Horizon: American Saga.. رحلة كيفين كوستنر الطويلة إلى الغرب الأميركي

time reading iconدقائق القراءة - 9
كيفين كوستنر في مشهد من فيلم Horizon: American Saga- Chapter One على منصة نتفليكس - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
كيفين كوستنر في مشهد من فيلم Horizon: American Saga- Chapter One على منصة نتفليكس - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
القاهرة -عصام زكريا*

لأكثر من 3 عقود ظل كيفين كوستنر يحلم بتنفيذ مشروع سينمائي كبير يتكون من عدة أجزاء، يروي فيه فترة تاريخية حاسمة من تأسيس الغرب الأميركي، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فترة اتسمت بالدموية والعنف الشديدين، يراها البعض بطولية، وطنية، ويراها آخرون إبادة عرقية ممنهجة قام بها الغزاة الأوربيون ضد السكان الأصليين لأميركا.

بعد 35 عاماً من الاختمار، خرج الحلم إلى النور متمثلاً في الفصل الأول من رباعية أفلام بعنوان Horizon: American Saga- Chapter One، والذي شهد عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي الماضي، وبدأ عرضه على منصة نتفليكس مؤخراً (بالرغم من أن المنصة لم تبدأ عرضه في الشرق الأوسط بعد).

طموح كوستنر

منذ الفيلم، أوالفصل، الأول، الذي يصل زمن عرضه إلى 3 ساعات، يتبين حجم الطموح الكبير الذي تحمله هذه الرباعية، والتي قد يصل طولها مجتمعة إلى 12 ساعة تغطي أحداث 12 عاماً من 1859 إلى 1871 من بينها سنوات الحرب الأهلية التي امتدت لخمس سنوات.

أول ما يلفت الانتباه في الفيلم هو ضخامة الإنتاج، وقد قام كوستنر بدفع النسبة الأكبر من تمويل المشروع ببضع عشرات الملايين من الدولارات، ما يكشف قدر شغف وإصرار النجم الكبير الذي احتفل بعيد ميلاده السبعين منذ أيام قليلة (18 يناير).

الأمر الملفت الثاني هو الاهتمام الشديد بالتفاصيل الكثيرة والدقيقة، فيما يتعلق بالأحداث وخلفياتها ودوافعها (منذ اللحظة الأولى للفيلم التي يقوم فيها رجل أبيض وابنه بقياس مساحة أرض خالية في الصحراء، سرعان ما يقتلان ليتواصل الصراع على الأرض بين السكان الأصليين والغزاة)، هذه الدقة التاريخية التي تمتد لتفاصيل الحياة اليومية والملابس والطعام، كما لو أن الهدف ليس قص حكاية في حد ذاتها، بل بعث هذه الحكاية حية أمام أعين المشاهد.

يبدو كيفين كوستنر كمؤلف ومخرج ومنتج وممثل ضليعاً بهذا العالم، وهو أمر لا يثير الدهشة، فمن بين نجوم هوليوود المعاصرين، ربما لا يوجد مهووس بالغرب الأميركي مثل كيفين كوستنر، الذي كرس وقتاً وجهداً من حياته وعمله كممثل ومخرج ومنتج لصناعة أفلام "ويسترن" أكثر من أي ممثل آخر.

بداية المشوار

كان كيفين كوستنر نجم التسعينيات الأول، لمع اسمه بقوة بعد بطولة فيلم The Untouchables (برايان دي بالما، 1987)، الذي لعب فيه شخصية محقق المباحث الفيدرالية إليوت نيس، بمشاركة روبرت دي نيرو، شون كونري وآندي جارثيا.

حقق الفيلم نجاحاً كبيراً ووضع اسم كوستنر على رأس قائمة النجوم الشباب، حيث قام ببطولة عدد من الأفلام الرومانتيكية الكوميدية، التي انتشرت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات جسد فيها دور فتى الأحلام الوسيم الجذاب.

لكن كوستنر سرعان ما تمرد على هذا التنميط وعلى نفسه، فقام بإنتاج وإخراج وبطولة فيلم Dances with Wolves، المأخوذ عن رواية مبنية عن وقائع حقيقية، تدورفي عالم الغرب الأميركي نهاية القرن التاسع عشر.

حقق الفيلم نجاحاً خيالياً وحصل على عشرات الجوائز، منها جائزتي أوسكار لكوستنر كأفضل فيلم وأفضل مخرج، وكان بداية علاقة كوستنر بالغرب الأميركي.

بعد Dances with Wolves لم يتوقف كوستنر عن التمثيل ولكنه خاض عدداً من التجارب والأدوار المختلفة، منها دور المحقق في فيلم JFK (أوليفر ستون، 1991) الذي أعاد فتح ملف اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، بجانب مشاركته كمنتج وممثل في أعمال مثل Wyatt Earp (لورانس كاسدان، 1994)، وهو فيلم "ويسترن" آخر مبني على وقائع حقيقية، و The Bodyguard (ميك جاكسون، 1992) أمام نجمة الغناء آنذاك ويتني هوستون، الذي حقق نجاحا هائلاً ورسخ اسم كوستنر كنجم شباك وفتى أحلام، وجدير بالذكر أن فكرة الفيلم (حب يجمع حارس خاص بمن يحرسها) قد تم اقتباسها في عدد من الأعمال العالمية، منها مسرحية مصرية لعادل إمام وفيلمين هنديين ومسلسل من إنتاج نتفليكس كلها تحمل اسم "بودي جارد".

العودة إلى الغرب

رغم خفوت نجومية كوستنر تدريجيا منذ نهاية التسعينيات، ربما لاختياراته الجريئة ولكن غير الموفقة أحياناً، مثل فيلم  The postman الذي قام بإخراجه أيضاً (1997)، وMessage in a Bottle (لويس ما ندوكي، 1999) إلا أنه ظل متواجداً من خلال أفلام متوسطة النجاح، كما كرر تجربة  الإخراج بفيلم "ويسترن" آخر هو Open Range (2003)، والذي حقق نجاحاً، لا يقارن بـDances with Wolves بالطبع، ولكنه أكد مهارة كوستنر المميزة في صنع أفلام الويسترن، وخاصة في تنفيذ مشاهد المعارك، وتصوير الطبيعة القاسية والجميلة في الوقت نفسه.

هذه الموهبة التي تتجلى في Horizon، سواء في مشاهد القتال، أو تصوير حياة الصحراء القاحلة التي يعيشها المهاجرون الأوائل.

أما آخر عمل "ويسترن" شارك فيه كوستنر، فكان مسلسل Yellostone بأجزاءه الخمسة (2018 -2024)، الذي يتتبع حياة عائلة إقطاعية أميركية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر حتى اليوم، وقد حصلت نتفليكس على حقوق عرضه مؤخرا ليعرض بالتوازي مع Horizon الجزء الأول وما سيتبعه من أجزاء.

حتمية تاريخية

يبدأ الفصل، أو الفيلم، الأول ببداية الصراع على الأرض التي يطلق عليها اسم "هورايزون"، أي "أفق"، ويسير الصراع في خطين دراميين: الغزاة المهاجرون من جهة، والسكان الأصليون من جهة ثانية. يحاول الفيلم أن يكون محايداً: الأشرار، أو دعاة الحرب والكراهية، يوجدون على الجانبين.

يستخدم كوستنر المونتاج ببراعة لكي يوحد الحكاية ويوحد بين الطرفين، وفي المنتصف هناك هيز إليسون (كوستنر)، تاجر الجياد، راعي البقر النبيل، الوحيد، الذي يصل إلى المدينة ليرسي قواعد العدالة بمسدسه.

الشخصيات كثيرة والعلاقات متشابكة، والجزء الأول هو بمثابة مقدمة لرصد نماذج الشخصيات والأفكار والمصالح المتعارضة، لقد بدأ القتل، وكل طرف يسعى للانتقام، وكل طرف يرى أن الحق معه.

هناك المواطنون الأبرياء، نساء وأطفال ورجال، قد وضعتهم الظروف في مواجهة بعضهم البعض بجانب مواجهة شظف العيش والسعي وراء حياة كريمة.

وهناك من يحملون طباع اللصوص والضباع، الذين يتعطشون للدماء وللتربح بأي وسيلة، هناك ضابط الجيش المتعاطف مع السكان الأصليين، والذي يحاول اقناع "عصابات" المنتقمين بعدم التعرض للأبرياء، ولكن قائده يعترض، فمن وجهة نظره الحرب حتمية تاريخية وقدر، لا مجال فيها للسلام والتعايش.

وعلى الناحية الأخرى تتشابه مواقف السكان الأصليين: معظم الشباب يؤمنون بضرورة الدفاع عن الأرض وطرد المحتلين، بالرغم من استحالة ذلك عملياً، بسبب فارق السلاح والإمكانيات، بينما يرى كبير القبيلة أن الواقعية تفرض عليهم قبول التعايش المشترك! إذا ذكرتك هذه الحكاية بواقع قريب منك، فلعل ذلك يفسر سبب انحياز الولايات المتحدة لمن ينهبون أراضي العرب، فقد سبق وفعل الأميريكيون ذلك على مدار عقود.

أفق الرعب

يبدأ الفيلم بحملة إغارة يشنها السكان الأصليون لاحراق خيام المهاجرين وقتلهم، وينتهي بغارة يشنها المهاجرون على خيام سكان أصليين أبرياء، في غياب الرجال الذين ذهبوا للصيد، وقتل النساء والأطفال وكبار السن بوحشية، لقد انفتح باب الجحيم، ولن يغلق مرة ثانية.. رعب أكبر سوف يجئ (كما يقول الشاعر صلاح عبد الصبور) في الأجزاء التالية.

ربما يعاني الفصل الأول من بطء الأحداث والإيقاع، ولكن أتصور أن ذلك كان ضرورياً لكي يتعرف المشاهد على خلفيات الأحداث والشخصيات.

وأعتقد أن المشكلة تتعلق بالقالب الذي وضعت فيه المادة، فهذه القماشة الكبيرة تحتاج إلى مسلسل وليس فيلماً، ولا أعلم لماذا أصر كوستنر على تقديمها في قالب أفلام، ربما لإنه ينتمي لجيل السينما لا المنصات، ولعله يرى أن السينما أرقى، ولكن الإنتاج التليفزيوني شهد تطوراً هائلاً خلال العقد الأخير، وباتت المسلسلات، خاصة القصيرة، تقترب جداً من مستوى الأفلام، وكثير من صناع الأفلام باتوا يحولون مشاريع أفلامهم إلى مسلسلات.

ما فعله كيفين كوستنر هو العكس، فقد قرر صناعة مسلسل طويل على هيئة فيلم!

ربما يكون من الصعب مشاهدة Horizon: chapter One في دور العرض، ففي النهاية هذا ربع فيلم، وربما يكون خطأ كوستنر الوحيد أنه لم يتعامل معه كفيلم مكتمل درامياً، كما نرى في ثلاثيات مثل  Godfather أو Lord of the Rings أو The Matrix  أو حتى ثمانية مثل Harry Potter، كل جزء من هذه الأعمال يمكن مشاهدته بمفرده، حيث يتكون من بداية ووسط ونهاية مشبعة، بينما يشعر المرء عقب الانتهاء من Horizon، بأن كل شئ معلق، مثل المسلسلات.

ولكن بغض النظر عن الأنواع، هذا عمل جيد ومشوق ومثير للتفكير والترقب للحلقات، أقصد الأجزاء، التالية. 

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك