"تحت الوصاية".. بريق القضية أم لمعة الدراما؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
الملصق الدعائي لمسلسل "تحت الوصاية" - facebook/MediaHubAdv
الملصق الدعائي لمسلسل "تحت الوصاية" - facebook/MediaHubAdv
القاهرة-رامي عبد الرازق*

شهدت مسلسلات النصف الثاني من موسم دراما رمضان انطلاقاً من تيمة السفر في 3 مسلسلات لـ3 ممثلات من أصحاب الأرصدة الجماهيرية الكبيرة، حيث سافرت منة شلبي إلى بيروت في مسلسلها "تغيير جو"، لتحصل على توقيع خالتها الذي يمنحها أخيراً فرصة بيع بيت العائلة، لضمان حياة مختلفة لها ولأمها مدمنة المهدئات.

وسافرت دنيا سمير غانم في "جت سليمة" إلى عالم "أرض النعام" الفانتازي، بعد أن قرأت كتاباً سحرياً من مكتبة أبيها الراحل، لتجد نفسها مضطرة ان تسافر حتى داخل العالم الغرائبي إلى ممالك أخرى في محاولة لإنقاذ أخيها الذي احتجزه الملك الشرير طمعان، في محاكاة جامعة لعناصر من "ألف ليلة" و"مملكة الخواتم" و"هاري بوتر".

وأخيراً سافرت منى زكى في "تحت الوصاية" إلى دمياط، هرباً من مطرقة الوصاية التي هبطت بعوارها القانوني والإنساني والاجتماعي على رأس حياتها الأسرية، عقب ترملها كأم وحيدة في مواجهة هيمنة عمياء.

 مجازات الدفة

في مقابل جدول مواعيد صعود نساء (جعفر العمدة/محمد رمضان) إلى جنته الذكورية، ليهبهم من نفحات فحولته، جاءت محاولات كل من (نادرة/نيللي كريم)، و(ستهم/روجينا)، و(حنان/منى زكي) للفرار من كل ما تمثله هذه اللوحة المهينة.

تلك المحاولات التي يمكن اختصارها في مغامرة الإمساك بالدفة، لقيادة المركب التي تركها زوج "حنان" كميراث شرعي يحتاجه أبنائه، لكنها وقعت تحت وصاية الجد وقيادة العم.

يُعيد المسلسل التأكيد على مجاز الدفة، عندما تلتقي "حنان" في رحلتها لتشغيل المركب والاستفادة من ريع (سرحة البحر للصيد)، بشخصية (دلال/ثراء جبيل) التي تعمل كسائقة تاكسي، وهي مهنة غير اعتيادية في المجتمع المصري، ولكن إذا كانت حنان استطاعت بخبرتها القليلة واحتقانها تجاه مسألة الوصاية، أن تصير (ريسة/قبطان) مركب الصيد، فلا مانع من أن نرى تنويعات على النموذج، من باب أن التكرار يؤكد المعنى ويقوي أثره.

يبدو احتقان "حنان" تجاه توابع حرمانها قانوناً من الوصاية على أبنائها، من أهم الأكواد التي اعتمد عليها كل من المخرج والممثلة في تقديم الشخصية، في الحلقات الأولى بدت "حنان" منهكة طوال الوقت، لاهثة، ليس فقط من أثر مغامرة الهرب نصف المحسوبة، ولكن من أثر الاحتقان الشديد الذي يقشر هشاشتها الأنثوية والأمومية من الداخل.

عيناها المتسعتان في مشاهد "الفلاش باك" ما قبل التيترات لا توحي فقط بدهشتها تجاه الانهيار المنظم لعالمها وعالم أطفالها، ولكن تحمل أيضاً رغبة في البحث عن ريشة واحدة ملونة في جناح الوصاية القاتم، الذي بدلاً من أن ينخفض لها في رحمة على ترملها وتيتم طفليها، يصبح كفاً غليظاً يصفعها المرة تلو الأخرى، بحساب أن المجتمع أكثر دراية منها بما تحتاجه هي وطفليها؛ بداية من طول شعر ابنتها مروراً بتجربة فقدان ابنها الوشيك لبصره، وحرمانه من احتراف كرة القدم، وصولاً إلى المبلغ المالي المخصص لها من إيراد المركب الذي يتولى شقيق زوجها قيادته.

صوتها المتكسر وفظاظتها المفتعلة، وتمسحها في صلابة ليس لها مخزون بداخلها سوى ما تفرزه اللحظة او يحتمه الموقف، كل هذا يبدو ظاهراً بصورة طبيعية وعميقة في أداء منى زكي للشخصية.

ولما كان السيناريو يقدم لها مساحة مجازية أخرى في كونها تريد تغيير اسمها من "حنان" إلى "ليلى" من أجل إغلاق دائرة الهرب بالاختفاء، فإن منى زكي بالفعل ما بين مشاهد "الفلاش باك" ومشاهد الرحلة المضنية تبدو كشخصيتين، يتشاركان نفس الوجه ويسلمان الألم لبعضهما.

 الخصم الرمادي

تتأصل خصومة حنان مع مبدأ الوصاية من خلال غالبية الشخصيات الذكورية التي تحيط بها، يمكن أن نستثنى منهم (عم ربيع/ رشد الشامي) في أكثر نفحات موهبته قوة- لأنه حسب الدراما هو (دليل/ناصح) البطل في رحلته إلى العالم الآخر)، وهو في نفس الوقت النموذج المقابل للجد صاحب الوصاية القانونية.

ولكن شتان ما بين توجيهات عم ربيع ودعمه وحكمته وتفهمه، وما بين غشومية الجد الذي يتعاطى مع كنته وأحفاده بمنطق العرف والسائد واحتكار النظرة البعيدة والرأي الأصوب. 

يمكن أن نشير إلى أن هذا التقابل ما بين شخصيتي الجد و"عم ربيع" من أكثر عناصر البناء الدرامي قوة، وهو التقابل الذي كرس له النص عبر سياقات كثيرة، ختمها بموت الشخصيتين في حلقتين متتاليتين.

وبالعودة لمسألة الخصومة فلا يبدو (صالح/دياب) عم الأولاد هو الخصم الوحيد أو الأساسي لـ"حنان" على الرغم من تصدره العداء، وليس لأنه خصم رمادي، بمعنى انه ليس شريراً في ذاته، ولكن عدائه نابع من ضعفه الشخصي تجاه سياقاته الحياتية مثل كون المركب مصدر رزقه الأساسي – نجده يفشل في ممارسة مهنه أبيه كحداد- وارتكاز مستقبله من أجل الزواج من حبيبته.

الضعفاء دائما هم الأكثر شراسة، والضعف المقصود هنا هو قلة الحيلة أو فقدان الوسائل باستثناء الجور أو السلب وصولاً إلى الأذى، كما في اتهامه لـ"سناء" أخت "حنان" بسرقتها للمركب، أو بهجومه على المركب مع البلطجية والذي سقط عم ربيع ضحيته..

خصومة "حنان" في الأصل مع مبدأ الوصاية المهيمن، حتى ولو وقعت ضحية اعتداء، فمحاولة "حمدي" اغتصابها وتصديها له بالطعن هو أكثر عناصر الهيمنة فجاجة واستفزازاً، فحتى وهي تحاول الدفاع عن شرفها لا يمنحها المحيط الذكوري المهمين أحقية إثبات هذا – سيتساءل الجميع ماذا كانت تفعل امرأة مثلها مع 4 رجال في مركب بوسط البحر- سوف يصبح جلوسها خلف الدفة أكثر من مجرد تهمة، بل هو دعوة لأن تصبح متاحة إلى فحولة الرجل التي لها كل التقديس والاعتبار.

أزمة طعن "حمدي"، وحصوله على نصف إيراد المركب كثمن لعدم اتهام "حنان" في شرفها أو سجنها كمعتدية، هي أكثر أزمة تكرس للعداء الشديد ما بين "حنان" والوصاية، وهي الأزمة التي تبلور بصورة ضاغطة قضية المسلسل ككل. 

 القضية أم الدراما

يعيد "تحت الوصاية" تجديد الخلاف ما بين أصحاب القضية ومريدوا الفن، فالعمل رغم تكامل عناصره بصورة صارت استثنائية وسط طوفان الغث من التجارب الهزيلة، إلا أن ميزان التكافئ ما بين بريق القضية ولمعة الدراما في سياقاته يبدو على قدر من الاختلال.

يعتبر نمو الشخصيات أو تطورها –رئيسية كانت أو ثانوية- من أكثر العناصر التي يتم من خلالها الحكم على نضج البناء وانتقال الشخصيات من حال إلى حال، على المستوى النفسي والموقف الحياتي.

هو إثبات على إثبات (الفرضية/الهدف) الدرامي الذي يتخذه العمل بوصلة له، خصوصاً عندما يصبح هذا التحول نتيجة للصراع بمختلف مستوياته ما بين الأبطال والخصوم.

في "تحت الوصاية" لا نرصد كثيراً هذا النوع من النمو في شخصية "حنان"، فباستثناء قرار الهرب وكسر الحصار، فإن غالبية القرارات التي تتخذها عبارة عن ردود أفعال تجاه الأزمات التي يخلقها السفر وتبدل الأوضاع، أي انها استجابات أكثر منها قرارات، فلا قيادة المركب ولا الاقتراض بالربا، ولا حتى العثور على مطعم كمنفذ لبيع السمك هي قرارات تعكس نمو في الشخصية وتطور في موقفها، ولكنها ردود أفعال تستجيب لمتطلبات الرحلة القاسية، وتحافظ على الاستقلال بعيداً عن وصاية الجميع، وتحدياً لها في نفس الوقت.

وينطبق هذا على شخصية الخصم الأساسي أيضاً وهو "صالح"، فشخصيته من الأساس تبدو مؤذية نتيجة شعوره بالضعف، وضميره يبدو ثابت تحت خط الموات، صحيح أن وضعه كخصم لا يسمح له بالمهادنة وإلا فقد الصراع اشتعاله وفقد المتلقي حماسته، ولكن حتى على مستوى الصراع الداخلي او الشعور بالتمزق ما بين إحساسه بأن ما تفعله "حنان" بالمركب هو حق لها، وأن ما يريده من المركب هو كل ما يمكن ان يجعل حياته تتحقق.  

زمن الحلقة

كثيرا ما تُفقد نمذجة الشخصيات صفاتها الإنسانية، وكل من "حنان" و"صالح" تحولا في سياق العمل إلى نموذجين بسبب وطأة القضية التي يطرحها، في مقابل أن تنجو الشخصيات الأخرى مثل "سناء" الأخت و"إبراهيم" زوجها اللذان نرصد تطور علاقتهما وأزمتهما الخاصة، فيما يتعلق بأفكار السعادة الزوجية والإنجاب والحب والاحترام، أو شخصية "منى" خطيبة صالح التي ترفض التخلي عن ارتباطها به، وتزيف انفصالهما من أجل كسب مزيد من الوقت ضد رغبة أمها، أو حتى شخصية "شنهابي" الذي تصهره تجربة اكتشاف كونه حرامي السمكأ ورغبته في أن يستعيد مكانه على المركب ومكانته لدى "حنان". 

نمذجة الشخصيات أدت إلى أن تصبح الأزمات اليومية التي تتعرض لها "حنان" مرتبطة بزمن الحلقة فقط، فلا تأثير قوي لها على امتداد خط الصراع بينها وبين "صالح"، فلا أزمة بيع الجمبري أو حصار التجار أو محاولة الاعتداء أو الطعن، أو حتى هرب "ياسين" وعودته شكلت فارقاً في الصراع الأساسي، بل أن اختصار أو حذف أي منها لم يكن ليؤثر على تطوره، والذي جاء عبر تدخل قدري متمثلاً في وفاة الجد وبالتالي انتقل الصراع من خارجه إلى مستوى ومرحلة أخرى، وهي المواجهة المباشرة والتي يحتاجها تكريس القضية بالفعل، ولكنها للأسف مواجهة لم تلعب الدراما الدور الأساسي في الوصول لها، ولم تشكل تلك المحطات الضاغطة واللاهثة أي فارق فيها، فنفس المواجهة كان من الممكن أن تحدث لو اختبأت حنان في بيت الأستاذ حتى وفاة الجد، ثم تعود إلى الإسكندرية من أجل مواجهة العم، بل لم يمنحها النص حتى سبباً قهرياً للعمل مع وجود رصيد لا بأس به من المال شاهدناه معها في بداية الرحلة.

ما يمكن أن يجعل تحت الوصاية فارقاً على مستوى التأثير الاجتماعي، هو ما أثاره حول قضية الوصاية وأحقية الأم، أما على المستوى الفني فهو نموذج تغلب فيه القضية الدراما على أرضها، ويختل ميزان الصراع نتيجة سطوة الهدف بدلاً من تمريره بالمكر القصصي المطلوب.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات