السينما في السعودية: وقائع ثورة ثقافية معلنة (3-3)

time reading iconدقائق القراءة - 8
هيفاء المنصور تتوسط بطلتي فيلم "المرشحة المثالية" الممثلتان السعوديتان ضي الهلالي وميلا زهراني- مهرجان فينيسيا 2019 - AFP
هيفاء المنصور تتوسط بطلتي فيلم "المرشحة المثالية" الممثلتان السعوديتان ضي الهلالي وميلا زهراني- مهرجان فينيسيا 2019 - AFP
القاهرة-عصام زكريا*

على الرغم من سنوات المنع الطويلة التي تعرضت لها السينما في السعودية، فإن ذلك لا يعني انقطاع الصلة تماما بين السعوديين والفن السينمائي، أو عدم ظهور تجارب ومحاولات متفرقة ومتنوعة من قبل سعوديين عشقوا السينما وأرادوا أن يعملوا في مجالها.

من أبرز هذه الأسماء المخرج والمؤلف عبد الله المحيسن، الذي يعد من أوائل السعوديين الذين عملوا بالسينما كمحترف. 

المحيسن المولود في 1947 تعلم السينما في بريطانيا وعاد إلى السعودية في 1975، ليؤسس شركة للدعاية والإعلان وأخرى للتصوير السينمائي، حيث صنع فيلماً وثائقياً عن تطوير مدينة الرياض.

وتبعه في العام التالي بإخراج الفيلم الوثائقي القصير "اغتيال مدينة"، ويصور هذا الفيلم الذي يمكن مشاهدة مقاطع منه على اليوتيوب، بدايات الحرب الأهلية في بيروت، وعُرض في 1977 بمهرجان القاهرة السينمائي الثاني، وفاز بجائزة نفرتيتي الفضية لأفضل فيلم قصير.

إغلاق دور العرض

ويروي عبد الله المحيسن، أن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز شاهد فيلمه "اغتيال مدينة"، وتأثر به وسمح للمحيسن بعرضه في أي مكان يريد، مع ذلك حملت السنوات التالية عواصف عاتية أدت إلى إغلاق كل دور العرض ومنع تصوير الأفلام في المملكة.

وسرعان ما انهارت التجربة التي بدأها المحيسن ليتجه إلى العمل في التلفزيون، إذ أسس أول وحدة للنقل الخارجي المباشر في السعودية، وصنع عدداً من المسلسلات والأفلام الوثائقية. 

كان التلفزيون ملاذاً لكثير من صناع الأفلام في الخليج، سرعان ما وجدوا فيه مكاناً آمناً يحققون فيه بعض أحلامهم، وكان على المحيسن أن ينتظر حتى 2006 ليصنع فيلمه الروائي الطويل الأول وهو "ظلال الصمت". 

"الذباب"

هل عبد الله المحيسن أول سينمائي سعودي، وهل "ظلال الصمت" هو أول فيلم روائي سعودي؟

هناك أفلام ووجهات نظر أخرى، في 1950 صنعت شركة "أرامكو" السعودية فيلماً دعائياً بعنوان "الذباب" يحذر من انتشار الأمراض القاتلة بسبب الحشرات.

وشارك في هذا الفيلم صبي سعودي اسمه حسن الغانم، الذي يعد، بشكل ما، أول ممثل سينمائي سعودي، كما يعد "الذباب"، بشكل ما، أول فيلم سعودي من ناحية أنه صور في المملكة وتناول موضوعا محلياً، رغم أن الإنتاج وفريق العمل ليسوا سعوديين.

في 1966 قدم المخرج سعد الفريح فيلماً روائياً قصيراً بعنوان "تأنيب ضمير". والفريح، مثل المحيسني، من رواد التليفزيون والأفلام الوثائقية في السعودية.

في 1980 أخرج المصري نيازي مصطفى مسلسلاً من 7 حلقات للتلفزيون السعودي بعنوان "موعد مع المجهول"، تم تصويره بكاميرا السينما، وشارك في تمثيله سعد خضر ومطرب فواز وهالة نيازي، ويبدو أنه تم دمجه بعد ذلك على شراط فيديو وتوزيعه كفيلم سينمائي.

وعلى أية حال، يقال إن عدد الأفلام "السعودية" منذ النشأة وحتى 2017 بلغ نحو 300 فيلم قصير، معظمها تغطيات أو دعائيات وثائقية تليفزيونية.

"ظلال الصمت" و"كيف الحال"

بالعودة إلى 2006، العام الذي صدر فيه فيلم "ظلال الصمت" لعبد الله المحيسن، سنفاجأ بوجود فيلم روائي طويل آخر، ينازع "ظلال الصمت" على لقب "أول فيلم سعودي روائي طويل"، إنه فيلم "كيف الحال" من إخراج إيزادور مسلم، عن سيناريو للمصري بلال فضل وتمثيل هشام الهويش وفاطمة الحوسني وميس حمدان.

كل من "ظلال الصمت" و"كيف الحال" يعكسان تيارين يتجاذبان السينما السعودية إلى الآن. في "ظلال الصمت" يعالج المحيسني قضية وطنية تحمل الهمّ العربي الذي أعرب عنه قبل 30 عاماً في فيلمه الأول "اغتيال مدينة"، وفي الوقت ذاته يحاول تقديم لغة سينمائية رصينة تتناسب مع موضوعه. 

"كيف الحال" على العكس فيلم يتمسك باللحظة الراهنة، ويعالج هموم الشباب الذي يسعى لعيش حياة عصرية. إذ يمارس الشاب الفن وحيث تعمل الفتاة وتحقق ذاتيتها، في مواجهة التيار المتشدد الذي يمارس الضغوط لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.

هيفاء المنصور

من الأسماء التي لا يمكن إغفالها أيضاً في تاريخ السينما السعودية هيفاء المنصور، وهي بالتأكيد أول سعودية تحترف صناعة الأفلام منذ نهاية التسعينيات، حين صنعت فيلمها القصير الأول "من؟" في 1997.

ومن أبرز أفلامها الفيلم الوثائقي "نساء بلا ظل" (2005)، الذي شارك وفاز في عدد كبير من المهرجانات الدولية والعربية، والذي يعرض ويناقش أوضاع المرأة في السعودية في ذلك الوقت.

أثار الفيلم ضجة كبيرة ونالت المنصور نصيبها من الاتهامات والهجوم من قبل المتشددين، والحق أنها كانت شجاعة ومثلت نموذجاً لصانعات وصناع الأفلام والمرأة بشكل عام في السعودية، وكسرت حواجز عقود من الصمت وتحريم الأفلام، وأعتقد أن عشرات، وربما مئات، الفتيات السعوديات اللاتي يعملن بالسينما الآن يدن بالفضل لجهود وشجاعة هيفاء المنصور.

هيفاء المنصور هي أيضا صاحبة أول فيلم روائي طويل يصل باسم السعودية إلى حلبة التسابق على الأوسكار، وهو فيلمها الروائي الطويل الأول "وجدة" الذي صور في الرياض عام 2012.

يروي الفيلم قصة فتاة صغيرة ترغب في ركوب الدراجات كالأولاد، والعقبات التي تواجهها في سبيل تحقيق أمنيتها في بلد ممنوع فيه على النساء قيادة سيارة (قبل صدور قرارات السماح للنساء بقيادة السيارات في 2018).

من الأوسكار إلى فينيسيا

في 2019 قدمت المنصور فيلمها الروائي الثاني الذي حمل اسم "المرشحة المثالية"، وفتاة الدراجة أصبحت هُنا طبيبة، تعتمد على نفسها، تقرر أن ترشح نفسها في الانتخابات البلدية، في بلد لم يكن يعترف بحق المراة في التصويت في ذلك الوقت (حيث لم يعترف بذلك الحق إلا في 2015)، والفيلم مثل المملكة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا الدولي، ليصبح أول فيلم سعودي يصل إلى هذه الدرجة.

ما بين فيلمي المنصور، صدر فيلم سعودي لا يقل أهمية في مسيرة السينما السعودية المعاصرة وهو فيلم "بركة يقابل بركة" إخراج وتأليف محمود صباغ، الذي مثل السعودية في سباق الأوسكار ليصبح ثاني فيلم ينال هذا الشرف، بجانب مشاركته في عدد كبير من المهرجانات الدولية.

"بركة يقابل بركة" يروي قصة حب تدور في جدة بين ممثل مسرحي شاب وفتاة تهوى نشر فيديوهات على إنستجرام، والعقبات التي تقف في سبيل هذا الحب، في المجتمع وسبل اللجوء للتحايل.

الفيلم بطولة هشام فقيه وفاطمة بنوي، التي أصبحت هي نفسها مخرجة، وقدمت فيلمها القصير الأول ضمن الفيلم المشترك "بلوغ" الذي شارك في مهرجاني القاهرة والبحر الأحمر الماضيين.

*ناقد فني مصري

اقرأ أيضاً:

تصنيفات