خاص
فن

"المشروع X".. مهمة مستحيلة مستنسخة

time reading iconدقائق القراءة - 11
الملصق الدعائي لفيلم "المشروع X" للمخرج بيتر ميمي - instagram/karimabdelazizofficial
الملصق الدعائي لفيلم "المشروع X" للمخرج بيتر ميمي - instagram/karimabdelazizofficial
القاهرة -عصام زكريا*

لا شك أن بيتر ميمي مخرج متمكن طموح، قدم أعمالاً  ناجحة في التليفزيون والسينما.

ولا شك أيضاً أن كريم عبد العزيز واحد من أكثر النجوم شعبية وتألقاً في السنوات الأخيرة، سواء في السينما أو الدراما التليفزيونية. 

ولا شك أن الأعمال التي جمعت بيتر ميمي بكريم عبد العزيز كانت الأكثر نجاحاً بالنسبة للإثنين، مثل ثلاثية "الاختيار" ومسلسل "الحشاشين" وفيلم "بيت الروبي".

وبالإضافة إلى اسمي بيتر ميمي وكريم عبد العزيز، فقد توفر لفيلم "المشروع X" إمكانيات إنتاجية هائلة يقال أنها الأضخم بالنسبة لفيلم مصري على الإطلاق، مع فريق عمل كبير، مرصع بالنجوم، ومواقع أحداث براقة ومتنوعة، من قلب الهرم الأكبر إلى السلفادور، مروراً بالفاتيكان، طبعت في نسخ عرض متطورة صورة وصوتاً على أحدث التقنيات، وكل هذه عناصر تحقق الإبهار وتضمن للفيلم تحقيق النجاح الجماهيري. 

الإبهار دون مصداقية

لكن شيئاً واحداً، أو شيئين، قد فاتا صناع "المشروع x" وأثرا، سلباً، على هذا النجاح، وهما المصداقية والكيمياء، المصداقية تتعلق بتصديق صناع العمل للموضوع والقصة وحتى حركات الأكشن التي يؤدونها، وهو ما ينتقل بالضرورة إلى المشاهدين.

أما الكيمياء فتتعلق بالتوافق أو الانسجام الذي يربط الممثلين بخيوط غير مرئية، لكن المشاهد يستشعرها ويتأثر بها، وكل من المصداقية والكيمياء في "المشروع x" يعانيان من الأنيميا.

يحب بيتر ميمي أن يقدم نفسه كمؤلف، رغم أن الأعمال التي كتبها، منذ أفلامه المبكرة وحتى "موسى"، هي الأقل نجاحاً في مسيرته، هو "صنايعي" ماهر بالطبع، كمخرج، وأحد مهاراته أنه يفهم في السيناريو كدراما وحبكة وإيقاع وأسلوب سرد، ولكن السيناريو، قبل ذلك كله، يجب أن يحمل مضموناً أصيلاً مرتبطاً بهموم ومشاغل وأفكار مؤلفه، وهو ما لا يتوفر في "مؤلفات" بيتر ميمي، الذي يميل إلى أن "ينهل" و"ينحل" من السينما العالمية خليطاً مشوشاً من الموضوعات والحبكات التي يعتقد أنها ستوفر له فرصا للإبداع و"التفنن" كمخرج: أي التي تحتوي على مشاهد صعبة مبهرة من أكشن ومطاردات ومجاميع ومواقع تصوير.

ولكن المشكلة أن المشاهد السينمائية المتقنة لا يمكنها إنقاذ مضموناً مهترئاً أو حبكة غير متسقة، أو دراما تخلو من المشاعر، وهذا، للأسف، حال "المشروع  x" الذي يظل مشروعاً غامضاً مثل اسمه، أجنبي الأصل مثل حرفه اللاتيني، يحمل طموحاً، مثل فرضيته العلمية، غير واقعياً.

الاقتباس دون منطقية

أول ما يلفت، ويدهش المرء، في "المشروع X" هو أن فكرته وموضوعه وحبكته تكاد تكون اقتباساً مباشرا عن فيلم Mission Impossible الثامن، الذي عرض جزءه الثاني والأخير منذ أسابيع قليلة.

هناك سر ما، يتوقف عليه مستقبل العالم، مختبئ في غواصة روسية ضالة في أعماق المحيط، يتعين على فريق من المغامرين الخارقين أن يستعيدوه لينقذوا العالم من شر "فيروس" الذكاء الصناعي (في الفيلم الأمريكي)، أو ليستعيدوا أمجاد الحضارة المصرية القديمة في الفيلم المصري.

لكي يتمكن مؤلفاً "المشروع X"، بيتر ميمي ومعه أحمد حسني، من تحقيق مشروع هذا الاقتباس تعين عليهم القيام بعدة تعديلات وتكييفات جعلت السيناريو شبيها بمسخ (أو استنساخ) فرانكنشتين المكون من أعضاء متفرقة متنافرة.

في سلسلة Mission Impossible فإن فريق العمل يتكون من فريق محترفين على أعلى مستوى، يجمعون بين الذكاء والمهارات العضلية والقتالية، تم تدريبهم لسنوات للقيام بهذه المهام "المستحيلة".

في "المشروع x" يتكون الفريق من خليط مواطنين عاديين، على رأسهم يوسف الجمال (كريم عبد العزيز) الذي يفترض أنه عالم آثار خارق القوى (على طريقة إنديانا جونز)، قامت جهة غامضة "أجنبية" بخداعه وألصقت به تهمة قتل زوجته شمس (هنا الزاهد) عالمة الآثار أيضاً، وشريكته في البحث عن سر الطاقة "النووية" المدفون في غرفة سرية بالهرم الأكبر.

يحاول الجمال عبثاً إثبات براءته، حين يقوم شرير غامض اسمه آسر (إياد نصار) باختطافه من مصحة الأمراض العقلية، حيث كان يخضع لاختبار الكشف على قواه العقلية، في إجراء غير منطقي بالمرة خاصة يفترض أنه ومحاميه إدعيا أمام القضاء أنه مجنون للتهرب من تهمة قتل زوجته، ويبدو أن صناع الفيلم جعلوا المكان مصحة للأمراض العقلية بدلاً من السجن، لصعوبة تهريب البطل من السجن: عملياً وإنتاجياً ورقابياً.

يضطر يوسف الجمال إلى التعاون مع آسر، مندوب العصابة الدولية الكبيرة، خوفاً على ابنته الصغيرة التي تعتقد خطأ أنه قتل أمها، خاصة حين يطلعه آسر على فيديو يثبت براءته من التهمة.

ويتعين على الاثنين البحث عن خطة وفريق عمل لكي يستعيدوا مخطوطاً غامضاً مختبئاً في مكتبة الفاتيكان (على طريقة "شفرة دافنشي") ليعرفوا مكان الغواصة السوفيتية الغارقة التي تحمل خريطة موقع الغرفة السرية بالهرم، والتي قام السوفييت بسرقتها من مصر عندما كانوا يساعدون مصر في بناء السد العالي وحرب أكتوبر.. منتهى التضليل التاريخي والجحود في الحقيقة، ولكن ما علينا، ربما لا يقصد صناع "المشروع x" الإساءة، ولكنهم جعلوا السوفييت هم الأشرار كما في الفيلم الأميركي.

دلالات فلكلورية!

المهم أن حظ يوسف الجمال الجيد يوقعه في أبطال خارقين مثله، من بينهم مريم (ياسمين صبري) حبيبته القديمة، المرشدة السياحية، وأخيها مورو (أحمد غزي)، الصعلوك "الفهلوي" المقيم في إيطاليا، وصديق قديم آخر لا نعلم من أين جاء اسمه صقر (عصام السقا) بعين واحدة على طريقة الصقر حورس! ويمكن أن نشير بشكل عابر هنا إلى الدلالات "العبقرية" لبقية أسماء الفريق: الجمال (ربما تذكرة ببطل المخابرات رفعت الجمال) وشمس، التي ربما تشير إلى إيزيس، ومريم، على اسم والدة السيد المسيح، محبوبة كل المصريين.

كنت أقول أن فريق عمل "المشروع x" يمتلكون مهارات أبطال المهمة المستحيلة، فهم شديدو الذكاء وسعة الحيلة والبأس والقوة العضلية ومهارة قيادة السيارات والدراجات والغطس وإطلاق النار وتفادي إطلاق النار، حتى أنهم يتغلبون على كل أمن الفاتيكان وكل شرطة روما وكل عصابات مافيا السلفادور دون خدش واحد تقريباً، مع أنهم، في الحقيقة، كشخصيات روائية وكممثلين، "غلابة" في الإمكانيات.

ويصعب على المشاهد أن يصدق أن كريم عبد العزيز وإياد نصار يمكنهم الجري أصلاً، كما يصعب عليه أن يصدق أن ياسمين صبري قادرة على تحريك أكثر من شفتيها، خاصة أن الثلاثة، على ما يبدو، لم يبذلوا مجهودا في التدريب والاستعداد والـ"بروفات"، كما يفعل الممثلون المحترفون عادة.

ولعل ظروف إنتاج الفيلم الذي استغرق شهوراً طويلة تخللها عدد من الانقطاعات قد ساهمت في ظهورهم بهذا الترهل الأدائي، أما الشاب، من بين ممثلي الفيلم، أحمد غزي، فقد كان بإمكانه أن يوحي بالقوة، بحكم شخصيته في الفيلم وقوامه الرياضي، ولكن تم استخدامه كمهرج يثير الضحكات أكثر من استغلاله كبطل أكشن، لا أدري لماذا؟!

يضم الفيلم عدداً من النجوم كضيوف شرف من ماجد الكدواني إلى أمير كرارة مروراً بكريم محمود عبد العزيز ومصطفى غريب، وظهورهم يثير نوعاً من النشاط والحيوية في الفيلم، غالباً ما تخبو مع عودة الدراما إلى حركتها المتلعثمة. 

يجيد بيتر ميمي تنفيذ مشاهد الأكشن وتوليفها (مونتاجها)، وبالفعل يحتوي الفيلم على بعض المشاهد المبهرة بالنسبة للسينما العربية، ولكن مع الحبكة المضطربة والأداء التمثيلي الفاتر يصعب على المشاهد أن يندمج داخل العمل، ولعله يجد نفسه منفصلاً ذهنياً عن الدراما والشخصيات في أحيان كثيرة.

ورغم أن بيتر ميمي يجيد صنع مشاهد الدراما الإنسانية، كما يظهر في "الحشاشين" مثلاً، لكنه لا يهتم هنا بهذه المواقف، حتى أن مشاهد البطل مع ابنته شديدة البرود ومشاهده مع زوجته شديدة التجريد، بل وتنتهي بمشهد غير إنساني يقوم فيه بإطلاق رصاصة الرحمة عليها وهي تحترق!

أما مشاهده مع ياسمين صبري فهي تخلو من أي شعور، ويكفي أن يقارن المرء بين الكيمياء التي ربطت بين كريم عبد العزيز وميرنا نور الدين في "الحشاشين"، وانعدام الكيمياء بينه وياسمين.

دعاية للتصوير الخارجي

معظم أحداث الفيلم تدور خارج البلاد، باستثناء مقدمة وخاتمة الفيلم، وهو اقتباس آخر من سلاسل الجواسيس جيمس بوند ومهمة مستحيلة، هذه المناظر الطبيعية landscapes ممتعة للنظر، وتتوافق مع روح المغامرات التي تحتويها هذه النوعية من الأفلام.

وأتصور أن هناك سبباً إضافياً وراء ذلك، هو الحرية التي تتوفر لتنفيذ مشاهد المطادرات والمعارك، في مشاهد إيطاليا، مثلاً، هناك مظاهرات هائلة تجتاح الشوارع تنتهي، وفقاً للفيلم، بموت الرئيس الإيطالي وحلول الفوضى في البلاد. في السلفادور (المصورة في بلاد أخرى) تسيطر عصابات المافيا على البلاد، وتدور معارك طاحنة بين هذه العصابات.

في مصر لا يدور شئ تقريباً في الشوارع أو الأماكن الطبيعية، وهو قرار غريب في الوقت الذي تسعى فيه الجهات المسئولة إلى تشجيع التصوير في مصر والدعاية للأماكن الطبيعية التي يمكن التصوير فيها، وكأن الفيلم دعاية للتصوير خارج مصر!

ربما اضطر صناع الفيلم إلى الاعتماد على التصوير في الخارج بسبب صعوبات التصوير في مصر بالنسبة للأفلام المحلية، وهي مفارقة تحتاج إلى تدخل وايجاد حلول سريعة، خاصة أن هناك الكثير من الأفلام المحلية التي تلجأ للتصوير خارج مصر توفيراً للنفقات وتجنباً للصعوبات.

خرافة الكائنات الفضائية 

وبما أننا وصلنا للآثار، فيجب الإشارة إلى حبكة الفيلم التي تقوم على أن الفراعنة (الذين كانوا نهاية حضارة شديدة التقدم) قد توصلوا لأسرار الطاقة النووية وأخفوها في الهرم، الذي لا يمكن أن يكون مجرد مقبرة، حسبما يصر أبطال الفيلم، هذه الفرضية هي اقتباس لفرضيات حمقاء متداولة منذ ستينيات القرن الماضي وكتاب "عربات الآلهة" للدجال الألماني إريك فون دانكن أول من روج لنظرية أن الفراعنة كائنات فضائية، والتي كانت محور المواجهة المضحكة بين البودكاستر الأفاق جو روجان وإنديانا جونز مصر زاهي حواس!!

من المؤسف أن يتم الترويج لمثل هذه الخرافات باسم الوطنية والتغزل بالهوية والتاريخ المصري، بالإضافة إلى نظرية المؤامرة الكونية التي تديرها منظمات ودول عظمى ضد مصر، ومنها الاتحاد السوفيتي، وبالنظر إلى أن جمهورنا لا يفرق عادة بين الخيال السينمائي ووقائع التاريخ، فإن الفيلم كان يحتاج، على الأقل، تنويها في بدايته بأن كل هذه الأحداث من محض خيال بيتر ميمي.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك