"تغيير جو".. دراما مختلفة ظلمها "الترند"

time reading iconدقائق القراءة - 7
الملصق الدعائي لمسلسل "تغيير جو" - المكتب الإعلامي لقنوات mbc
الملصق الدعائي لمسلسل "تغيير جو" - المكتب الإعلامي لقنوات mbc
القاهرة-عصام زكريا*

هذا عمل ظلمه التسابق في موسم رمضان، حيث يصبح "الترند" معياراً للنجاح، والانطباعات الأولى سيدة الموقف.

ليس في "تغيير جو" ما يصنع الجدل و"الترند"، والانطباعات الأولى التي تركها في المشاهدين كانت مزيجاً من الإعجاب والاستغراب، ثم حيرة، وتردد في الحكم. 

يبدأ "تغيير جو" بإيقاع سريع وحدث مشوق، تحاول مهندسة الديكور الشابة شريفة (منة شلبي) بيع بيت عائلة أمها (شيرين)، المودعة في مصحة للعلاج من الادمان، فتقوم بالسفر إلى بيروت للحصول على توقيع خالتها (ميرفت أمين)، حيث يقوم لص بخطف حقيبتها التي تحمل جواز سفرها ونسخة العقد الموقعة. 

تضطر الفتاة للبقاء بضعة أيام حتى تسترد الحقيبة، وتقيم مع خالتها في المطعم والفندق الصغير الذي تملكه، وتختلط بالعديد من الشخصيات، أقارب وأغراب، وتتراجع إلى الخلفية قصة الحقيبة، لتحتل الصدارة قصص عاطفية وعائلية، وتتداخل الأحداث والمواقف بشكل يبدو غير مترابط، وبطيئ الإيقاع. 

رحلة نفسية

قصة فقدان الحقيبة واضطرار شريفة للبقاء بسببها هي ما يطلق عليه "ماجافن" MacGuffin بمصطلحات كتابة السيناريو، وهو مصطلح صكه مخرج التشويق ألفريد هيتشكوك، وذكره في سلسلة حواراته مع فرانسوا تروفو التي صدرت في واحد من أشهر كتب السينما العالمية. 

يشير المصطلح إلى شئ ليس له أهمية في حد ذاته، قد يكون شيئاً وهمياً أحياناً، خطاب سري، مفتاح، تركيبة قنبلة، لكنه يحرك الدراما وتتمحور حوله الأحداث والشخصيات. 

في سيناريو "تغيير جو" الذي كتبته منى الشيمي بمشاركة مجدي أمين، فإن فقدان الحقيبة هو محرك لانتقال البطلة من عالمها الضيق الممل في القاهرة، في رحلة بدأت وكأنها سفرة ليوم واحد لإنجاز مهمة وبالمرة "تغيير جو" (كما يقول التعبير العامي المصري لوصف النزهات ونشاطات الترويح عن النفس الخفيفة). 

لكن "تغيير الجو" هنا، سواء بالنسبة لشريفة أو لمعظم الشخصيات الأخرى، يتحول بمرور الأحداث إلى "تغيير حياة"، والرحلة التي كان يفترض ألا تزيد عن بضع ساعات تصبح تجربة روحية ونفسية وبدنية، تتحول من خلالها البطلة إلى شخصية مختلفة.

أسلوب مميز

ليس في هذه الرحلة مغامرات خطرة أو صراعات ملتهبة، بل مواقف يومية عادية، كأنما انتزعتها المؤلفة من الحياة وتجاربها الشخصية، وحرصت المخرجة مريم أبو عوف على تقديمها بشكل واقعي وطبيعي.
ومن يتابع أعمال أبو عوف (من بينها "إمبراطورية مين؟"، و"ليه لأ" بجزئيه، و"وش وضهر") يمكن أن يلاحظ أسلوبها المميز.

 أبرز سمات هذا الأسلوب قدرتها الهائلة على قيادة الممثلين ليؤدوا بطريقة عفوية، سواء كانوا من المخضرمين أو الشباب أو حتى الأطفال.

أداء ميرفت أمين وشيرين ومحمود قابيل ونبيل علي ماهر يختلف هنا عن عشرات الأدوار التي أدوها على مدار عقود. 

نبيل علي ماهر، مثلاً، يلعب دور رجل مشلول لا ينطق بكلمة واحدة، ولا يتحرك فيه سوى بعض عضلات وجهه، ولكن عيناه تموجان بعشرات المشاعر. 

ميرفت أمين تؤدي دوراً جديداً عليها، كسيدة مسنة بسيطة تواجه أي مشكلة تواجهها بالإنكار، أما شيرين فتحافظ بإعجاز على المسافة بين العقل والجنون. 

منة شلبي وإياد نصار وصالح بكري من جيل ومدرسة تمثيلية أحدث، تتوافق مع أسلوب المخرجة، يؤدون أدوارهم بتمكن، ولكن المدهش هو الممثلون الشباب مثل سعيد سرحان وآية أبي حيدر وعايدة الكاشف، وبالأخص عصام عمر، الذي يؤدي شخصية الشاب المهاجر الفقير بشكل استثنائي. 

حميمية المكان

تملك مريم أبو عوف كذلك إحساساً حميماً بالمكان، تجيد التصوير في الشوارع وسط الناس العاديين. 
في المسلسل أجزاء تم تصويرها في منطقة عشوائيات ببيروت تكاد تشعر برائحتها ونبض سكانها، وأجزاء تم تصويرها في قلب المدينة العصرية، ولكن حتى في الأماكن الداخلية، تستطيع أن تعطيها لمسات واقعية وتصويراً طبيعياً إلى حد كبير (لا يوجد هنا مثلا الاستخدام المصطنع لمصابيح الإضاءة الجانبية التي يهواها مديروا تصوير المسلسلات، حتى لو كانت لا تتفق مع طبيعة المكان وسكانه).

إخلاص مريم أبو عوف لمفهومها عن الواقعية يأتي أحياناً على حساب الإيقاع، إذ تكثر مشاهد البوح والثرثرة أحياناً، بين أم وابنتها أو صديقين مقربين، فلا تضيف للدراما شيئاً، ولا تخلق الأثر الشعوري المفترض.

وعلى العكس تستخدم المخرجة أحياناً تقنية القطع المتوازي (الفوتو مونتاج) ببراعة وإحساس مرهف، لتعرض بعض اللقطات الصامتة للشخصيات في أماكن مختلفة، فتعطي تأثيراً أكبر بكثير من المشاهد الحوارية الطويلة. 

كذلك تستخدم المخرجة الموسيقى التصويرية التي وضعها ساري هاني بدقة ورهافة، وسواء كان المشهد عاطفياً، أو مطاردة في الشوارع، أو "فوتو مونتاج" صامت، هناك دائما جمل موسيقية وتوزيع ملائم يكمل معنى المشهد وإحساسه.

عمل غير نمطي

يحتاج "تغيير جو" إلى بعض الصبر، وغض البصر عن بعض الثرثرة، في مقابل عمل مختلف في فكرته وعالمه وتفاصيله. 

السرد هنا سلس، ومنطقي، لا مبالغات أو "تويستات" درامية أو مواقف مفتعلة، ومع ذلك هناك مفاجآت دائماً. 

على سبيل المثال شخصية فارس التي يؤديها صالح بكري، أو حضور الأم إلى لبنان، أو خيانة مشتري البيت ومحاميه، أو هرب اللص مرتين، أو ظهور اللص الأول وسرقته للدولارات، مواقف، رغم غرابتها، تبدو منطقية وواقعية. 

وتحت السطح الهادئ للمسلسل هناك شخصيات غير نمطية تضج بالحياة والخصوصية مثل خالد (إياد نصار) الذي كان يعمل بالخارجية وفصل بعد زواجه من لبنانية مسيحية، توفت، وعلاقته بابنته المراهقة، علاقة الحبيبين مريم ووسام، أيمن الشاب المهاجر وعلاقته بالإفريقية أنيسة. 

ويطرح المسلسل موضوعات مثل الزواج المختلط والعنصرية والهجرة غير الشرعية، لكنها تأتي بشكل طبيعي عبر الأحداث والشخصيات. 

يدور "تغيير جو" بين مصر ولبنان، ويضم شخصيات وممثلين متعددي الجنسيات واللهجات، في واحدة من المرات القليلة التي تخرج فيها الدراما المصرية من محليتها، وهو إنجاز على المستوى الإنتاجي والفني والإنساني أيضاً.

ولعل أجمل ما في المسلسل هو مزجه بين الكوميديا الخفيفة والدراما الجادة، الحزينة في كثير من المواقف، حين يختلط الضحك بالحزن داخل المشهد الواحد أحياناً. 

ورغم الغلاف الكوميدي الذي يغلف الأحداث، إلا أن الحكاية، في الحقيقة، ليست مضحكة، ولا الشخصيات هزلية أو كاريكاتيرية، بل خلف كل منهم مأساة ومعاناة، ويسري عبر العمل تعاطف إنساني يشمل الشخصيات والعالم بأسره.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات