
وصف سينمائيون ونقاد رحيل المخرج المصري داوود عبد السيد، بأنه "خسارة كبيرة" للسينما الهادفة والجادة، وذلك رغم قلة أعماله خلال مشواره الفني الذي تجاوز 35 عاماً إذ لم يقدم سوى 9 أفلام فقط.
وغيّب الموت، السبت، المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد، عن 79 عاماً، حسبما أعلنت زوجته الكاتبة الصحفية كريمة كمال.
ونعت كمال في منشور على "فيسبوك" زوجها بكلمات مؤثرة قائلة: "رحل اليوم أغلى ماعندي، زوجي وحبيبي داوود عبد السيد"، مؤكدة فقدان أحد أهم الأصوات السينمائية في تاريخ السينما المصرية والعربية.
الموسيقار راجح داوود قال لـ"الشرق" إن داوود عبد السيد "صاحب الفضل" في دخوله مجال الموسيقى التصويرية، مضيفاً: "أحببت السينما من خلاله فهو لم يكن مجرد ابن عم لي بل كان أستاذاً ومرجعاً، وبرحيله فقدت أخاً وأستاذاً عظيماً".
وقال المخرج خيري بشارة: "صديق العمر داوود عبد السيد غادرتنا وارتحت من عذابك وتركتني وحيداً فلترقد في سلام".
وعلق المخرج محمد ياسين قائلاً: "سافر بعيداً داوود عبد السيد وستبقي أفلامه ليست كلماتٍ تُرسل، بل أرواح تبحث عمّن يفهمها.. وداعاً لضميرٍ نادر في السينما المصرية".
وقال المخرج يسري نصر الله، إن خيال داوود عبد السيد كان أوسع من هذا العالم، وأضاف أن "أفلامه احتضنت العالم.. أحبت أفلامه الناس فأحبه الناس وأحبوا خياله".
بدوره، قال المخرج خالد جلال إن عبد السيد ترك أعمالاً فنية ستظل خالدة فى قلوب المصريين، ووصفه بـ"الفريد فناً وخلقاً"، مؤكداً أن أعماله السينمائية ستظل باقية، تتذكرها الأجيال.
ووصفت الناقدة الفنية ماجدة خير الله، المخرج الراحل بأنه "صاحب تجربة فنية خاصة، وفنان وإنسان مؤثر رغم قلة مشروعاته".
وأضافت لـ"الشرق": "للأسف اتجاه السينما نحو الاعتماد علي الناحية التجارية كان ضحيته فنان بحجم داوود، ولكنه ظل متمسكاً بوجهة نظره".
"فيلسوف السينما"
وأكدت الناقدة ماجدة موريس لـ"الشرق" أن داوود عبد السيد هو "فيلسوف السينما الحقيقي؛ لأنه قدم أعمالاً تقف أمامها كثيراً، ورصد واقعاً بوجهة نظر خاصة، وعانى من عدم دعم المنتجين".
وتابعت: "فيلم مثل رسائل البحر شاهدته عشر مرات، وكل مرة أشاهده أشعر بسعادة كبيرة، وأيضاً فيلم مواطن ومخبر وحرامي تجد فيه حالة فنية متميزة".
وقال الناقد الفني أحمد شوقي: "العالم فقد فنان عظيم وإنسان نادر"، وبالدعاء عبرت الفنانة مني زكي عن حزنها لرحيل داوود عبد السيد، وعلقت قائلة: "في الجنة ونعيمها أستاذنا المبدع.. الله يرحمه".
وعبرت الفنانة نجلاء بدر عن حزنها قائلة إن خبر وفاة داوود عبد السيد "أتعس خبر مر بحياتي.. مهما قلت مش هايكفي قيمتك وحبنا لك.. لك السلام والأمان وكل الحب و الاحترام".
وقال الفنان عباس أبو الحسن: "مرت السنون والعقود وظل داوود متشبثاً بأفكاره وقيمه وفكره.. لم يساوم ولم يهتز ولم يعد حساباته.. صمد في صمت، وكم كنت محظوظاً حين عملت معه وكم كان متواضعاً حليماً حين شملني بعطفه ومحبته ومساندته الكبيرة".
ووصفت الفنانة هنا شيحة رحيل داوود عبد السيد بأنه "خسارة حقيقية للسينما المصرية والعربية".
مسيرة استثنائية
ونعى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي رحيل المخرج الكبير داوود عبد السيد، وأكد في بيان أن الراحل أحد أبرز صُنّاع السينما المصرية والعربية، ورحل بعد مسيرة استثنائية ترك خلالها بصمات خالدة في تاريخ الفن السابع، وقدّم أعمالاً شكلت وجدان أجيال من محبي السينما.
وقال الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي: "برحيل داوود عبد السيد تفقد السينما المصرية أحد أهم مبدعيها وأكثرهم صدقاً وخصوصية.. كان صاحب رؤية فلسفية وإنسانية نادرة، وترك لنا أعمالاً ستبقى مرجعاً في الجمال والوعي والمعنى.. لقد ساهم داوود عبد السيد في ترسيخ مفهوم السينما كفن للتأمل والبحث في الإنسان والمجتمع، وسنظل نحتفي بإرثه ونتعلم من بصيرته السينمائية العميقة".
وتقدمت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر، بالعزاء لأسرة وجمهور داوود عبد السيد.
وأشارت الهيئة، في بيان، إلى أن الراحل أحد كبار صناع المشهد السينمائي المصري في العقود الأخيرة، موضحة أنه "تجاوز في عطائه دور المخرج المتميز إلى دور الباحث الجاد في شؤون المجتمع".
وأضافت أن رحيل عبد السيد "خسارة كبري للقوة الناعمة المصرية، ولكن أعماله ستبقى شاهدة علي فنه ودوره ورسالته".
أفلام وجوائز
ويعد داوود عبد السيد من أبرز المخرجين الذين شكّلوا تياراً سينمائياً خاصاً قائماً على التأمل الفلسفي والاشتباك العميق مع أسئلة المجتمع والسلطة والحرية والهوية، بعيداً عن القوالب التجارية السائدة، ما جعله يحظى بمكانة استثنائية لدى النقاد وصناع السينما.
ولد داوود عبد السيد في القاهرة عام 1946، وتخرج في المعهد العالي للسينما، وبدأ مسيرته المهنية كمساعد مخرج مع يوسف شاهين قبل أن يتجه إلى الإخراج، مقدّماً في بداياته عدداً من الأفلام التسجيلية التي عكست اهتمامه بالواقع الاجتماعي والإنسان البسيط، وهو النهج الذي ظل حاضراً في مجمل أعماله الروائية.
وخلال مسيرته، قدم عبد السيد مجموعة من الأفلام التي أصبحت علامات فارقة في السينما المصرية الحديثة، من بينها "الصعاليك" في عام 1985، مروراً بـ"الكيت كات" في عام 1991، و"أرض الأحلام" في عام 1993، و"سارق الفرح" في عام 1994، و"أرض الخوف" في عام 2000، و"مواطن ومخبر وحرامي" في عام 2001، و"رسائل البحر" في عام 2010، و"قدرات غير عادية"في عام 2015، وحصل على جوائز عدّة داخل مصر وخارجها.
ولقب عبد السيد، بـ"فيلسوف السينما"، وهو ينتمي لجيل من المخرجين أُطلق عليهم أصحاب "سينما الواقعية الجديدة" في الثمانينيات، مثل عاطف الطيب، ومحمد خان، وخيري بشارة.
ونال جائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2004 وجائزة الدولة التقديرية عام 2012 وجائزة النيل في الفنون عام 2022.









