خاص
فن

The Studio.. هيستريا السخرية من هوليوود!

time reading iconدقائق القراءة - 10
مشهد من المسلسل الأميركي The Studio بطولة سيث روجرز - facebook/appletv/
مشهد من المسلسل الأميركي The Studio بطولة سيث روجرز - facebook/appletv/
القاهرة -عصام زكريا*

من الممتع دائما الفرجة على هوليوود وهي تسخر من نفسها! 

منذ أن استقرت صناعة السينما الأكبر في العالم في ثلاثينيات القرن الماضي، وإلى الآن، ظهرت عشرات الأعمال الفنية التي تنتقد وتكشف وتسخر من الجانب الخلفي، المظلم، من الشاشة.

هذا الجانب الذي لا يراه ولا يعلم بوجوده الجمهور عادة، يتضمن التنافس الشرس بين النجوم، تغليب التجارة على الفن، والعلاقات المريبة بالجريمة المنظمة والفساد بأنواعه. 

ورغم أن كل المهن تخفي جوانبها المظلمة، لكن الجانب المظلم لهوليوود هو الأكثر إثارة للفضول، ربما لأن السينما والدراما وصناعها هم الأكثر شعبية وشهرة وتأثيراً، وربما لأن جانبها المظلم لا يقل جاذبية عن بريقها وأضواءها اللامعة.

بين الضحك والدهشة

ومن بين العديد من الأعمال التي ظهرت في الآونة الأخيرة حول كواليس صناعة الأفلام والدراما التليفزيونية، فإن مسلسل The Studio من أكثرها صخباً ومبالغة في تقديم صورة كاريكاتيرية، تكاد تكون "جروتسكية"، تشويهية أحياناً، وواحد من أكثرها إضحاكاً وإدهاشاً.. مع التحفظ على وجود بعض العناصر السلبية التي يصعب أن يتجاوز عنها المرء.

المسلسل الذي أنتجته +AppleTV مرشح لـ23 جائزة إيمي من المتوقع أن يفوز بالعديد منها في الحفل المخطط إقامته في 14 سبتمبر القادم، وهو يأتي عقب عدد من المسلسلات التي تدور في كواليس صناعة الترفيه مثل Hacks الذي يدور حول ممثلة سابقة تعمل كـ standup comedianتحاول الحفاظ على مهنتها و The Franchise الذي يدور في كواليس صناعة أفلام الأبطال الخارقين، ولكن The Studio يدفع بهذه المحاكاة الساخرة Parody إلى حدها الأقصى، وربما إلى حدود "السيريالية"، أو "الهيستيريا"، في بعض المشاهد.

 The Studio، بداية، هو فكرة وكتابة وإخراج كل من سيث روجن وإيفان جولدبرج، صاحبا فيلم The Interview عام 2014، والذي أثار زوبعة وقت عرضه بسبب موضوعه الذي يدور حول صحفيين أميركيين يحصلان على سبق إجراء حوار مع الزعيم الكوري كيم يونج، ولكن يفاجئان بأن المخابرات الأمريكية تكلفهما بمهمة "وطنية" هي اغتيال الزعيم الكوري، وقد تسبب الفيلم في أزمة بين البلدين لبعض الوقت.

يدور المسلسل كما يدل اسمه حول ستوديو (شركة إنتاج) أفلام أميركية اسمها "كونتينتال"، يقوم صاحبها بفصل المديرة لأنها لم تستطع إنتاج أعمال مربحة تجارية بالشكل الذي يتمناه، ويعين بدلاً منها أحد مساعديها وهو "مات ريميك"/ سيث روجن، الذي يجد نفسه مشتتاً بين أمنيته في صنع أفلام فنية تحصل على جوائز وأوامر صاحب الشركة، الذي يريد إنتاج سلسلة تجارية خفيفة لبطل خارق مستلهم من أحد المشروبات الشعبية الرخيصة، التي ازدهرت في الستينيات وكان يحمل اسم "كولايد".

سكورسيزي ممثلاً!

المفارقات التي تنتج عن هذا التناقض مضحكة بشكل لا يصدق، إذ يطمح "ريميك" إلى الاستعانة بمارتن سكورسيزي شخصياً لإخراج فيلم عن واحدة من أسوأ حوادث القتل الجماعي في تاريخ أميركا، المعروفة بـ"جونز تاون"، والتي حدثت في 1978 عندما قام المئات من أتباع رجل دين مجنون بالانتحار الجماعي، وقيام حراس مزرعته بقتل عدد آخر.

يلحظ "ريميك" أن أنصار الجماعة المهووسة كانوا يشربون الـ"كولايد"، ويعتقد أنه سيخدع صاحب الاستوديو بعمل فيلم عن المشروب من إخراج سكورسيزي، ولكن بالطبع يتعرض للتوبيخ ويضطر إلى إعطاء الفكرة لكاتب ومخرج "تجاري"، فيما يتعين عليه أن يتملص من تعهده لسكورسيزي، ليس فقط برفض إنتاج الفيلم، ولكن شراء حقوقه ودفنه حتى لا يوجد فيلم آخر يحمل إشارة إلى "كولايد"!

الطريف أن مارتن سكورسيزي رُشح عن دوره لجائزة إيمي كممثل، والطريف أنه ليس وحده، فالحلقة تضم عدداً من النجوم الآخرين بشخصياتهم الحقيقية، مثل تشارليز ثيرون وستيف بوتشيمي وآيس كيوب.

يستعين المسلسل بعدد من النجوم والفنانين المعروفين يؤدون شخصياتهم الحقيقية، يزيد عددهم عن 30 ضيفاً على مدار حلقات المسلسل العشرة، منهم المخرجين سارا بولي ورون هوارد، والممثلين أوليفيا وايلد، زاك ايفرون، جريتا لي، زوي كرافيتز، وغيرهم.

الاعتماد على هذا التكتيك ليس من شأنه فقط تطعيم العمل بضيوف شرف لامعين يؤدون نسخة "مبالغ فيها" و"كوميدية" من أنفسهم، ولكنه أيضا يعطي مصداقية للأحداث والمواقف مهما بلغت من خيال ولا معقولية في الكتابة.

ممثلون يفتقدون للجاذبية!

بجانب النجوم الذين يتغيرون من حلقة لأخرى هناك فريق عمل الاستوديو الرئيسيين ريميك ومساعدته الطموحة "كوين هاكيت" (تشيس سو وندر)، "باتي" (كاثرين أوهارا) المديرة السابقة للاستوديو والتي يستعين بها مضطراً لكي لا تسحب أصدقاءها من الفنانين الذين يعملون لصالح الشركة، نائبه والرجل الثاني بعده "سال" (ايك بارينهولتز)، وهو مدمن هيروين يحقد على "ريميك" ويطمع في الاستيلاء على منصبه، مديرة التسويق "مايا" (كاثرين هان) التي لا يعنيها سوى الجانب التجاري للأفلام، بالإضافة إلى صاحب الشركة "جريفن" (برايان كرانستون).

ورغم الجهد الهائل الذي يبذله هذا الفريق إلا أن عيب المسلسل الوحيد يكمن في أنه لا يوجد من بينهم، سواء على مستوى الكتابة أو التمثيل، شخصية واحدة جذابة أو تدعو المشاهد للتعاطف معها، وذلك على عكس ضيوف الشرف!

يعرض المسلسل في كل حلقة قصة مختلفة تكشف عن بعض كواليس صناعة الأفلام، بداية حتى من الكلمة التي تطلق على الفيلم: Film للأعمال الفنية التي لا يريدها الاستوديو، وmovie للأفلام "الشعبية" التي تجذب الجمهور وتدر الأرباح، وحتى الطريقة التي يستعد بها المرشحون للجوائز برد فعل وكلمات معدة سلفاً، رغم أنهم يفتعلون الاندهاش والبكاء والتلقائية.

طموحات فنية

لكن المفارقة التي يحملها The Studio هي أنه في الوقت الذي يسخر فيه من كل شئ في الصناعة تقريباً (من المخرجين الكبار إلى الممثلين النجوم إلى الأعمال الفنية الجادة)، وفي الوقت الذي يبدو فيه منحازاً لوجهة النظر "التجارية" وأفلام الـIP، أي المصنعة وفقاً للصيغ الجاهزة مضمونة النجاح، إلا أن صناع المسلسل يحملون بجانب هذا الهذر طموحات فنية واضحة، تتجلى في الأسلوب الفني الذي صنع به العمل.

يظهر ذلك بوضوح في الحلقة الثانية التي تحمل عنوان The Oner أي اللقطة الواحدة الطويلة، وتصور المخرجة المعروفة سارا بولي أثناء محاولتها لتنفيذ لقطة واحدة طويلة تختم بها فيلمها، بينما الحلقة نفسها مصورة كلقطة واحدة.

وفيما تسخر بولي بشكل عابر من أن فيلم 1917 للمخرج سام ميندز ليس لقطة واحدة فعلاً، لأن صناعه لجأوا إلى بعض الخدع للايهام بذلك، يفترض بنا أن نصدق أن صناع المسلسل لم يستخدموا هذه الخدع في تصوير الحلقة، وبالفعل يصعب أن نكتشف الفرق! 

يعتمد المسلسل بشكل عام على أسلوب اللقطة الواحدة المتحركة لكل مشهد، ما يتيح حالة من الديناميكية والعصبية التي تتطابق مع صفات البطل "مات ريميك"، وأداء سيث روجن للشخصية بشكل يبدو معه وكأنه على وشك الانهيار العصبي في أي لحظة.

في الوقت نفسه هناك تنويع للأسلوب من حلقة لأخرى، فهناك حلقة بعنوان The Missing Reel تدور حول فقدان أحد شرائط الأفلام مصورة بطريقة الفيلم البوليسي، بينما تدور حلقة بعنوان The Pediatric Oncologist حول علاقة حب تربط ريميك بطبيبة أمراض أورام أطفال، ونظرة الطبيبة وزملاءها للسينما وخاصة نوع الأفلام التي ينتجها ريميك باعتبارها رخيصة ومبتذلة، والحلقة مصورة بأسلوب أهدأ على طريقة مسلسلات الـ"سيت- كوم" العاطفية.

بحب السيما ولكني أدمرها!

رغم الكوميديا الساخرة التي يضج بها المسلسل، فإن الفكرة الأكثر بروزاً وترديداً هي أن مجال الفن من الداخل ليس على ما يبدو عليه من الخارج، وأن الذين يعشقون الفن عادة ما يتعرضون لصدمة حين يدخلون المجال، يقول "مات" لرئيسته السابقة "ماتي": "لقد دخلت هذه المهنة لإنني أحب السينما، ولكن الآن أخشى أن مهمتي هي تدميرها"!

وكأن هذا الوسط الفني القائم على التجارة يمكن أن يحول الذين يحبون الفن إلى قتلة للفن، على مدار عدة عقود من متابعة الوسط الفني، لاحظت بالفعل أن كثيراً من الشباب الذين يدخلون المجال بروح مثالية وإيمان بأهمية الفن الرفيع، يتحولون بمرور الوقت إلى عدميين أو تجار لا يفكرون سوى في تحسين وضعهم الطبقي، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن تجد دائماً، وفي كل جيل، هؤلاء المخلصين الذين ينجحون في تقديم الفن الذي يحلمون به.

رغم سخريتهم المُرة من هوليوود، فإن هذا أيضاً هو ما ينجح فيه صناع The Studio، ولعل هذا أكثر ما يتميز به هذا العمل الفريد.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك