فيولا ديفيس.. حياة أغرب من الأفلام!

time reading iconدقائق القراءة - 6
الممثلة الأميركية فيولا ديفيس في حفل ختام الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، جنوب فرنسا، في 25 مايو 2024. - AFP
الممثلة الأميركية فيولا ديفيس في حفل ختام الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، جنوب فرنسا، في 25 مايو 2024. - AFP
جدة -عصام زكريا*

في فيلم Doubt، إخراج جون باتريك شانلي، 2008، تظهر ممثلة أمريكية إفريقية في مشهد واحد، أمام الأسطورة ميريل ستريب، تؤدي دور أم تعاني من أزمة أخلاقية محيرة: ولدها الصغير تعرض للاعتداء من قبل رجل دين أبيض، ولكنها تعلم أن هذا الاعتداء ليس سوى حلقة في سلسلة من القهر الذي يعاني منه ولدها وطبقتها الملونة الفقيرة.

حتى والد الصبي نفسه يضربه ويكرهه، والمدرسة الحكومية طردته، رجل الدين بالنسبة لها، مقارنة بحياة الصبي، أهون من غيره، فقد أكرم الولد وينوي الانفاق على تعليمه!

تتكشف مشاعر وأفكار المرأة عبر مواجهة مع كبيرة الراهبات، تؤدي دورها ستريب، الآتية من عالم آخر، مثالي، وتسعى لإظهار الحقيقة وعقاب رجل الدين الجاني.

المواجهة التي تستغرق أقل من 8 دقائق في مشهد واحد، هي جوهر الفيلم وجوهرته، والممثلة غير المشهورة التي تؤدي الدور تخطف الكاميرا، تعزف مقطوعة موسيقية منفردة على قلوب وعقول المشاهدين، وتحول الشاشة إلى كتلة من النار.

البداية..بعد الثلاثين

هذه الممثلة هي فيولا ديفيس التي لم تكن معروفة بالقدر الكافي آنذاك، بالرغم من شهرتها في المسرح وحصولها على جائزة "توني" المرموقة مرتين، وبالرغم من أنها لعبت دورين أو ثلاثة قصيرين في أعمال أقل أهمية وشهرة من قبل.

رشحت فيولا ديفيس عن هذا المشهد لأول جائزة أوسكار، وأصبحت بين يوم وليلة تحت أضواء السينما والتليفزيون، لتتحول خلال سنوات معدودة إلى واحدة من أهم الممثلات المعاصرات، وصاحبة عدد من الإنجازات والتكريمات الفنية غير المسبوقة أمريكياً وعالمياً. 

تٌكرم ديفيس غداً في الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر، في اعتراف آخر بموهبتها الفذة، وتأتي ديفيس لتلتقي بجمهور المهرجان، وبشباب وشابات  السينما، لتتحدث عن تجربتها، وعن حياتها الملهمة. 

تقول فيولا ديفيس في أحد حواراتها الصحفية: "أنا لا أصدق حياتي. لا أستطيع تصديقها".

من يشاهد العقود الثلاثة الأولى من حياة فيولا ديفيز (المولودة 11 أغسطس 1965)، لا يمكنه بالفعل أن يصدق أن هذه النجمة الشهيرة الثرية التي تحمل هذا الاسم، الحاصلة على جوائز أوسكار وجولدن جلوب وإيمي وتوني وجرامي من بين عشرات الجوائز الأخرى، هي نفسها تلك الطفلة والفتاة والشابة التي عاشت سنواتها الثلاثين الأولى، بين فقر مدقع وعمل شاق وحلم لا يتحقق كان يبدو من شدة صعوبته سخيفاً.

أكلت من القمامة وسرقت من المحلات

في حوارات عدة، تحدثت النجمة المعروفة بأعمالها الخيرية وتبرعاتها خاصة للأطفال الفقراء ومحاربة الجوع، عن ظروف نشأتها الصعبة، التي تذكرنا بالأم وابنها في فيلم Doubt : "كنت طفلة فقيرة تفعل أي شئ لتسد رمقها مثل البحث في القمامة أو السرقة من المحلات".

وقد تركت هذه الفترة تأثيراً كبيراً على تكوين شخصيتها ومواقفها، لم تنكرها أو تتنكر لها، بل صارت منبعاً خصباً تنهل منه مشاعرها الملتهبة التي تتدفق على المسرح وأمام الكاميرات.

بفضل تفوقها الدراسي، وشغفها الهائل بالفن، استطاعت ديفيس أن تشق طريقها عبر المسرح، حتى بدأت الحياة تبتسم لها بعد الثلاثين، عندما لعبت بعض الأدوار القوية في مسرحيات مهمة خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية، ما أهلها للحصول على جائزة "توني" (التي تعادل الأوسكار في المسرح) مرتين.

وخلال تلك الفترة لعبت بعض الأدوار السينمائية الصغيرة مع مخرجين مثل سودربرج في Out of Sight، 1998 و Solaris، 2000. كما ظهرت في أفلام  World Trade Center لأوليفر ستون، 2006، بجانب عدد من الأعمال التليفزيونية.

لكن الدور الذي حقق لها نقلة كبيرة في السينما كان شخصية الأم في فيلم Doubt، والذي أعقبته بدورها الرائع في فيلم The Help، إخراج تيت تيلور 2011، الذي أدت فيه شخصية امرأة أميركية إفريقية تدافع عن حقوق ذوي الأصول الإفريقية.

الشهرة مع التليفزيون

ومع ذلك، فقد جاءتها الشهرة  الواسعة مع بطولتها للمسلسل الشهير الناجح How to Get Away with Murder، الذي عرضت مواسمه بين 2014 و2020، وبفضله أصبحت أول أميركية إفريقية تحصل على جائزة إيمي كأفضل ممثلة في مسلسل تليفزيوني رئيسي، وسرعان ما لحقتها بأوسكار وكرة ذهبية وجائزة اتحاد الممثلين كأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم Fences، إخراج دينزل واشنطن، 2016، الذي دشن اسمها كواحدة من ممثلات الصف الأول. 

خلال سنوات معدودة تحولت ديفيس إلى واحدة من أحب وأشهر الممثلات وأكثرهن حصولاً على الإشادة والتقدير، اختارتها صحيفة  The New York Times في المركز التاسع ضمن استفتاء عن أعظم الممثلين في القرن الواحد والعشرين.

وتألقت في أعمال درامية جادة، وبشكل خاص في أعمال تاريخية مثل دورها في فيلم  Ma Rainey’s Black Bottom، إخراج جورج وولف، 2020، الذي أدت فيه شخصية مغنية الجاز السوداء الرائدة ما ريني، كما لمعت  في فيلم The Woman King إخراج جينا برينس- بيثوود، 2022، الذي لعبت فيه دور محاربة إفريقية تاريخية في قصة تدور عن جيش المحاربات النساء، اللواتي دافعن عن مملكة "داهومي" خلال القرن السابع عشر وحتى التاسع عشر.

أكثر من ممثلة

رغم النجاح الكبير لم تكتف فيولا ديفيس بالتمثيل، وقد سعت لاستخدام المال والشهرة اللذين تحققا لها في أعمال الخير كما أصبحت منتجة وأسست شركة انتاج اسمها Ju Vee مع زوجها، ساهمت من خلالها في دعم الكثير من الأصوات الشابة.

ولا يقتصر حضور فيولا ديفيس كممثلة على الشاشة فحسب، فقد اختارتها مجلة Time مرتين في 2012 و2017 كواحدة من أكثر 100 شخص مؤثرين في العالم، وقد تحولت إلى مثل أعلى وإلهام لملايين الحالمين في الولايات المتحدة والعالم، وهي معروفة بمواقفها المناصرة لحقوق الإنسان والملونين.

ومن أظرف الأشياء أنها روت مذكراتها في كتاب بعنوان Finding Me، صدر في 2022 وسجلته في كتاب مسموع فاز بجائزة جرامي كأفضل كتاب صوتي، وبذلك جمعت فيولا ديفيس بين الأوسكار والكرة الذهبية وإيمي وتوني وجرامي في إنجاز لم يكن ليخطر ببال أكثر الحالمين، أو المجانين، جموحا!

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك