تستعد الجزائر لإنشاء مدن إنتاج سينمائي ضمن خطة تستهدف جلب المنتجين محلياً وعالمياً لتطوير صناعة السينما، فيما رحب نقاد بالخطوة، مشددين في الوقت نفسه على ضرورة إصلاح التشريعات وتسهيل الإجراءات
وقال مسؤولون جزائريون في قطاع السينما لـ"الشرق"، إن المشروع الذي بدأ العمل عليه في أبريل 2021، يشمل إنشاء أول مدينة إنتاج سينمائي في منطقة تينركوك التاريخية (60 كلم شمال تيميمون)، جنوب البلاد، بجانب تجهيز مدينة بمقاييس عالمية، غرب العاصمة.
وأضاف المسؤولون أن الخطة تستهدف "إعادة إحياء وترقية الصناعة السينماتوغرافية، عن طريق توفير فضاء مفتوح للتصوير يضم مستلزمات الصناعة، فضلاً عن إعداد الأيدي العاملة، وصولاً إلى تجهيزات أعمال ما بعد التصوير من مختبرات معالجة صور وفيديوهات".
وتراجعت السينما الجزائرية مع بداية التسعينيات، بعدما عاشت فترة ذهبية خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إذ توجت بجائزة "الأسد الذهبي" لمهرجان البندقية عن فيلم "معركة الجزائر" في عام 1966، وبجائزة "الأوسكار" لأفضل فيلم أجنبي عن فيلم "زاد" في 1969، كما توجت أيضاً بجائزة "السعفة الذهبية" لمهرجان كان بفيلم "سنوات الجمر" في عام 1975.
وكانت الجزائر تمتلك في عام 1962 عقب الاستقلال، أكثر من 450 قاعة سينما، منهم 50 قاعة في العاصمة الجزائر، ولكن هذا العدد تراجع بشكل كبير مع بداية التسعينيات، في ظل تراجع الإنتاج السينمائي أيضاً إلى بضعة أفلام سنوياً.
منطقة تاريخية
نبيل حاجي المستشار المكلف بالسينما في وزارة الثقافة، قال لـ"الشرق"، إن اختيار منطقة تيميمون يرجع إلى أنها مدينة تاريخية، وشهدت تصوير أعمال سينمائية سابقة، وأيضاً لما تحتويه من طبيعية جميلة وواحات وقصور وكثبان رملية.
وبحسب حاجي، فإن "مشروع المدينة السينمائية يعكس اهتمام الحكومة بتطوير القطاع، الذي لن يحدث إلا بوجود هذه الفضاءات، التي ستتيح لأصحاب المشاريع تنفيذ أعمالهم".
ورأى أن "المدينة السينمائية بمثابة شريان حياة يوفر للمنتجين الجزائريين والأجانب تنفيذ أعمالهم في هذا الفضاء المفتوح، كما ستضم ورش، إلى جانب الأيدي العاملة الأساسية، من خلال تجهيز شباب المنطقة في تخصصات الديكور وملابس التجميل وتسيير الإنتاج، ما سيوفر أيضاً فرصاً للعمل".
كما أشار حاجي إلى وجود اهتمام من القطاع الخاص، بالاستثمار ضمن قطاع الصناعة السينمائية في عدة ولايات جزائرية.
مرحلة ما بعد التصوير
المدير العام للمركز الجزائري للصناعة السينماتوغرافية فيصل مبروك، قال لـ"الشرق"، إن بلاده تسعى من خلال مشروع المدينة السينمائية، التي يشرف المركز على إنشائها، إلى استقطاب المنتجين العالميين لتصوير أعمالهم في الجزائر، عن طريق "تهيئة الظروف المناسبة والبنية التحتية اللازمة".
وبحسب مبروك، فإن "المركز الجزائري" يواصل دراساته الأولية لإنجاز مدينة بمقاييس عالمية في العاصمة، تضم مختبرات معالجة الصور والفيديوهات، وكل أعمال ما بعد الإنتاج بمنطقة أولاد فايت بالجزائر، بجانب ورش لصناعة الديكور أيضاً.
من جانبه، قال الناقد السينمائي حبيب بوخليفة لـ"الشرق" إن "مساعي السلطات الجزائرية لإنشاء مدن سينمائية خطوة إيجابية، نأمل منها تصحيح الاختلالات التي تعيشها صناعة السينما نتيجة ضعف البنية التحتية، مثل الاستوديوهات وتقنيات التصوير الحديثة والإضاءة، ما انعكس سلباً على نوعية وكم الأفلام السينمائية المنتجة".
"إصلاح التشريعات"
بدوره، قال الممثل والمخرج الجزائري عبد القادر جريو لـ"الشرق"، إن "إنشاء مدن سينمائية مهم جداً، لكنه غير كاف لبعث صناعة السينما"، مضيفاً أن "الأهم في الظرف الحالي إصلاح التشريعات المنظمة بشكل يشجع المستثمرين المحليين والأجانب، على إنتاج وعرض وتوزيع الأعمال المنتجة في قاعات السينما بشكل يخلق سوقاً حقيقية".
وفي عام 2021، أعلنت وزارة الثقافة تنصيب لجنة لصياغة مشروع قانون للصناعة السينمائية، يستهدف مقاربة اقتصادية للسينما من خلال تحرير مبادرات القطاع الخاص بالاستثمار في مختلف النشاطات السينمائية، وجعل الجزائر وجهة مفضلة للتصوير السينمائي عبر "تبسيط الإجراءات الإدارية" لا سيما فيما يتعلق بمنح الرخص القانونية.
وفي هذا الشأن، قال حاجي، المستشار المكلف بالسينما في وزارة الثقافة، إن "مشروع قانون الصناعة السينمائية قيد الدراسة، وسيشجع ويحفز الاستثمارات المختلفة في القطاع سواء في بناء الاستوديوهات أو قاعات مجمعات السينما الضرورية لحركة الإنتاج".
ضعف التمويل
من جانب آخر، نبه عبد القادر جريو إلى أن السينما الجزائرية تشهد في السنوات الأخيرة تراجعاً من حيث نوعية وجودة الأعمال المنتجة، بسبب ضعف التمويل باستثناء "أعمال أيدلوجية" تحظى بتمويل من الدولة.
وتعود بداية السينما في الجزائر لستينات القرن الماضي. وشكلت حرب التحرير الموضوع الرئيسي لغالبية الأفلام التي حازت على جوائز عالمية، منها فيلم "وقائع سنوات الجمر" لمحمد لخضر حمينة عام 1975، الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان" العام نفسه، وفيلم "الوهراني" (2014) للمخرج لياس سالم، الحائز على جوائز عدة في مهرجان الفيلم "الفرانكوفوني" في "أنجوليم" الفرنسية.
وفي الجزائر تم إنتاج أكثر من 170 فيلماً (طويل، وثائقي، وقصير) بين الأعوام 2007 و2013، إذ تم تمويل أغلبها بأموال حكومية.
وتُحصي الجزائر أكثر من ألف شركة إنتاج وتوزيع في القطاع السمعي البصري، وفق تقرير صادر عن منظمة "اليونسكو" في أكتوبر 2021 حول الإنتاج السينماتوغرافي و السمع البصري في إفريقيا.
اقرأ أيضاً: