كوبا.. جزيرة السيجار وقصب السكر التي كادت تشعل حرباً نووية

time reading iconدقائق القراءة - 15
سائحان في سيارة شيفروليه صُنعت في عام 1957 على جادة هافانا - 21 مايو 2013 - REUTERS
سائحان في سيارة شيفروليه صُنعت في عام 1957 على جادة هافانا - 21 مايو 2013 - REUTERS
دبي - إيلي هيدموس

جدّدت الاحتجاجات النادرة التي شهدتها كوبا قبل يومين، اهتماماً بالجزيرة التي لطالما اعتُبرت "شوكة في خاصرة" الولايات المتحدة، وكادت تشعل حرباً نووية، ولا زالت تعاني للتعافي من تداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي، في 1991.

أحداثٌ كثيرة شهدتها الجزيرة الواقعة في بحر الكاريبي، والتي تبعد 150 كيلومتراً عن الولايات المتحدة وتعاقبت قوى أجنبية على حكمها، قبل أن تستقلّ في عام 1902. لكن الأول من يناير 1959، شكّل يوماً مفصلياً في تاريخها، إذ نجح متمردون، بقيادة فيدل كاسترو، في إسقاط الرئيس فولخنسيو باتيستا، حليف واشنطن؛ نظراً إلى معاداته الشيوعية. وسرعان ما تحالف كاسترو مع موسكو، بعد انتصار الثورة، متبنّياً نظاماً شيوعياً، في أوجّ الحرب الباردة.

في 17 أبريل 1961، خلال عهد الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، نفذت الولايات المتحدة عملية فاشلة لغزو كوبا والإطاحة بكاسترو، عُرفت بإنزال "خليج الخنازير"، معتمدة على لواء ضم 1400 منفي كوبي، ترعاهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه". احتاج الجيش الكوبي إلى 3 أيام لإحباط الهجوم المذكور، لكن ذلك لم يمنع إدارات أميركية متعاقبة، من تنفيذ عمليات سرية ضد الجزيرة.

بعد أقلّ من سنة على الغزو الفاشل، وتحديداً في 7 فبراير 1962، فرضت الولايات المتحدة حصاراً شاملاً على كوبا، شمل حظراً على التبادل التجاري، وأسفر عن خسارة هافانا نحو 130 مليار دولار خلال 6 عقود، وفقاً لتقديرات الحكومة الكوبية والأمم المتحدة.

أزمة الصواريخ الكوبية

بين 14 و28 أكتوبر 1962، حبس العالم أنفاسه، خشية اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بعدما اكتشفت أقمار تجسّس أميركية أن كوبا سمحت لموسكو بتشييد قواعد لصواريخ نووية على أراضيها. طالب كينيدي بسحب الأسلحة السوفييتية، وفرض حصاراً بحرياً على كوبا.

لكن مفاوضات عبر قنوات خلفية بين موسكو وواشنطن، أتاحت التوصّل إلى تسوية، وافق كينيدي بموجبها سراً على سحب الصواريخ النووية الأميركية من تركيا خلال أشهر، إذا سحبت موسكو صواريخها من كوبا، متعهداً أيضاً بالامتناع عن غزو الجزيرة. ووافق الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف على الصفقة، وأمر بسحب الصواريخ.

انتهج الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما سياسة إيجابية إزاء هافانا، فأعاد الجانبان فتح سفارتيهما، في 20 يوليو 2015، إثر إغلاقهما عام 1961. لكن الحصار الاقتصادي الأميركي لا يزال سارياً، إذ لا يمكن رفعه من دون موافقة الكونغرس.

أوباما في هافانا

في 21 مارس 2016، أجرى أوباما زيارة تاريخية إلى هافانا، هي الأولى لرئيس أميركي منذ 90 عاماً، والتقى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، إضافة إلى منشقين.

بعد تلك الزيارة، انتقد كاسترو أوباما، لامتناعه عن الاعتراف بما اعتبرها "إنجازات الثورة الكوبية"، كذلك شكا راؤول كاسترو من أن الولايات المتحدة تستخدم تشجيعها القطاع الخاص، المتنامي في كوبا، "لتقويض نظامها".

جمّد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الخطوات التي اتخذها أوباما، وأدرج كوبا مجدداً على لائحة الدول الراعية للإرهاب، في 11 يناير 2021، بعد حذف اسمها منها، في 29 مايو 2015، علماً بأنها أُدرجت عليها للمرة الأولى في مارس 1982، خلال عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، الذي اتهم هافانا بدعم تنظيمات شيوعية، في إفريقيا وأميركا اللاتينية، بما في ذلك أنغولا والسلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا.

رحيل فيدل كاسترو

توفي فيدل كاسترو في 25 نوفمبر 2016، علماً بأنه تنازل عن السلطة لشقيقه راؤول في عام 2006، لأسباب صحية، بعدما عاصر 6 رؤساء أميركيين.

راؤول، الذي انتُخب رئيساً في عام 2008، تنحّى عن منصبه، في 19 أبريل 2018، وخلفه ميغيل دياز كانيل، الذي سيصبح أيضاً سكرتيراً للحزب الشيوعي، في 18 أبريل 2021، بدلاً من راؤول، في حدث شكل نهاية حقبة الأخوين كاسترو في الجزيرة، بعد حكم دام 6 عقود.

تاريخ كوبا

تاريخياً، خضعت كوبا التي تبلغ مساحتها نحو 11 ألف كيلومتر مربع (نحو 11 مليون نسمة) لكريستوفر كولومبوس، في 28 أكتوبر 1492، وباتت أهم مصدر للسكر الخام للإمبراطورية الإسبانية، في القرن الثامن عشر، وسُمّيت "لؤلؤة جزر الأنتيل". استمرّ حكم إسبانيا لكوبا حتى عام 1898، عندما هزمتها الولايات المتحدة وقوات كوبية، في ما يُعرف بـ"الحرب الإسبانية – الأميركية".

نالت كوبا استقلالها رسمياً في 20 مايو 1902، بعدما أنهت الولايات المتحدة احتلالها العسكري. وحكم الجزيرة، التي باتت جمهورية، توماس إسترادا بالما، بطل حرب الاستقلال. وتدخلت الولايات المتحدة في كوبا مجدداً، في عام 1912، وبين العامَين 1917 و1922.

اندلعت اضطرابات سياسية، خلال ديكتاتورية خيراردو ماتشادو (1929-1933)، وانتهت بأول انقلابات أسفرت عمّا يسمّيه مؤرخون "عصر الديمقراطية" في كوبا (1940-1952).

تضمّن دستور عام 1940 إصلاحات واسعة، اجتماعية واقتصادية وسياسية. وفي عام 1952، أطاح الجنرال فولخنسيو باتيستا بالرئيس كارلوس بريو سوكاراس، وألغى الدستور، مجمّداً الانتخابات، قبل أن يطيح به كاسترو عام 1959.

لقاحان لكورونا

لدى كوبا أحد أكثر برامج الرعاية الصحية نجاحاً في العالم النامي، كما أن التعليم مجاني فيها بمستوياته كافة.

وأعلنت هافانا أخيراً أن لقاحاً صنعته، باسم "سوبيرانا 2"، أثبت فاعليته بنسبة 91.2% في المراحل المتأخرة من التجارب السريرية ضد فيروس كورونا المستجد.

جاء ذلك بعد إعلان "مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية"، إنتاجه لقاح "عبد الله" (نسبة إلى بطل إحدى قصائد الشاعر الكوبي الشهير خوسيه مارتي، الذي توفي في عام 1895)، الذي سجّل فاعلية تبلغ 92.28%.

ولقطاع التكنولوجيا الحيوية في كوبا تاريخ مديد في تطوير اللقاحات، إذ يُنتج 80% من اللقاحات المستخدمة في البلاد، ويُصدّر بعضها.

لكن الجزيرة تشهد أسوأ تفشٍّ للفيروس، منذ انتشاره عالمياً، إذ سجلت أرقاماً قياسية جديدة لحالات الإصابة، تجاوزت 3500 يومياً. وأبلغت كوبا عن نحو 220 ألف إصابة، ونحو 1500 وفاة.

صناعة قصب السكر

اعتمد الاقتصاد الكوبي بشكل كبير على محصول قصب السكر، منذ القرن الثامن عشر. زاد إنتاج السكر، باستثناء سنوات الجفاف أو تفشي آفة قصب السكر، بعد إدخال حصادات آلية، في مطلع سبعينيات القرن العشرين، لكنه انخفض بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991. وأغلقت مصانع سكر كثيرة في الجزيرة، واستمرّ إنتاج السكر في الانخفاض، في مطلع القرن الواحد والعشرين.

وبلغ متوسّط إنتاج كوبا من السكر الخام، نحو 1.4 مليون طن متري خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بـ 8 ملايين طنّ في عام 1989.

ارتبطت صناعة قصب السكر في كوبا بالعبودية، إذ زاد عدد من تطلق عليهم هذه الصفة بشكل كبير، من 39 ألفاً في سبعينيات القرن الثامن عشر، إلى نحو 400 ألف في أربعينيات القرن التاسع عشر، أي نحو ثلث سكان الجزيرة.

في القرن التاسع عشر، استقدمت كوبا أكثر من 600 ألف إفريقي، وصل معظمهم بعد عام 1820، حين اتفقت إسبانيا وبريطانيا العظمى على نهاية تجارة الرقيق في المستعمرات الإسبانية. لكن أصحاب المزارع الكوبية أصرّوا على استمرار تجارة الرقيق. في عام 1865، انتهت تجارة الرقيق من إفريقيا، لكن العبودية في كوبا لم تُلغ قبل عام 1886.

السيجار الكوبي

كوبا ليست فقط بلداً كاد يشعل حرباً نووية، احتضن الثائر الأممي الشهير تشي غيفارا، بل تشتهر أيضاً بالسيجار، والسالسا وأنماط رقص أخرى، ناهيك عن سيارات تعود إلى حقبة خمسينات القرن العشرين، ولعبة البيسبول، التي تُعدّ الأكثر شعبية في الجزيرة، وكان يعشقها فيدل كاسترو.

يُعتبر السيجار الكوبي الأجود عالمياً، إذ إن التبغ يُزرع في كوبا منذ مئات السنين، وكان المصنّعون ينتجون السيجار منذ عهد ملك إسبانيا فيليبي الثاني (1527-1598). تخضع صناعة السيجار الآن لتنظيم حكومي مباشر، يراقب جودة المنتج.

وتشير تقديرات إلى أن الأمر يستغرق أكثر من 100 خطوة، لإنتاج سيجار كوبي واحد بشكل صحيح، علماً بأن هذه الصناعة تتبع طقوساً، لم تتغيّر كثيراً خلال قرن.

كان السيجار الكوبي شائعاً في الولايات المتحدة، عندما فرض جون كينيدي الحصار الاقتصادي على كوبا. وبعد ذلك، بات هذا السيجار أكثر شعبية في الولايات المتحدة، علماً بأن القوانين الأميركية لا تزال تمنع استيراده تجارياً.

السالسا والسيارات القديمة

كانت موسيقى السالسا شائعة، منذ العقد الأول للقرن العشرين، فيما لم تظهر الرقصة حتى عشرينيات ذاك القرن، وانتشرت في الولايات المتحدة، في السبعينيات.

رقص السالسا هو مزيج من رقصات لاتينية، بما في ذلك التانغو والمامبو والفلامنكو. وثمة أنماط للسالسا، بما في ذلك السالسا الكوبية، وأسلوب ميامي، والأفرو لاتينو، والسالسا الكولومبية.

ثمة عنصر جذب سياحي في كوبا، هو السيارات الأميركية القديمة التي تجوب طرقاتها، والتي صُنعت في خمسينيات القرن العشرين.

منذ عشرينيات القرن العشرين وصولاً إلى خمسينياته، شكّلت هافانا مقصداً للأثرياء والمشاهير، بينهم أميركيون أمضوا إجازاتهم في الجزيرة، وجلبوا معهم سياراتهم. خلال تلك الفترة، استوردت كوبا سيارات من أميركا الشمالية، أكثر من أي مكان آخر.

وبعد وقت وجيز على تسلّمه السلطة، حظر فيدل كاسترو كل السيارات المستوردة من أميركا الشمالية، وطبّق قواعد تحظر على المالكين بيع سياراتهم المستوردة، فاضطروا إلى إبقائها. وبذلك، ثمة عشرات الآلاف من السيارات القديمة، على الطرق في كوبا.

في عام 2013، رُفع الحظر المفروض على السيارات المستوردة. ودفع ذلك كثيرون إلى التكهّن بأن القانون الجديد سيعني نهاية قريبة لحقبة السيارات القديمة.

اقرأ أيضاً: