
تشهد إثيوبيا توتراً شديداً وعنفاً أوقع أكثر من 80 قتيلاً، بعد اغتيال المغني المشهور هاشالو هونديسا، وهو من عرقية الأورومو.
وأفادت وكالة "رويترز" بإصابة 6 أشخاص، اليوم الخميس، في صدامات بين قوات أمن إثيوبية وحشود حاولت المشاركة في تشييع هونديسا، في مسقط رأسه بلدة أمبو. ونقلت عن سكان أن "أفراداً من الجيش والشرطتين الاتحادية والمحلية انتشروا في الشوارع"، مشيرين إلى أن الشرطة أطلقت النار في الهواء لـ"منع الحشود من دخول" ملعب نُظم فيه التشييع.
وأضافت "رويترز" أن "بثاً مباشراً أظهر أن الأعداد داخل الاستاد كانت محدودة". ونقلت عن أحد سكان أمبو أن "الشرطة تعيد الناس أدراجهم". وقال أحد أقارب المغني للوكالة: "أمر محزن جداً ألا يرافق جثمانه سوى بضعة أفراد، فيما تمنع قوات الأمن الآخرين من الحضور".
وألقت سانتو ديميسيو ديرو، زوجة المغني، كلمة مقتضبة ورد فيها: "هاشالو لم يمت، سيبقى في قلبي وقلوب الملايين في الأورومو إلى الأبد. أطالب بإقامة نصب تذكاري في أديس أبابا حيث أريق دمه".
عصابات مسلحة
وذكرت "رويترز" أن "الجيش انتشر في العاصمة الإثيوبية الأربعاء، فيما جابت عصابات مسلحة الأحياء"، بعدما قتل مسلحون هونديسا مساء الاثنين. وتحدث شهود عن صدام بين شبان من الأورومو وجماعات عرقية أخرى، وخاض الجانبان مناوشات مع الشرطة. وقال أحد سكان أديس أبابا للوكالة: "عقدنا اجتماعاً فيما بيننا، وقيل لنا أن نسلّح أنفسنا بأي شيء نملكه، بما في ذلك المناجل والعصي. لم نعد نثق بالشرطة لحمايتنا، لذلك نجهّز أنفسنا".
وأعلنت الشرطة مقتل عمّ هونديسا، الأربعاء، خلال شجار بين الشرطة وحشد خارج منزل المغني.
ووصف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وهو من الأورومو، اغتيال المغني بأنه "مأساة"، وزاد: "أعداؤنا لن ينجحوا". وأعلن أن الحكومة ستفعل كل ما يلزم لاستعادة الهدوء في إثيوبيا، متهماً مرتكبي الجريمة بـ"محاولة قتل البلاد أيضاً"، وفق وكالة "أسوشييتد برس".
وكان هونديسا (36 عاماً)، وهو أب لثلاث بنات، أصغرهن عمرها شهر، يعبّر بصوته عن شكوى الأورومو من "تهميشهم"، علماً أن ناشطين من تلك العرقية دعموا أبي أحمد في البداية ثم باتوا أكثر انتقاداً له، واتهموه بالامتناع عن حماية مصالح الأورومو منذ تسلّمه الحكم في عام 2018، إثر احتجاجات مناهضة للحكومة.
اغتيال هونديسا فاقم إحساس عرقية الأورومو بإقصائها التاريخي من السلطة السياسية، لا سيما بعد اعتقال بيكيلي جيربا، زعيم المعارضة في إقليم أوروميا، وقطب الإعلام جوهر محمد.
أضخم جماعة عرقية في إثيوبيا
الأورومو هم أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، إذ يشكّلون نحو 35%من سكانها (109 ملايين نسمة)، علماً أنها تضمّ أكثر من 80 جماعة عرقية. وهم من أقدم الشعوب في منطقة القرن الإفريقي، ومعظمهم مسلمون، كما أن لديهم لغة خاصة بهم، تختلف عن اللغة الأمهرية المعتمدة رسمياً في البلاد.
وعلى الرغم من أن أبي أحمد هو أول رئيس وزراء في إثيوبيا من الأورومو، يعتبر أفراد من تلك العرقية أنه لم يبذل جهداً كافياً من أجلها، وفقاً لـ"رويترز". وطيلة عقود، هيمن حزب واحد، أعضاؤه من إقليم تيغري، على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، ما أثار استياء الأورومو. وأثارت خطة أعدّتها الحكومة عام 2015 لتوسيع العاصمة باستخدام أراضٍ زراعية مملوكة للأورومو احتجاجات استمرت 3 أعوام وقمعاً دموياً أسفر في نهاية الأمر عن استقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين، وتعيين أبي أحمد مكانه.
وأفادت "رويترز" بأن أبي أحمد "أتاح حريات كبيرة على مستوى البلاد"، مستدركة أن "أجزاء من أوروميا في الغرب والجنوب تخضع لحكم عسكري اتحادي، حيث سجّلت منظمة العفو الدولية أعمال قتل وانتهاكات تمارسها قوات الأمن".
ونال رئيس الوزراء جائزة نوبل للسلام عام 2019، لجهوده في تسوية نزاع حدودي مع إريتريا المجاورة لإثيوبيا.
اتهامات إثيوبية للقاهرة.. وردّ مصري
واتهم مسؤول أمني في أوروميا مصر بالتورط في اغتيال هونديسا وبالاضطرابات التي تشهدها إثيوبيا. في الوقت ذاته، اعتبر أبي أحمد أن ما يحصل في بلاده هو محاولة لمنعها من إكمال تشييد سد النهضة على النيل الأزرق، الذي يثير توتراً مع القاهرة والخرطوم.
ووصف اللواء حمدي بخيت، وهو نائب مصري ومحلل استراتيجي وعسكري، تلك الاتهامات بأنها "باطلة"، مؤكداً أن "مصر لا تدير أزماتها ومشكلاتها مع العالم بهذه الخاصية الإجرامية". وقال في حديث لـ"الشرق": "ليست عاداتنا ولا تقاليدنا ولا أسلوبنا. لو أرادت مصر أن تسلك هذا السلوك، لسلكته منذ بداية الأزمة" حول سد النهضة.
وذكّر بأن مصر تعلن، عبر رئيسها عبد الفتاح السيسي، أنها "تنتهج أسلوباً شريفاً في إدارة كل الأزمات السياسة".
واتهم بخيت إثيوبيا بـ"اختلاق الأزمات"، كما فعلت مع السودان أخيراً، لافتاً إلى "قاعدة لدى دول عندما تستشعر بأن هناك نوعاً من الإخفاق وعدم القدرة على القيام بواجبها نحو شعوبها، فتختلق نوعاً من المشاكل لتجمع الرأي العام حولها".
وأبرز أهمية "التركيب القبلي أو الطوائف الموجودة في إثيوبيا"، مشيراً إلى وجود "9 طوائف أو أكثر، كلّ منها تتحدث لغة مختلفة". ورأى أن هناك "مشكلة في وجود إجماع وطني" في إثيوبيا، لافتاً إلى "تهميش الأورومو"، ومعتبراً أن التيغري "يسيطرون" على أبي أحمد.
وتابع: "بهذه الطريقة، يمكن إلقاء المسؤولية على دولة، من أجل تعطيل المفاوضات والإجراءات وانتهاز الفرصة لملء السدّ بشكل أحادي".