فاز الفيلم الفلسطيني "ينعاد عليكو" للمخرج إسكندر قُبطي، بجائزة النجمة الذهبية، في حفل ختام الدورة 21 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، السبت، كما حصل الثنائي منار شهاب ووفاء عون، على جائزة أفضل ممثلة مناصفة، وذلك عن دورها في الفيلم نفسه.
أما جائزة لجنة التحكيم فمنحتها اللجنة، برئاسة المخرج الإيطالي لوكا جوادانينو، مناصفة أيضاً لفيلمين، وهما The Cottage للمخرجة الأرجنتينية سيلفيا سانشيز، وThe village next to paradise للمخرج الصومالي مو هاراوي، فيما فاز بجائزة الإخراج، المخرج الأوكراني داميان كوكور، عن فيلمه Under the volcano، الذي نال عنه أيضاً الممثل الرئيسي رومان لوتسكي، جائزة أحسن دور رجالي.
تأثير سينما هاينيكي
لا، يسعنا ونحن نشاهد فيلم The Cottage للمخرجة الأرجنتينية سيلفينا شنيسر، الفائز مناصفة بجائزة لجنة التحكيم، سوى أن نتذكر فيلم "الشريط الأبيض" إخراج مايكل هاينيكي، عام 2009، إذ يتتبع كلّ من المخرج المتميز والمخرجة الشابة الموهوبة، طيلة فِيلمَيْهما أطفالاً يقومون بأفعال شريرة دون أي سبب ظاهر تدفعهم لفعل ذلك، وكأن الشَّر يُخلق مع الإنسان وينمو معه كُلَّما كَبُرَ، فيبدأ آنذاك في عقلنته والبحث له عن أسباب وأعذار يستطيع بها تبرير ما يقترفه.
أما الأطفال فليسوا في حاجة للتبرير بل يفعلون ذلك بتلذذ، دون أن يشعروا بتأنيب ضمير، لكن ليس هذا فقط ما يجمع الفيلمين، بل أيضاً تحميل المسؤولية للكبار المنافقين الذين يتسترون على أفعال أبنائهم، ويفعلون ما في استطاعتهم لكي لا يعرف عنها الآخرون أي شيء مهما بلغت بشاعتها، فقط للحفاظ على المظاهر الكذابة والخادعة.
أما من الناحية الأسلوبية، فقد ظهرت المخرجة متأثرة بأسلوب "هاينيكي" في الحذف والإيحاء دون قول أو إظهار كل شيء، تاركة للمشاهد هامشاً ليكمل ما لم تُظهره في فيلمها، وقد أضفى هذا الاختيار الأسلوبي جمالية على الفيلم وجعله يستحق الجوائز التي حصل عليها.
فيلم شخصيات
داخل فلسطين المحتلة، تعيش أسرة فلسطينية مسيحية تظهر في شكلها الخارجي أنها أصبحت مندمجة داخل "المجتمع الإسرائيلي"، بكل مكوناته حتى لو كان أفرادها ليسوا سوى "مواطنين" من الدرجة الثانية، لكن مجرد محاولة تَخطِّي الخطوط الحمراء بنسج علاقات عادية مع أفراد يهود من هذا المجتمع تَجُرُّ عليهم الويلات والمشاكل التي لا نهاية لها.
هذا ما نتابعه في فيلم "ينعاد عليكو" للمخرج الفلسطيني إسكندر قبطي، الفائز بالجائزة الكبرى في حفل الختام.
الابن الأكبر يدخل في علاقة مع فتاة يهودية، لكن ما أن تخبره أنها حامل منه حتى تصبح كل الأمور ضده وتنقلب عليه حبيبته المَحْمِيَّة من أسرتها ومن كيان بكامله، فيرفض أن تكون هناك علاقات من هذا القبيل قد تُنتج أطفالاً لا هم إسرائيليون ولا هم عرب خالصون. جنس آخر قد يخلق مشاكل للكيان هو في غِنَى عنها.
الأخت الصغرى تحاول التمرد على تقاليد الأسرة المحافظة، وتدخل بدورها في علاقات، لكن ما تكاد تلتقي بصديق أخيها الطبيب والذي يرغب في الزواج منها وتحكي له حياتها السابقة حتى يتركها ويرفض الزواج منها خصوصاً حينما يعلم أنها فقدت عذريتها، رغم أنه يعترف أنه مازال يحبها بقلبه لكن عقله يرفض الارتباط.
تتعدد الأصوات في الفيلم، إذ نتابع 3 شخصيات كل واحدة على حدة، وذلك لحكي كل مسار على حِدَة، لِيَصُبَّ كل هذا في الحكاية الفيلمية ككل.
نتابع بداية الابن الأكبر الذي تتعدد مشاكله مع حبيبته اليهودية بعد أن تَحمِل منه. ثم ننتقل لحكاية الأخت الصغرى التي كنا قد شاهدنا لمحات منها في مسار أخيها، خصوصاً ما يتعلق بمشاكلها مع أمها المسيطرة والتي تقرر التدخل في كل كبيرة وصغيرة في الأسرة ومسائر أفرادها. أما المسار الثالث فهو المتعلق باليهودية حبيبة الأخ.
يبدو المجتمع الإسرائلي في فيلم "ينعاد عليكو"، خصوصاً في المناطق العربية المحتلة كحيفا والقدس، مجتمعا فُرِض عليه الوجود العربي رغم أنه يرفضه، لكنه لن يسمح أبداً بالمساواة بين اليهود والعرب.
فيلم إسكندر قبطي أيضاً عن المرأة الفلسطينية التي تناضل من أجل أن تتخلص من التقاليد التي تسجنها وتكبل حريتها، وهكذا يُظهر المخرج الفلسطيني في فيلمه هذا أنها تناضل بشكلٍ مضاعف لنيل حريتين وليس حرية واحدة.
حياة داخل الحرب
في فيلم The village next to paradise، للمخرج الصومالي موهاراوي، الفائز مناصفة بجائزة لجنة التحكيم، نتابع الحياة اليومية لعائلة صومالية تعيش في قرية نائية بالصومال على إيقاع حرب طاحنة، وتحاول بصعوبة تدبير أمورها الإقتصادية المزرية.
الأب الذي يتنقل بين المهن، ولا يستطيع أن يصمد في واحدة منها، وابنه الذي يزاول دراسته في مدرسة ابتدائية يتوقف الأساتذة عن الحضور إليها، فتقرر المديرة إغلاقها.
فيما الأب يصر على أن يدخل ابنه لمدرسة داخلية رغم صعوبة ذلك، أما الأخت المطلقة فتتصارع لفتح محل تجاري للملابس وتقاتل من أجل ذلك، كل هذا تحت وقع ضربات جوية من طائرات حربية.
مع مرور زمن الفيلم، نعلم أن الطفل ليس ابن الرجل، وأنه ربَّاه بعد وفاة أمه التي كانت زوجته قبل أن تتركه، لكنها تركت له وصية بأن يرعاه وذلك ما فعل.
فيلم سينمائي حميمي وقاسٍ في بلد ليست فيه سينما على الإطلاق، ينقل لنا بصدق فني مصائر شخصيات من صميم الواقع تُصارع فقط من أجل أن تعيش.
مشروع هذا الفيلم مرَّ من "ورشات الأطلس" بمهرجان مراكش السينمائي التي دعمته، وعاد إليه ليفوز بجائزة الإخراج، وقد عَبَّرَ المخرج الصومالي وهو يتسلم جائزته عن فرحته الكبرى وعن امتنانه الخالص للجنة وللمهرجان.