار شاحنة، على جانب طريق جسر القرم، تسبب في اشتعال 7 خزانات وقود في قطار السكك الحديدية، ما أسفر عن انهيار شقين جزئياً من جسر الطريق. 

وقالت لجنة التحقيق الروسية، عقب تحقيق أوّلي، إن انفجار الشاحنة أسفر عن وقوع 3 ضحايا، كانوا في سيارة بجوار الشاحنة المنفجرة، مشيرة إلى انتشال جثث رجلين وامرأة من المياه، وأنه يجري التحقق من هوياتهم، بحسب وكالة "ريا نوفوستي" الروسية.

كما اتضح، وفقاً للتحقيقات الأولية، أن الشاحنة مملوكة لأحد سكان ولاية كوبان (تابعة لإقليم كراسنودار)، في حين يدرس المحققون مسار حركته، كما تجري عمليات تفتيش في مكان إقامته.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات