مايكل مان في البحر الأحمر.. عن دي نيرو وآل باتشينو وآكلي لحوم البشر!

time reading iconدقائق القراءة - 7
المخرج الأميركي مايكل مان - AFP
المخرج الأميركي مايكل مان - AFP
جدة-عصام زكريا*

من اللقاءات المنتظرة خلال مهرجان البحر الأحمر الذي تعقد دورته الرابعة حالياً في مدينة جدة، لقاء المخرج الأميركي مايكل مان مع جمهور المهرجان ليتحدث عن تجربته السينمائية الثرية التي تمتد لأكثر من نصف قرن، والتي ينتظر أن يركز فيها بشكل خاص على رائعته Heat، الذي يعرض المهرجان نسخته المرممة الجديدة بمناسبة مرور ثلاثة عقود على صنعه.

ينتظر أيضا أن يتحدث مان في لقاءه الذي يعقد الإثنين 9 ديسمبر عن ولعه بتصوير الجانب المظلم من المجتمعات الحديثة، وبالتحديد حياة الخارجين على القانون من اللصوص حتى آكلي لحوم البشر، وعن قلة أعماله التي لا تتجاوز 12 فيلماً روائياً طويلاً، وعن اهتمامه بالمسلسلات التليفزيونية، حيث كان واحداً من أوائل السينمائيين الكبار الذين يتجهون لكتابة وإخراج وانتاج المسلسلات، سابقا بذلك أجيال من مخرجي السينما الذين اتجهوا للتليفزيون.

ربما يتحدث مايكل مان أيضا عن عمله بالاعلانات، حيث كان أيضاً واحداً من الرواد في ذلك المجال، مع أستاذه ريدلي سكوت وآلان باركر وأدريان لين، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد تركت هذه الاعلانات بإيقاعها السريع وأسلوب مونتاجها بصمة واضحة على الأسلوب الفني لمان.

التأثير الأوروبي!

ولد مايكل مان في الولايات المتحدة 1943، ولكنه انتقل إلى لندن لدراسة السينما وعايش في أوروبا فترة سياسية مشحونة بالتمرد، وكان أول عمل قام بإخراجه فيلما وثائقياً عن ثورة الطلبة في باريس 1968، وهو وثيقة نادرة حول هذه الفترة التاريخية المهمة، بما حملته من أحلام كبيرة وبما مهدت له من تغييرات فنية وثقافية وإجتماعية، وقد قام مان لاحقاً بتحويل المادة إلى فيلم قصير فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان 1970.

السنوات التي قضاها مايكل مان في أوروبا تركت على رؤيته للسينما وأسلوبه الفني تأثيراً كبيراً، وقد صاغ في أعماله أسلوباً فريداً يجمع بين السينما الأوروبية والأمريكية.

أول معالم هذا الأسلوب هو أنه ينتمي لما يعرف بسينما المؤلف، film auteur، حيث يختار ويكتب ويخرج أعماله، وأحياناً ينتجها، بنفسه.

يضاف إلى ذلك نوعية القصص والأفكار التي تطرحها هذه الأعمال، وكذلك إيقاعها وأسلوب تصويرها ومونتاجها.

الجانب المظلم للقانون

في معظم هذه الأعمال نجد أن مايكل مان مشغول بعالم الجريمة، وبالتحديد تلك العلاقة الفريدة التي تجمع رجال الشرطة بالمجرمين، فرغم الصراع الدائم بينهما، إلا أنهما يتشابهان في عدة أشياء، مثل العنف، والقانون الأخلاقي الخاص بكل منهما، والعيش على هامش الحياة التقليدية.

 ومن سمات اسلوب مايكل مان المميزة في هذه الأعمال تصويره "الواقعي" للعنف واعتماده على الأسلحة الحقيقية والتصميم الدقيق للمعارك صورة وصوتاً.

ويتضح ذلك في معظم أعماله، مثل Thief، عام 1981، أول أعماله الروائية، والذي استعان فيه بعدد من اللصوص الحقيقيين ليرصد حياة المجرمين بواقعية.

كذلك في أعماله  Collateral، Public Enemies، ولكن بشكل خاص في رائعته Heat، وربما في ذلك المشهد الطويل الذي يجمع بطلي الفيلم آل باتشينو وروبرت دي نيرو (كانت المرة الأولى التي يجتمع فيها الإثنان في مشهد واحد، قبل فيلم سكورسيزي The Irish Man). 

وقد لا يعلم الكثيرون أن مايكل مان هو أول من قدم للسينما شخصية آكل لحوم البشر هانيبال ليكتر، التي قدمها الكاتب توماس هاريس في عدة روايات، وذلك في فيلم Manhunter، 1986، الذي يتناول جزءا من حياة ليكترفي رواية "التنين الأحمر". سوف تتحول الرواية لاحقا إلى فيلم آخر يحمل اسم الرواية، بجانب "صمت الحملان" و"هانيبال"، اللذان يعدان استكمالا لها.

من التشويق إلى التأمل

تتميز أفلام مايكل مان أيضا بمشهديتها الملفتة، وخاصة في تصوير المعارك والعنف، والانتقال بين مشاهد العنف والايقاع اللاهث ومشاهد الحوارات الطويلة أو تأمل الطبيعة البطيئة نسبيا، ويظهر ذلك بوضوح في واحد من أفضل وأنجح أعماله، وهو The Last Of the Mohicans، 1992، من بطولة دانيال داي لويس، والذي حقق نجاحا شعبيا ونقديا كبيرين ورشح لسبع جوائز أوسكار، وكان من أوائل موجة أفلام شهدتها التسعينيات لإعادة الاعتبار لسكان أميركا الأصليين، الذين طالما صورتهم السينما الأميركية، باستثناءات قليلة، كأشرار همجيين.

مايكل مان أثبت أيضا قدرته على معالجة موضوعات إجتماعية معاصرة مثل رائعته The Insider،  عام 1999، الذي يدور في العالم السري لشركات السجائر وتلاعبها بالدراسات الطبية التي تكشف عن أخطار التدخين، وقد رشح الفيلم الذي لعب بطولته راسل كرو لسبع جوائز أوسكار، وكان له تأثير هائل في حملات التوعية ضد مخاطر التدخين وشركات انتاج التبغ. ومن الطريف أن الناقد الأمريكي الراحل روجر ايبرت قال أن The Insider أهم في رأيه من All The president’s Men، الذي تناول فضيحة "ووترجيت"، لإن "ووترجيت" لم تؤذه شخصيا، بينما تسببت السجائر في موت الكثير من أقاربه فعلياً!

الإبداع في أنواع أخرى

أثبت مايكل مان أيضا قدرته على الابداع في أنواع فنية أخرى مثل السيرة، وذلك من خلال فيلمه Ali،  عام 2001، الذي يروي حياة بطل الملاكمة الأسطوري محمد علي كلاي، حيث لعب ويل سميث شخصية كلاي وكان فاتحة النجومية والجوائز له.

وجدير بالذكر أيضاً أن الدورة السابقة، الثالثة، من مهرجان البحر الأحمر، قد اختتمت فعالياتها في العام الماضي بعرض أحدث أعمال مايكل مان وهو Ferrari، الذي يدور في العالم الحقيقي لسباقات السيارات، بما تحمله من إثارة وخطورة وجنون أحياناً.

 ومن المعروف أن المملكة استضافت خلال السنوات الماضية سباق الـGrand Prix، الذي يعد من أقوى سباقات السيارات العالمية، ما أعطى لعرض الفيلم بعداً واقعياً إضافياً!

سبق عصر المنصات

في عالم التليفزيون ترك مايكل مان إرثه أيضا من خلال إنتاجه وإخراجه لبعض حلقات المسلسل الشهير Miami Vice، بمواسمه الستة التي استمرت من 1984 وحتى 1990، وكان من أنجح الأعمال التليفزيونية وأكثرها تشويقا وإثارة، وفتح، مع بعض أعمال قليلة أخرى، مثل Twin Peaks لديفيد لينش، آفاقا جديدة في الدراما التليفزيونية، تمهيداً لعصر المنصات. وقد قام في 2006 بتحويل المسلسل إلى فيلم ناجح من إنتاجه وإخراجه.

*ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك